- لا نقبل أن يكون داخل الجماعة متمرد والحرية مكفولة طبقًا لنظام الجماعة

- على النظام أن يعيد صياغة نظرته للإخوان ولا يعتبرنا أعداءً فنحن وطنيون

- قضية أموال الجماعة تقلق النظام والمحاكمات العسكرية نهايتها معروفة

 

حوار- أحمد رمضان

7 أشهر قضاها د. محمود غزلان- عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين- في تجربة اعتقاله الأخيرة، شهدت العديد من الأحداث، سواءٌ على المستوى الشخصي له كزواج ابنه وهو خلف الأسوار، أو على المستوى العام للجماعة، كإعداد برنامج حزب الإخوان، وبين هذا وذاك استمرار محاكمة 40 قياديًّا من الإخوان عسكريًّا.

 

(إخوان أون لاين) أجرى حوارًا من طراز خاص مع د. غزلان عقب الإفراج عنه، ولأنه رجل تربويٌّ "خالص" امتزجت دموع د. محمود بنبرات ضحكته الهادئة التي تشير إلى الصفاء الذي اكتسبه في تجربته الأخيرة، فضلاً عن استشفائه كما يؤكد ذلك؛ فإلى تفاصيل الحوار:

* في البداية.. ما هي أهم ملامح الفترة الماضية؟

** تتميز هذه الفترة بهجوم شديد على الإخوان، سواءٌ كان في صورة اعتقالات أو محاكم عسكرية أو هجوم إعلامي شديد؛ فهذه أهم ملامح الفترة، ولعل ذلك منذ مدة زمنية سابقة، وخاصةً منذ فوز الإخوان في برلمان 2005م، ومن حينها والنظام يتعامل مع الإخوان بقسوة شديدة.

 

* ما هو أول خاطر جال في بالك ليلة اعتقالك؟

** نحن كإخوان مسلمين مسائل الاعتقال والحبس أصبحت جزءًا من حياتنا؛ فاعتقالي كان متوقَّعًا، وكل ليلة أنام في بيتي وأنا لا أدري أين سأصبح، هل سأكون في البيت أم في السجن أو النيابة؟!

 

* تجربة اعتقالك الأخيرة ما هو الأسوأ فيها؟

** الأسوأ فيها هو الإحساس بالظلم الشديد من تحويل إخواننا للمحكمة العسكرية؛ لأن أمور الاعتقال عندنا عادية، لكن أن يصل الأمر إلى حد تحويل 40 أخًا من أخلص وأطهر رجال مصر، وإغلاق مؤسساتهم الاقتصادية، وفرض الحراسة على أموالهم، كانت أقسى ما في هذه الفترة!

 

* هل معنى ذلك أنك كنت مهمومًا بقيادات الإخوان المحالين للعسكرية، رغم أنك كنت معتقلاً أيضًا؟!

** بالطبع، ولا زلت مهمومًا بهم، أنا الآن غير سعيد بخروجي؛ لأنني خرجت وتركت ورائي خيرت الشاطر وحسن مالك وعصام حشيش ومحمود أبو زيد معتقلين، هؤلاء الناس لو كانوا في أي مكان آخر لكانوا كرِّموا أيَّما تكريم، لكن هل يكون جزاء إخلاصهم لبلدهم، وتفانيهم في الحرص على مجتمعهم، والنهوض بهذا البلد.. أن يُعتقَلوا ويحوَّلوا إلى محاكم عسكرية، وتُفرض الحراسة على أموالهم، ويُتَّهَموا اتهامات باطلة بغسيل أموال، فضلاً عن اتهامهم بالإرهاب؟! هل هؤلاء إرهابيون؟!! إنه أمر في غاية العجب!!

 

* هل تقصد أن النظام يتعامل مع الإخوان بطريقة متخبِّطة ليس لها سقف في التصعيد؟!

