أهدي هذه المفارقة إلى أخي وأستاذي الحبيب أ.د. صلاح سلطان.

 

عند متابعاتي لعرض الدكتور وإخوانه على المحاكم الهزلية وفي العرض الذي قال فيه القاضي لسيادة الدكتور العالم الرباني صلاح سلطان "إخرس" جاءت في خاطرتي مفارقاتك وتساءلت مع نفسي فوجدت هذه المفارقة ترد على تساؤلي، لأن هناك فرقا كبير بين المقتنع والمنتفع والمندفع ، فالإنسان أحياناً يكابر ويتعامى لمصلحة ما ، كذلك المنتفع بكفره لا يمكن أن يؤمن فهو يدافع عن منفعته ، المنتفع بالباطل لا يدافع عن فكرة يعتنقها ، بل يدافع عن مصلحة ينْعم بها ، المنتفع  يبحث عن مرتبة سلطوية في مناصب الدنيا ، يلهث خلف شهوة أو نزوة يرغب في الوصول إليها ولو على جبال من جماجم وأجساد الرجال والنساء والأطفال.

 

 وفي ظل أيام الانقلابين تجد من يتصدر لتأجيج نيران الفتنة ، وتجده لتحقيق أغراضه يستحسن السباحة في بحور من دماء أمة الإسلام ؛ ناهيك عن تدمير الموارد السكنية والطبيعية الأخرى، وهذا الصنف المنتفع هو المتبني لإذكاء نيران الفتنة بين (المندفع والمقتنع) وهو المستغفل لهما ؛ بل والمستخدم لهما في تنفيذ أطماعه، وهو المستثمر للصراع والزاج (بالمندفع والمقتنع) إلى حافة الهلاك، فالمنتفع من الباطل هذا قلّما يهتدي! .

 

 أما المندفع فأعني به: المندفع في أتون الفتنة مع غياب الوعي والتبصر بل تجده مندفع في أتون الصراع للمطالبة بزيادة راتبة وتحسين معيشته ، بينما (الصنف المنتفع يستخدمه لتحقيق أهدافه).  وهذا الصنف مع عدالة مطلبه إلا أن رسالته عكَّرت بل وقفز عليها من قِبل الصنف (المنتفع) بواسطة استخدام شريحة (المندفعين) التي هي أوسع الفرق امتدادا في التكوين الشعبي المحلي والإقليمي والعالمي المعبرعنهم بمقولة الخليفة العالم الرباني سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "همج رعاع أتباع كل ناعق".
أما المقتنع بكفره فيمكن أن يؤمن إذا زال الوهم ورأى الحقيقة، وعلِم أنه كان مخطئاً فرأى الصواب ، فالمقتنع بالباطل كثيراً ما يهتدي إذا جاءه دليل لم يكن في علمه فيخضع له بعد أن تتجمع له أسباب الهداية ويشرح الله صدره لها.

 

فالمقتنع هو من تيقن أن هناك باطل يجب أن يزال ، ومعه على ذلك أدلة وبراهين، فمن أجلها يقاتل ويستميت بكل الوسائل السلمية المشروعة لإعادة حال الحكم الجائر إلى الحكم العادل، ولا يشترط أن يكون هو الحاكم ولكن المهم عنده أن يتولى الحكم الحاكم المؤمن الأمين الثقة العادل، وهذه هي صفاتكم- نحسبكم كذلك ولا نزكيكم - فأنتم دائما وأبدا تصدحون بالحق وتتصدرون لفتن هذا العصر ، بل وتقومون على إدارتها كأهل الحل والعقد بما منَّ الله عليكم من علم بأصول الشريعة وفروعها، فهما وإدراكا وتطبيقا، بل تتمتعون بملكة الاستنباط الملتزمة بحدود الفهم، والمرتكزة على قاعدة (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)، وقاعدة (سد الذرائع)، وأيضا تتمتعون بقبول كبير عند كل الجماعات الأخرى بحكم علمكم وتخصصكم وخبراتكم وتجردكم لله عز وجل.

 

وأذكر نفسي وإياكم بأن أهل الكتاب كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم حيث قال الله تعالى : ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ*يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ (آل عمران: 70-71 .)

 

وكان أهل الكتاب فيما مضى يستفتحون بهذه البشارة على الذين آمنوا ، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا بهذا النبي الذي جاء في كتابهم، فكفروا به كِبراً ، وحسداً ، وعدواناً حتى لا يخسروا مكانتهم وممتلكاتهم.

 

ومن هنا لا تفكر أن تخاطب ، أو تحاور غبياً ، ولا "قوياً" ، ولا منتفعاً ، فليس هناك من جدوى أن تحاور منتفعاً بكفره ، أو منتفعاً بنفاقه ، حيث يقول سبحانه وتعالى:﴿ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ﴾ (آل عمران:98)، فكل حركاتهم ، وتخطيطاتهم ، وسكناتهم ، ومؤامراتهم على أهل الحق في علم الله عز وجل، فليس هناك إنسان على وجه الأرض يُعَدُّ أكثر غباءً ، ولا أكثر حمقاً ، ولا أكثر شقاءً من الذي يريد أن يطفئ نور الله ، طبعاً هذا يظهر بشكل حاد عند بعض الناس الأقوياء ، ولكن يظهر بشكل مخفف عند معظم الناس ، فلا تحزن عندما تجد القاضي شا... وليس شامخ .!

 

وفي النهاية أختم مفارقتي بدعائي لك - الذي لا ينقطع - ولإخوانك فأنتم أحباب الله وأصحاب المروءة والوفاء والكرم والتقوى والتي تزيد في ماء وجهكم وبهجته نورا وبهاء، واطمئن لأنك لست ظالما بل مظلوما، يقول الله عز وجل: ﴿ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ (الإنسان:31).

 

أخوك جمال سعد