بقلم: عبد الرحمن عياش*

مَن منا لم يجزع من مرأى الإخوة يتصارعون على ثرى الأرض.. أرض الرباط؟!
مَن منا لم يشاهد دماء بسام الفرا.. وقبلها دماء ثلاثة أطفال أبرياء.. تسيل صارخةً شاهدةً على الظلم المبين.. ودماء بعدها وبعدها وبعدها؟؟!

 

مَن منا لم يتابع أحداث الجمعة في رام الله؟

ومَن منا لم يشهد جراح الثلاثين مواطنًا تسيل على أرض المسجد الكبير وخارجه في مشهدٍ لم يختلف كثيرًا عن مشهد جنود الاحتلال في المسجد الأقصى يوم جمعة وهم يمنعون المصلين من الدخول؟!

 

إخواني.. لسنا نكتب الآن لنعدد المآسي التي تحدث لأهلنا في كل يوم بل في كل ساعة في أرضنا الطاهرة أرض فلسطين؟! ولكننا نكتب محاولةً منا لتوضيح بعض مما يجب أن يوضح.. ولكن لنعد قليلاً للوراء..

الزمان.. مارس- آذار 2006م

المكان.. المقر الرئاسي في غزة


رجال تذهب وتجيء في سرعة وعجلة... شيء غير عادي يحدث.. داخل المقر نجد الأخ أبو العبد إسماعيل هنية يقسم اليمين أمام رئيس السلطة الوطنية محمود عباس.. يقسم اليمين الذي أعطاه إياه شعبه الذي اختاره.. شعبه الذي أجرى انتخابات شهد بنزاهتها العالم أجمعه من أقصاه إلى أقصاه.. يقسم اليمين بأن يحفظ عهده أمام الله ثم أمام شعبه, يقسم اليمين بأن يحافظ على برنامجه، يقسم اليمين أن يسير نحو التغيير والإصلاح، بأن يحفظ للشعب حقوقه، وأن يسير نحو استعادة أرضه وأن يثأر لعرضه.

 

وكانت بداية الحكومة المنتخبة، والتي يحب أبناء حركة المقاومة الإسلامية أن يسموها حكومتنا الرشيدة، ومما بدا أن الحكومة لم تُخيب رجاء أحد، إلا كل متنطعٍ فاسدٍ بطبيعة الحال.
وعلى مدى تسعة أشهر من العمل الدائب على كل الأصعدة، الداخلي والخارجي، والجهد المضني لتحقيق شبه المستحيل، في فك الحصار الذي فُرض قسرًا، وليته فرض لسبب آخر غير هذا، فرض الحصار الخانق، الاقتصادي والسياسي، والذي التزمت به معظم دول العالم، بما فيها الكثير من الدول العربية، أما السبب، فقد كانت تلك الكلمة التي يتشدقون بها ليل نهار، الديمقراطية، فالخيار الديمقراطي لم يعجب الولايات المتحدة بشقيها (الحمار والفيل)!

 

وبطبيعة الحال لم تعجب تلك النتيجة- الديمقراطية- أذناب الولايات المتحدة وأتباعها على أرض فلسطين، فحاولوا من البداية جاهدين أن يسقطوا تلك الحكومة الرشيدة.

 

- بالنسبة لي أعتبر الحكومة رشيدةً لمجرد أن يرفضها كل العملاء ورؤسائهم بالبيت الأبيض، فما بالكم لو أدَّت ما عليها، ثم عارضها الداخل العميل متعاونًا مع الخارج المتربص، وحاولت الحكومة جاهدةً أن تُوفر للشعب ما تقدر عليه، مع محاولة الحصول على حقوقها المسلوبة من الضرائب ومن ثم دفع رواتب الموظفين من الشعب.

 

وتبرز من وسط الشعب تلك الطائفة، الطائفة التي لم تزل تُثير الفتن منذ ابتداء المقاومة والجهاد، لا نتحدث هنا عن فتنة بين فتح وحماس، إنما نتحدث عن فتنةٍ بين كل أطراف الشعب، بين المعلمين ونقابتهم، بين العمال والحكومة، وبين الفصائل وبعضها.

 

تبرز تلك الطائفة لتزرع الشقاق، وتتساءل عن الراتب وتطلب بيع الأرض، لقد قالوا قديمًا "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها"، لقد قدَّم هؤلاء أنفسهم وأعراضهم، بل ويحاولون تقديم أوطانهم وشهداءهم وأسراهم من أجل كسرة الخبز.