** للأسف هم يتهموننا بالإرهاب، ولكن لو نظرنا للأمور بعين الحقيقة نجد أن ما يفعلونه معنا إنما هو إرهاب دولة ضد مجموعة من المواطنين الوطنيين، الذين ينتهجون النهج السلمي، ويبغون الإصلاح، وهؤلاء الناس يريدون أن يُغمضوا أعينهم ويفتحوها ليجدوا مصر فوق الجميع، وهؤلاء مستعدون جميعًا للتضحية بأرواحهم وأرواح أولادهم؛ حفاظًا على حبات رمل مصر، فحينما يكون هذا جزاءَهم فلا شك أن الذي يفعل ذلك ظالم ظلمًا بيِّنًا.

 

* ما هي رؤيتك لمستقبل قيادات الإخوان المحالين للمحكمة العسكرية، هل تتوقع سيناريو معينًا؟!

 الصورة غير متاحة

** بالنسبة للسيناريوهات؛ فالمتوقَّع قياسًا على المحاكم العسكرية السابقة أنه سيُحكَم عليهم بالحبس ويقسمونهم لأقسام؛ فمجموعة ستأخذ حكمًا شديدًا، وأخرى ستأخذ حكمًا متوسطًا، وثالثة ستأخذ براءةً؛ حتى يكون الظاهر أنها محكمة حقيقية وعادلة، أما قضية الأموال فلا أدري نيتهم بصددها، وواضح أنها تشغلهم كثيرًا.

 

* نعود لتجربة اعتقالك الأخيرة.. مَن كان رفيقك في الزنزانة؟

** (ضحك).. وقال: في البداية كنا 7، ثم خرج منهم أخونا جمال نصار، ثم محمد سعد فاجأته أزمة قلبية وخرج في عربة الإسعاف، ثم أُطلق سراحه، وبقينا 5، أخذنا حكمًا من محكمة الجنايات بإطلاق سراحنا في 8 أغسطس، وتوقعنا أن نخرج على اعتبار أننا مكثنا فترة الخمسة أشهر المخولة للنيابة أن تحبسنا خلالها، وعندما انتهت فوجئنا بـ"فاكس" ينص على الإفراج عن اثنين، وهما أخوَانا محمد القصاص ومحمد السروجي، واعتقال 3 فبقيت أنا والدكتور مصطفى الغنيمي والدكتور محيي حامد معتقلين حوالي شهرين.

 

* "سجني خلوة".. كلمة مأثورة في تراث الدعاة، كيف كنت تعمل على تحقيق معنى هذه الكلمة؟

** في الحقيقة الواحد منا في هذه الظروف يستشعر معيَّة الله سبحانه وتعالى، ويرى صفاته حيَّة، وتؤثر عليه بشدة، والإنسان في هذه الفترة يجد صفاءً شديدًا وتعلقًا بالله أشد وإقبالاً عليه، لدرجة أني أستحضر معانيَ لم أكن أتعرض لها من قبل؛ لأن الإنسان يعيش في معية الله، ويتذكر قول القائل: ماذا وجد من فقد الله؟ وماذا فقد من وجد الله؟ فنحن وجدنا الله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، يحرسنا ويشملنا برعايته، ويتعهدنا بفضله، ويمنّ علينا.

 

وناهيك عن المعاني الغزيرة التي نجدها في هذا الجو والصفاء في القرآن الكريم والخواطر الطيبة التي تنسال على خاطرنا، خاصةً أن التفكير يكون أكثر وضوحًا، فهي في ظاهرها محنة، ولكنها في حقيقتها منحة من الله سبحانه وتعالى.

 

* كيف كنت تقضي يومك داخل أسوار السجن؟!

