أشعر بما يشعر به كل المصريين الطيبين من (قلق) على الوطن ومستقبله خلال هذه الفترة الحرجة التي تمر بها البلاد والتي زادها حرجًا وتوترًا ذلك التصعيد الغريب من (الحكومة) تجاه فصيل وطني كبير له إيجابياته وأخطاؤه ككل البشر.. ولا أحتاج لكثير تأكيد على أن أفعال طلبة الأزهر لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بهذا التصعيد.. وأجدني مضطرًا للقول بأن كثيرًا من أبناء الوطن المخلصين المعنيين بالأمور والذين يحسبون لمستقبل الوطن حساباته قد اتصلوا بي شخصيًّا من أكثر من شهرين محذرين من أن هناك (جهات بعينها) تعمل على تصعيد التوتر بينكم وبين الدولة قبل حلول عام 2007م، وأذكر للأمانة أنهم جميعًا أكدوا على أن هناك إجماعًا داخل الكثير من الأجهزة على رفض هذا التصعيد؛ لأنه في غير صالح الوطن ومستقبله بكل المقاييس خاصةً في هذه الفترة الانتقالية الحرجة.. وعلى إثر ذلك أود أن أخاطب السيد رئيس الجمهورية والأساتذة المفكرين والمثقفين والنخب السياسية والاجتماعية.. عدة نقاط أرى فرضًا ولزامًا عليَّ قولها..

 

أولاً: حين أكرمني الله بشرف الانطلاق الأول للعمل الوطني الإسلامي في بداية السبعينيات، وهي الانطلاقة التي سبقت خروج الكثير من قيادات جماعة الإخوان المسلمين من المعتقلات.. كنت معنيًّا بشق مسارٍ جديدٍ للعمل الوطني الإسلامي على هذه الأرض الطيبة يعتمد على نهج (الأمة الناهضة) الذي بدأه الأفغاني وتلاميذه والذي انتكس في فترة الخمسينيات والستينيات لأسباب لا علاقة لجيلنا بها؛ ذلك النهج الدعوي الوطني السلمي الاجتماعي الذي يقوم على المناصحة والمصالحة والمشاركة والتعاون بين جميع أبناء الوطن.. مسلمين وأقباطًا يساريين وليبراليين حكامًا ومحكومين.. وكل يعمل على شاكلته.. غير أننا جميعًا مسئولون أمام الله والتاريخ وأمام أجيال تلو أجيال عن هذا الوطن وسلامته ورفعته، وساعدني على ذلك أن تجربة (التصادم القدري) التي كانت بين الدولة والإخوان في الأربعينيات والخمسينيات قد (أسست) لمفاهيم عند شيوخ الإخوان الخارجين لتوهم من المعتقلات تطابقت تمامًا مع مفاهيم جيلي والأجيال التالية من بعدنا (فالتقينا) على ذلك.. وكان من نعم الله الجليلة على هذا الوطن العزيز أن يكون هذا الالتقاء (عاصمًا منيعًا) لانخراط أعداد هائلة من الشباب في تنظيماتٍ تقوم على نهج العنف في مواجهة الدولة والمجتمع فكانت رحمة الله اللطيف الخبير بهذه الأرض الطيبة أن قيضنا لجمع الأغلبية من هذا الشباب في (كيان منظم) يرى أن الدعوة إلى الله وحب الوطن وبنائه فريضتان لازمتان لا تفارق إحداهما الأخرى وقد كان.. بفضل من الله وحده أولاً وتلك الطبيعة السمحة الهادئة التي تجري في دماء المصريين ثانيًا.

 

ثانيًا: أقر وأشهد بدور وأثر وعلم شيوخ الأزهر وعلمائه في فترة الانطلاقة الأولى للعمل الوطني الإسلامي، وقد كان لي شرف دعوتهم لإلقاء محاضرات ومشاركتنا في الاحتفالات، وأذكر منهم المرحوم الشيخ/ عبد الحليم محمود، والمرحوم الشيخ/ محمد الغزالي والشيخ/ السيد سابق والدكتور/ يوسف القرضاوي، وقد كان لفقه وعلم وفكر الشيخ المطيعي والخضر حسين والشيخ دراز والشيخ اللبان والمراغي وشلتوت وغيرهم من الثمار المباركة التي أثمرتها شجرة الأزهر الشريف ولا زالت على مدار قرونٍ عديده كان لهذه العطاءات العلمية الغزيرة والعميقة دور كبير في صبغ أفكارنا ومفاهيمنا عن الإسلام العظيم.

 

 الصورة غير متاحة

 الأستاذ/ عمر التلمساني

ثالثًا: يعلم السيد/ رئيس الجمهورية حين كان (نائبًا) من خلال لقاءات كانتٍ تتم بينه وبين المرحوم الأستاذ/ عمر التلمساني وكان يطلعني على مضمونها أن مسألة (العنف) و(العمل المسلح) لا مكان لها على الإطلاق في فكر ونهج وحركة الإخوان، وإن ما كان في الأربعينيات والخمسينيات.. قد كان ومضى.. ومضت معه ظروفه ومؤثراته وسياقاته من النظام الملكي والاحتلال وفلسطين؛ وذلك (التصادم القدري) مع الثورة في بداياتها بسبب أخطاء مشتركة من الجانبين، وحين تولى السيد الرئيس الحكم أعلن في كل وسائل الإعلام المحلية والأجنبية أن (الإخوان) لا علاقةَ لهم