 

ولم يكتفِ هؤلاء بذلك، بل حاولوا إسقاط الحكومة بطرقٍ أخرى غير الضغط الداخلي والحصار، وتتمثل في إبراز وجوه جديدة كبدلاء مطروحين أمام الغرب والإدارة الأمريكية في حال سقوط حكومة حماس، وكانت أبرز تلك الوجوه من المحسوبين على قيادة حركة التحرير الوطني "فتح".

 

ولكن تلك الحكومة استمرَّت نحو هدفها المرسوم، في القضاء على الفساد، وإنهاء الحصار، ثم توفير التمويل المادي اللازم لدفع رواتب الموظفين.

 

وكانت قمة الإيثار بمعناه الإسلامي والإنساني في عمل الحكومة وتعاملاتها المادية، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

 

- رئيس الوزراء ما زال يقطن بمخيم اللاجئين (مخيم الشاطئ).

 

- أمين سر المجلس التشريعي الدكتور محمود الرمحي عاد لمستشفاه والجراحة بعد أن قال لأحد العاملين معه بالمجلس التشريعي "راتب المجلس ما عاد يكفيني"

 

- وزير العمل الفلسطيني يذهب كل يوم صباحًا إلى عمله بالـ"سيرفيس" لأنه لا يملك سيارة.

 

- رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني- فكَّ الله أسره- كان يركب ذات الـ"سيرفيس"، بل كان في استراحةِ المجلس أو بعد فترة العمل، ينزل ليأكل الفول من عربةٍ في الشارع!
وأمثلة غير ذلك كثيرة، ولكنه التعتيم الغربي الأمريكي على الإعلام العالمي، والعربي بالتبعية.

 

وبعد جولةٍ ناجحةٍ على طريق فك الحصار، أجراها الأستاذ أبو العبد هنية في بعض دول الشرق الأوسط، وجمع خلالها ما يزيد على ثمانمائة مليون دولار.

 

لم يرضَ هؤلاء الأذناب وتلك الطائفة الخبيثة بنجاحات حكومة الحركة الإسلامية، وقرروا أن ينتقلوا لمرحلة أخطر، المرحلة التي لو نجحوا فيها فسيكونون قد قضوا على رابطة الوحدة بين طوائف الشعب الفلسطيني وفصائله.

 

وكانت المرحلة التي من الممكن تسميتها بمرحلة الحديد والنار، فعند رجوع إسماعيل هنية عبر معبر رفح المصري، بعد وقوف دام ساعات وسط الصحراء في برد كانون القارص، وبعد مشاهدة الحفاوة البالغة التي يستعد أبناء شعبنا المجاهد ليستقبلوه بها، أراد الخبثاء أن يشعلوا فتيل الحرب، فاقتحم بعض مسلحيهم الملثمين معبر رفح، وكسروا ما بصالاتِ المغادرة والدخول، بدايةً من أجهزة حاسوب وأجهزة العمل في المعبر، وانتهاءً بالبوابات والأدوار العلوية.

 

وليت الأمر وقف عند هذا، فبعد خروج هنية من المعبر وأثناء ذهابه لمنزله في مخيم الشاطئ، إذا بمجموعة مسلحة تبدأ إطلاق النار على موكبه، والذي استشهد على أثره "عبد الرحمن ناصر" أحد مرافقي هنية، وأُصيب أربعة آخرون.

 

وكانت تلك المحاولة الفاشلة- محاولة الاغتيال- هي الشرارة التي فتحت النار فيما بعد، والتي أعلنت حكومة حماس أن المدعو "محمد دحلان" هو الذي يقودها.

 

وكان هذا تحصيل حاصل، فتاريخ "دحلان" يشهد له بهذا ويزيد، فله سجل حافل في التعاون مع الاحتلال وسلطاته، وضرب المقاومة بأكثر من شكل، وفي أكثر من مكان.

 

وكانت تلك الكلمة فاتحة الصراع السياسي ودعاوى الانقلاب على الشرعية و"الديمقراطية"، وتلك الدعوة التي أطلقها أبو مازن، بإجراء انتخابات مبكرة، رئاسية وتشريعية.

 

فهل يمكن لنا الآن أن نتصور بحيادية شديدة.. مَن المخطئ، ومَن الذي أشعل الساحة، ومن الذي انقلب على الشرعية، ومَن الذي باع دماء الشهداء، وأنات الجرحى، وصرخات الثكلى؟!
أعتقد أنَّ بين أيدينا وضعًا شائكًا وأطرافًا لدى بعض منها من الدوافع الدنيوية التي تدفعها لفعل أي شيء من أجل الكرسي وكسرة الخبز.

 

والسؤال الآن.. هل يتوقف الدم الفلسطيني على أرض الرباط؟
ويبقى السؤال.

----------

* متابع للشأن الفلسطيني