** كنا نستيقظ قبل الفجر ونصلي حتى الأذان، ثم نصلي جماعةً، وبعضنا يظل مستيقظًا ويقرأ القرآن حتى تشرق الشمس ويصلي الضحى، والبعض الآخر- ومنهم أنا- ننام بعد الفجر، ثم نستيقظ لنصلي الضحى، ثم نخرج لنتريَّض، وأنا شخصيًّا كنتُ أتمشَّى لمدة ساعة أو ساعة ونصف يوميًّا؛ حيث كنت أقرأ القرآن خلف العنبر، ثم بعد ذلك نتناول طعام الإفطار، ثم نقرأ القرآن والصحف، ثم نعود لصلاة الظهر التي يعقبها قراءة الكتب.

 

وأذكر أنني قرأت العديد من الكتب في تلك الفترة، مثل كتاب (السلطات الثلاثة في الإسلام) للشيخ عبد الوهاب خلاف، وقرأت (الاتجاهات الوطنية في الأدب الحديث)، كما قرأت كتابًا في السيرة، وغيرها من الكتب، ثم نصلي العصر، وإذا كان يومًا عاديًّا نتناول طعام الغداء ثم نعقد ندوةً أو ما إلى ذلك؛ لنتناقش في موضوع من الموضوعات أو نقرأ في كتاب من كتب الرقائق، وكان هذا الكلام ما بين المغرب والعشاء، ثم نصلي العشاء، وبعدها نستأنف القراءات، سواءٌ القرآن أو الكتب، ثم ننام لنستيقظ مبكرًا ونعيد البرنامج السابق.

 

* هل حدث احتكاكٌ بينكم وبين إدارة السجن..؟ احكِ لنا أبرز تلك المواقف.

** في الحقيقة أشهد أن المعاملة من قِبَل إدارة السجن كانت حسنةً وطيبةً، وسبب ذلك أعتقد أنهم مقتنعون في قرارة أنفسهم ومقرُّون أننا مظلومون، كما أنهم يعرفون من نحن، ثم السبب الثالث أننا نتعامل معهم وفق مبادئنا وأخلاقنا وبطريقة راقية للغاية، ولا نتعمَّد إطلاقًا أن نخالف أوامرهم أو تعليماتهم، بعكس المسجونين الجنائيين، الذين من الممكن أن يعملوا لهم مشاكل كثيرة، وهذا عهدنا في كل مرات حبسنا السابقة، أن ندخل ونخرج ولا نصطنع لإدارة السجن ولا لأنفسنا أي مشكلة؛ ولذلك فهم في الحقيقة يشعرون تجاهنا بمشاعر طيبة ويعاملوننا معاملةً كريمة.

 

* "أبي أنت حر وراء السدود".. هل وصلك هذا المعنى أثناء اعتقالك؟!

** هنالك معانٍ بأن الحرية حرية القلب والنفس؛ فالإنسان الحر حر أينما كان، والعبد عبد أينما كان؛ فمن الممكن أن تجد إنسانًا في قمة المناصب ومع ذلك تجده عبدًا؛ لأنه يتلقَّى الأوامر والتعليمات ممن هو فوقه أيًّا كان؛ لأنه يطمع في المنصب والمال، ويقول الشاعر: "الحر عبد ما طمع والعبد حر ما قنع"؛ فالشخص لا يبتغي مالاً ولا منصبًا، وإنما يعمل لله، وبالتالي هو حرٌّ مهما وُضعت في يديه القيود، ومهما غُيِّب في السجون.

 

* كيف قضيت يوم عرس نجلك وأنت في المعتقل؟

 

د. غزلان ونجله محمد

** الأسرة كانت مصرَّةً على أن يؤجَّل أمرُ زواجِ ابني حتى أخرج، وأنا أصررتُ على أن يُنجَز، بغض النظر عن اعتقالي؛ لأن الحياة لا يجب أبدًا أن تتوقف أو تتأجل للتعلق بأمر لا ندري مصيره، فنحن خرجنا الآن، وكان المتوقع أن يعيدوا اعتقالَنا مرةً أخرى.

