الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد؛

 

فلم نتصور أن يأتي اليوم الذي نضطر فيه إلى الحديث عن أنفسنا كإخوان مسلمين، دفاعا أمام مظالم واضطهادات مادية ومعنوية فاقت كل الحدود ولا تزال، فقد وجه إلينا اتهام بالإرهاب استبيحت على أثره حياتنا ودماؤنا وأموالنا وأعراضنا وحرياتنا، وتجري محاولات لتوسيع هذا الاتهام، إحداها تجري من خلال مؤتمركم هذا، لذلك كان لزاما علينا أن نوضح الحقيقة في هذا المجال:

 

- بداية نحن جماعة نستمد أفكارنا ومبادئنا ومنهاج حياتنا من الإسلام الوسطي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعتمد على التربية التي تحيي الضمائر، وتقوي مراقبة الله تعالى، وتزكي النفوس، وتدفعها للتعاون على البر والتقوى، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترفض الإكراه والعنف.

 

- نحن نتربى على حرمة الحياة الإنسانية وحرمة الدم، فالله تعالى قضى ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، وقال سبحانه ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، وقال الرسول صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ»، وقال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»، ونعتقد أن الْمُؤْمِنَ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الكَعْبةِ.

 

- ومن ثم فمن كانت هذه عقيدته فإن من المستحيل عليه أن تمتد يده بالسوء لأحد، ولو امتدت يد الأخير إليه بالسوء، وشعارنا مع من ظلمنا من إخواننا ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾، ولقد تعرض الإخوان في السجون سنة 1954 وسنة 1965 لتعذيب وحشي، ذهب بحياة عدد منهم، وبعد خروجهم من السجون كان معذبوهم يسيرون أمامهم في الشوارع والطرقات فلم يتعرضوا لهم بقول أو فعل يسوؤهم، والآن وقد قتل آلاف من المصريين، وفي القلب منهم الإخوان المسلمون، في مذابح رابعة والنهضة وغيرهما، فلم يرفع أحد منهم سلاحا في وجه قاتليهم، واعتقل آلاف من قادتهم واعتدي عليهم بكل أنواع العدوان، فلم يدافع أحد منهم عن نفسه.

 

- وعندما ذهب بعض شباب الإخوان داخل السجون سنة 1965 إلى تكفير الذين يعذبونهم رفض قادة الإخوان داخل السجون فكرة التكفير، وخيروا الشباب المخالف بين أن يرجعوا عن فكرة التكفير، أو يفصلوا من الجماعة، وهو ما حدث بالفعل.

 

- إن الإخوان المسلمين الذين خرجوا من مصر إلى بعض الدول العربية في الخمسينيات وما بعدها كانوا نماذج للإخلاص والاجتهاد في الإعمار وبناء نهضة تلك الدول في مختلف المجالات، دون تدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يزال عليه الإخوان إلى الآن، وسيبقون عليه.

 

- إن الإخوان تعرضوا لحملات اعتقال كبيرة في عهد حسني مبارك طالت حوالي خمسين ألفا منهم، وحوكم بعضهم محاكمات عسكرية، وتعرض بعضهم لتعذيب وقتل ومصادرة أموال، ولم ينجروا إلى عنف، ولم يحرزوا قطعة سلاح واحدة، وإنما ظلوا على سلميتهم.

 

- عندما وقعت عملية تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك أدان الإخوان العدوان في نفس اليوم، وكذلك أدانوا الأعمال الإرهابية التي وقعت في السعودية.

 

- خرج حسني مبارك سنة 1992 ليتحدث عنهم لصحيفة فرنسية بأنهم جماعة لا ينتهجون العنف ولا الإرهاب، وإنما يخوضون الانتخابات المختلفة.

 

- عندما انتشرت أعمال عنف في مصر في التسعينيات فإن الإخوان أدانوا ذلك بمنتهى الصراحة والوضوح.

 

- خاض الإخوان مختلف الانتخابات، ابتداء من انتخابات اتحادات الطلاب وحتى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحققوا بفضل الله نجاحا كبيرا، ومن البدهي أن ممارسة الديمقراطية والإيمان بها ليس دأب الجماعات الإرهابية، كما أنه من المستحيل أن ينتخب المهندسون والأطباء والمحامون والصيادلة والمعلمون والعلميون والزراعيون وأساتذة الجامعات إرهابيين لتمثيلهم وإدارة نقاباتهم ونواديهم، كما أنه من المستحيل على الشعب المصري أن ينتخب جماعة إرهابية بنسبة 47% في مجلس الشعب، و60% في مجلس الشورى.

 

- دعت الجماعة القوى السياسية لمؤتمرات متتالية تحت اسم (من أجل مصر) خمس مرات لبحث مشاكل مصر، حضرها الغالبية العظمى من تلك القوى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار السياسي، ولا يتصور أن يصدر ذلك من جماعة إرهابية، ولا أن يستجيب السياسيون لجماعة إرهابية.

 

- تمت الانتخابات الرئاسية، وفاز فيها الدكتور محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكانت أول زيارة خارجية له إلى المملكة العربية السعودية، وعندما زار إيران في مؤتمر القمة الإسلامية صدع بما لم يستطع أحد أن يصدع به، وحاول أن يتحرر بمصر وينهض بها في سبيله للنهوض بالعالم العربي والإسلامي في المجال العالمي.

