لا يزال صدى أجراس كنيسة سانت تريزا بشارع محمد علي في مدينة بورسعيد، يرن في أذني؛ حيث كنت أستيقظ على أصوات قرعها صباح كل أحد أثناء قضائي العطلة الصيفية في بيت جدتي- رحمها الله- القريب منها.

 

وقد تحدثت في مقال سابق عن صديق طفولتي شنودة، ثم عن تلميذي النبيه بولا، وعن المواقف الجميلة لجاري في عين شمس النجار عدلي أبو مينا؛ حيث كانت بين أسرتينا علاقة مودة تفوق علاقتنا ببعض جيراننا المسلمين، حتى إنه كان يؤدي لي خدمات يستحق عليها أجرًا لكنه كان يرفض بشدة.

 

وإنني أعتقد أن المعاملة الطيبة المتبادلة بين الإخوة والشركاء في الوطن ليست ترفًا أو اختيارًا، بل هي فرض أوجبته النصوص القطعية في دين كلا الطرفين، وبالإضافة إلى ذلك هي حقيقة تاريخية استمرت مئات السنين، فضلاً عن كونها ضرورة حتمية للاستقرار والعيش الهانئ.

 

كان لا بد من هذه المقدمة حتى لا يُساء فهم الهدف من هذا المقال أو يفسر ويؤول على محمل غير المراد منه، وهو النصح الصادق المخلص لمكون أساسي من نسيج المجتمع المصري.

 

لقد تواترت الأنباء في الصحف المصرية خلال الأيام القليلة الماضية عن سفر أعداد كبيرة من المسيحيين المصريين إلى "إسرائيل" لزيارة مدينة القدس في فلسطين المحتلة أو لقضاء أعياد القيامة.

 

كما أن هناك أنباء شبه مؤكدة عن أنه خلال الشهرين الماضيين قد سافرت أعداد كبيرة تصل إلى ألف أو ألفين كل شهر إلى الكيان الصهيوني عن طريق قبرص واليونان.

 

إننا نذكر أقباط مصر الشرفاء بالفتوى الوطنية الشجاعة التي أصدرها البابا شنودة الثالث بعدم جواز السفر للقدس إلا بعد زوال الاحتلال "الإسرائيلي"، وقوله: "لن ندخلها إلا مع إخواننا المسلمين"، وإعلان البابا تواضروس الثاني بقرار سلفه.

 

ونرحب بما أكده الأنبا بسنتي، أسقف حلوان والمعصرة من أن أي مجموعة مسيحية تذهب إلى هناك لا تمثل الكنيسة، ولا تمثل البابا والمجمع المقدس، وأنها ليست جزءًا من كل، بل حالات فردية.

 

إن خطورة هذه الزيارات وبخاصة في هذه اللحظات الفارقة في تاريخ مصر عقب ثورة شعبها المجيدة تتمثل في إمكانية استغلالها من جانب أعداء مصر وشعبها لتأجيج الفتن وبث الفرقة والتوجس بين كلا الجانبين، فماذا ننتظر أن يحدث إذا أشيع- كذبًا- أن المخابرات الصهيونية تستطيع بسهولة القيام بتجنيد بعض هؤلاء الشباب واستغلالهم في أعمال التجسس والتخريب؟! فما بالنا لو حدثت حقًا حادثة أو اثنتان نظرًا للضعف البشري عند الجميع مسلمين ومسيحيين؟!

 

وقد أسفرت بالفعل الأصابع الصهيونية المجرمة وهي تعبث بمكر وتلعب على وتر الفتنة بين المصريين وهو ما تجلى في قول موقع التليفزيون الإسرائيلي باللغة العربية على الإنترنت: إن السلطات "الإسرائيلية" أعلنت منحها حق الهجرة لعشرات الأسر القبطية، التي وصلت إلى تل أبيب قادمة من مصر، بشرط أن تكون لدى الأقباط محاضر وأوراق رسمية تثبت أنهم تعرضوا للاضطهاد داخل مصر.

 

لا يحتاج عاقل لتأكيد خبث هذه الدعوة وبخاصة أن مسيحيي فلسطين تحت الاحتلال يتعرضون للاضطهاد في بلدهم وتعتد على مقدساتهم وهم أولى بالحصول على حق اللجوء إن كانت "إسرائيل" حقًا واحة للديمقراطية والأمان واحترام حقوق الإنسان كما يزعمون، فالحذر الحذر من المكر الصهيوني الخبيث يا شركاء الوطن.