 

وفي الحقيقة فإنني اعتُقلت هذه المرة ولم أتوقع الإفراج عني؛ نظرًا لظروفي الصحية، وقلت في قرارة نفسي إنني أبحث عن الشهادة في أي مكان؛ فلعل ربنا- سبحانه وتعالى- يرزقني إياها هذه المرة، إلا أنني فوجئت بفضل الله أن صحتي التي كانت مضطربةً وأنا خارج السجن استقرَّت، وقضيت السبعة أشهر في السجن دون أن ألجأ إلى طبيب، سواءٌ داخل مستشفى السجن أو إلى طبيب في القصر العيني، مثلما حدث في الحبسة الماضية، ولكن حدثت معي بعض الأشياء عالجها بعض إخواني الأطباء الذين كانوا معتقلين معي.

 

* لم تذكر لي كيف مرَّ عليك يوم عرس نجلك.

** (حينها أجهش بالبكاء وهو يقول): طلب مني ابني كلمةً أكتبها له وكتبتُها بالفعل، وأرسلتها له، وقلت فيها: يا بني إذا كان أبوك غاب عن حفل زواجك فثِق أن كل الموجودين آباؤك.

 

* كيف كنت تتواصل مع أسرتك؟!

** كانت الزيارات معقولة، وكانوا يأتون بمعدَّلات معقولة، وكانت أمورهم ومسائلهم تسير بشكل جيد، وكنت أتابعهم.

 

* هل كانت هذه الزيارات إحدى المسكِّنات لك في فترة اعتقالك؟

** أريد أن أقول إن المسكن الأساسي قول الله تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ (التغابن: من الآية 11)، فطالما أني مع الله، سواءٌ هناك زيارة أو لا، وسواءٌ كانت هذه الزيارات على فترات متباعدة أو متقاربة، فهذه كلها أمور ثانوية بجوار الشعور أني أعيش مع الله وفي معيته.

 

 

 المرشد العام شارك نجل غزلان فرحته

 * تمضي أيام السجن ثقيلة عندما.. ؟

** عندما لا يكون للإنسان متعلق بالله.

 

* متى نظرت إلى سجَّانك وأشفقت عليه؟

** في الحقيقة كنت أشفق عليهم باستمرار؛ لأني أشعر بأنهم مصريون، ومعظمهم طيبون، وأن حاجتهم لهذه الوظيفة والدخل منها هو الذي يُجبرهم على أن يعملوا هذا العمل، وأشهد أن معاملتهم كانت حسنة، والكثير منهم كان يتغنَّى بفضائل مَن سبقونا، من إخواننا الذين تركوا أثرًا طيبًا لدى الضباط والعساكر.

 

* متى فكَّر د. محمود غزلان في الخروج من السجن؟!

** أنا لم أفكر في هذا مطلقًا؛ لأنني أفوِّض أمري إلى الله، ودخلت السجن بقدَر الله، وخرجت منه أيضًا بقدَر الله، متى؟! أيضًا بقدَر الله، فهذه قضية لا تشغلني؛ لذلك المرة الماضية عندما حُكِمَ عليَّ بخمسة أعوام قال لي أخ: ما هو شعورك بعدما قضيت 5 سنوات في السجن؟ قلت له: لا شيء؛ لأني لا أفكر إلا في الله، القادر على أن يخرجني غدًا أو أن أمكث 5 سنوات أو أكثر، فلن يضيع عند الله تعالى عمل.

 

حزب الإخوان

* شهدت الفترة الماضية أثناء اعتقالك زخمًا سياسيًّا، خاصةً فيما يتعلق ببرنامج حزب الإخوان، كيف تقيِّم مبدئيًّا هذه الخطوة بصفة عامة؟!