 

- أنجزت الجمعية التأسيسية مشروع الدستور ووافق عليه الشعب بنسبة 64% في استفتاء نزيه.

 

- بدأ الاستعداد لإجراء انتخابات مجلس النواب لاستكمال المسار الديمقراطي الذي يؤكد سيادة الشعب وحقه في بناء مؤسساته الدستورية لحكم نفسه.

 

- تضافرت المؤمرات الداخلية والإقليمية والدولية لإجهاض ثورة يناير 2011، وإفشال الرئيس وتقزيم مصر وإدخالها بيت التبعية والطاعة من جديد، ثم قام وزير الدفاع بانقلاب عسكري أطاح فيه بالمسار الديمقراطي واختطف الرئيس الشرعي.

 

- عندما رفضت غالبية الشعب الانقلاب العسكري وتمسكت بالشرعية، وتظاهرت سلميا لاحترام إرادتها واجهها الانقلابيون بمجازر بشعة راح ضحيتها آلاف المصريين قتلى وجرحى، كان كثير منهم من الإخوان المسلمين، ومع ذلك ظلوا متمسكين بسلمية ثورتهم.

 

- خرج الانقلابيون العسكريون وأتباعهم من المدنيين الذين قبلوا المناصب ليكونوا ستارا لجرائمهم ليعلنوا أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، في أكبر عملية خداع وتضليل، ليستمروا في عمليات القتل والاعتقال والتعذيب، وممارسة الإرهاب في أبشع صوره، ويتهمون القتلى والمعتقلين والمعذبين بالإرهاب! وكل جريمتهم أنهم يتظاهرون سلميا، ولا يدافعون حتى عن أنفسهم.

 

- والمؤسف أن تتولى دول - حرضت على الانقلاب ووافقت على كل جرائمه ولا تزال تدعمه وترعاه بالمال وتشتري له السلاح وتؤيده سياسيا- ترويج هذه الفرية، رغم أنهم يعلمون أن الإخوان أخلص الناس لدينهم ووطنهم وأمتهم، بل وللإنسانية جميعا، وهذا الموقف من هذه الدول إنما يعطي ذريعة لكل من يريد أن ينقلب على نظام شرعي مستقر، ووقتها لن يستطيع أحد النكير عليه، بما يفتح آفاق الفوضى في كافة الدول على مصراعيها، وكان يسعها أن تقف من الانقلاب العسكري موقف الاتحاد الإفريقي. 

 

- وحسبنا هذه الشهادات لجماعة الإخوان، إضافة إلى ما سقناه من أدلة:

 

- قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ومعه لجنة الفتوى بالسعودية: «أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه أهل السنة وهم أهل الحديث وجماعة أنصار السنة ثم الإخوان المسلمون».

 

- وقال 56 عالما سعوديا في بيان لهم عقب الانقلاب العسكري على الدكتور محمد مرسي: «إن ما وقع في مصر من عزل الرئيس المنتخب من قبل وزير الدفاع هو انقلاب مكتمل الأركان، وهذا عمل محرم مجرم... ونسجل اعتراضنا ودهشتنا من مسلك بعض الدول التي بادرت بالاعتراف بالانقلاب... وهذا من التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه شرعا، وسيكون لهذا الموقف آثار سلبية خطيرة على الجميع لودخلت مصر – لا قدر الله – في فوضى واحتراب داخلي».

 

- وقال الشيخ سلمان العودة: «الإخوان المسلمون ليسوا جماعة إرهابية...».

 

- وقال أحمد المسلماني وهو المستشار الإعلامي للمستشار عدلي منصور المعين رئيسا مؤقتا من قبل وزير الدفاع  قائد الانقلاب: «الإخوان ليست جماعة إرهابية، هي جماعة لها ما لها وعليها ما عليها، وبينها وبين القوى السياسية مسافات متعددة تطول وتقصر، ولكن وصف الجماعة بالإرهاب يضع حاجزا على التطور الديمقراطي في مصر».

 

- وقال اللواء إبراهيم عبد الغفار وكيل مصلحة السجون السابق في حديث تليفزيوني: « أنا أقسم لك يمين بالله وأنا قاعد في هذا المكان إن جميع القضايا اللي اتعملت للإخوان ملفقة في عهد حبيب العادلي، جميع القضايا بلا استثناء ملفقة...».

 

- ويقول الصحفي بريندان أونيل في مقال بجريدة الديلي تليجراف تحت عنوان (الإخوان المسلمون أمر يصعب تصديقه) : «إذا نظرنا إلى الوراء وعلى مدار العام 2013 لنعثر على الشخص أو التنظيم الذي قام بمعظم الجهد للحفاظ على المثل العليا للديمقراطية والحرية، فإني لا أستطيع ان أصدق نفسي وأنا على وشك القول: إنها جماعة الإخوان المسلمين، أو على الأقل مؤيدوها في مصر... ».

 

وبعد هذه الأدلة الشرعية والواقعية والشهادات المتنوعة من غير الإخوان؛ نؤكد أن شهادة الله تعالى الذي سنقف جميعا بين يديه لنحاسب على النقير والقطمير أكبر من شهادة الخلق جميعا.

 

وأخيرا نذكر الجميع ملوكا وأمراء ورؤساء بقول الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾.

 

ونفوض أمرنا إلى الله، والله بصير بالعباد، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

الإخوان المسلمون في: الثلاثاء 24 جمادى الأولى  1435هـ الموافق 25 مارس 2014م