** بالنسبة لبرنامج الحزب هو برنامج إصلاحي بصفة عامة؛ لأن الإخوان ليسوا حزبًا، ولن يَسمح النظام لنا في الأفق المنظور أن نُنشئَ حزبًا، لكنه برنامج للتعبير عن رؤيتنا للإصلاح، الأمر الثاني رغم أن البرنامج يتناول الكثير من البرامج إلا أن الخصوم ركَّزوا على نقطتين أو ثلاثة (وعملوا من الحبة قبة) كما يقولون، وظلوا يهاجمون في تلك الجزئيات، الأمر الثالث أن محاولاتهم هذه تبغي أن نقف على برزخ بين الإسلام والعلمانية، وهذا خطر كبير، يريدون منا أن نتنازل عن بعض مبادئنا شيئًا فشيئًا حتى نقترب منهم ونؤول إلى ما آلوا إليه، والحمد لله أن إخواننا تمسَّكوا بالثوابت وقالوا نحن نحن وهذه مبادئنا، ولن نكون أنتم، وإلا لو كنا أنتم فما المبرر لوجودكم؟! ثم إننا عندما نقرر مبادئنا وثوابتنا نتعمد أن نُرضِيَ الله سبحانه وتعالى، ولا نُرضِيَ يمينًا أو يسارًا، ولا ليبراليين أو علمانيين.

 

ثم إن مسألة أن يرضوا عنا أو يسخطوا لا تعنينا، فليقولوا ما يشاؤون، لكن في نفس الوقت يَدَعُوا لنا حريتنا في التقدم برؤيتنا الخاصة، فهذا البرنامج إلى الناس، والناس يختارون، أما أن تجبرني على تغيير برنامجي لأتقارب مع برنامجك؛ فهذا افتئات وإرهاب فكري أيضًا لمجرد أن رؤيتي مختلفة مع رؤيتك، وتحجر على حقِّي في ممارسة العمل العام والعمل السياسي والاحتكاك بالناس والنزول إليهم؛ فهذا استبداد، لكن دعني أكون أنا كما أنا ولن أتلوَّن.

 

* هناك بعض المحللين والمنتقدين للبرنامج موضوعيون، ولا يمكن أن نضعهم في خانة المتربصين.. ما رأيك في ملاحظاتهم؟!

** إذا كانت الانتقادات في غير الثوابت والمبادئ نحن نسمع لها، ولو وجدنا أنها خيرٌ مما قلنا، فلا مانع أن نرجع لها ونلتزم بها، لكن لو مسَّت الثوابت أو المبادئ فهذه لن نتزحزح عنها أبدًا.

 

* ما هي رسالة د. محمود غزلان إلى الإخوان والشباب منهم تحديدًا؟

** أقول لهم: دعوتكم غالية، والغالية لا بد أن يكون ثمنها غاليًا، ومثلما يقول الشاعر: "تهون علينا في العلا نفوسنا.. ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر"، فإذا كانت الدعوة غالية، لا بد أن يكون الثمن غاليًا، والتضحية كبيرة، فلا بد أن يستعدوا لها بالوقت أو الحرية أو المال، وواردٌ أن يكون السجن جزءًا من منظومة الحياة، فلا بد أن يهيِّئ كل شاب من الإخوان نفسه وأهله لهذا، لكن أقول له: لا تخف؛ فالسجن ليس هو الشبح الرهيب الذي يتخيَّله الناس ويتصورونه، بالعكس قد يكون منحةً أكثر ما يكون محنة، ولا يجب أن يخاف الشاب من أي شيء يُعيقه عن أدائه في دعوته، والتفاعل مع الناس، والسعي الحثيث لتقديم الخير لكل الناس.

 

* عدد من شباب الإخوان تأثر ببعض الأفكار الليبرالية، وهو ما أثر على بعض مطالبهم لقيادات الجماعة، وظهر ذلك بقوة في بعض مدوَّناتهم.. ماذا تقول لهؤلاء؟!

 الصورة غير متاحة
 

** أقول لهم: إن الذي يكتب ينبغي أن يكتب عن علم وعن أصالة ودراسة، وليس مجرد خواطر هائمة ترد على ذهن الإنسان فيكتبها، وأقول لهؤلاء: قبل أن تكتبوا في موضوع لا بد أن تتحققوا منه، وقبل أن نحكم على قضية لا بد أن نعلم كل ما قيل فيها، أما أن يسمع جزءًا منها أو يخطف جانبًا من هناك، ثم بعد ذلك يبني عليه موقفَه ويسترسل فيه، فمن الوارد أن يكون قد اطلع على الرأي الخطأ أو الجزء الضئيل، وقديمًا كتب باحث أنه جيء بمجموعة من العميان ليصفوا فيلاً، وأمسك كلٌّ منهم بجزء منه، ووصف كل واحد بوصف مختلف لأنهم لا يبصرون.

 

* التقيت أحد شباب الإخوان وصاحب مدوَّنة واعترف بأنه متمرد، فهل يُفهَم ذلك من منطلق ديمقراطية الحوار داخل الجماعة؟!

** الحرية بهذا المعنى فهم خاطئ؛ لأن الحرية حرية مسئولة؛ فليس معنى الحرية أن أفعل ما أشاء وقتما أشاء، وهناك نظرية تسمَّى بالعقد الاجتماعي، وضعها الفيلسوف الفرنسي الشهير جان جاك روسو؛ حيث تخيل أن كل فرد يعيش بمفرده، وبالتالي فمن حقه أن يفعل ما يشاء، لكن في ظل هذا المناخ الإنسان لا يستطيع أن يوفر لنفسه كل احتياجاته، وبالتالي اضطُّرَّ أن يعيش في مجتمع؛ لذلك قال علماء الاجتماع إن الإنسان مدني بطبعه، ومعنى أني عضو في جماعة فجزء من هذه الحرية المتخيَّلة أو الواسعة وطليقة الجناح لا بد أن أتخلى عنه؛ لأنني في النهاية ملتزم بقواعد جماعة أو فئة بعينها.

 

فعلى سبيل المثال لا يجوز لي أن أقتني شيئًا وهو ملك لجاري، وإلا ستكون المسألة فوضى؛ فالعقد الاجتماعي مغزاه أنه كلما وُجد الإنسان ضِمْن مجموعة يتنازل عن جزء من حريته في مقابل أن توفر هذه الجماعة احتياجاته، كذلك أنا في جماعة لها نظُم ولوائح وضوابط، فبما أني فيها ولي آراء أيًّا ما تكون في هذا المناخ وهذا الوسط أطرح تلك الأفكار، حتى ولو كانت في منتهى الشذوذ، وأعرضها على القيادات، ولو أفلحت في إقناعهم بها فسيتبنَّونها، أما لو لم أفلح ولهم آراء أقوى وأنفع وأصلح؛ فبديهي أن أتراجع عن آرائي هذه ولا أتمرد.

 

* أخيرًا.. ما هي رسالتك للنظام وللقوى السياسية المعارضة في مصر؟

** أدعو النظام إلى إعادة النظر في تقييمه للإخوان، وليعلم أن الإخوان لا ينظرون إليه نظرةَ عَداء، فلا داعيَ لنظرة العداء منه إليهم، ولا داعي لمحاولة إقصائهم وتغييبهم في السجون والمحَاكم وما إلى ذلك؛ لأن هذا من شأنه تفتيت المجتمع وإضعافه، كما أن من شأن ذلك كله في النهاية أن يجعل النظام ضعيفًا إزاء القوى الخارجية، وهذا هو الواقع.

 

 
 

فالنظام لا إرادة له؛ لأن أمريكا تفرض عليه ما تشاء، ولكن لو أنه التحم بشعبه، وعلى رأسه الإخوان المسلمون؛ باعتبارهم أكبر فصيل متماسك، لو كانت العلاقة بينهما علاقة ودٍّ، والنظام متخندق معه، ويعلم تمامًا أنهم جميعًا في مركب واحد سيغيِّر موقفه.

 

أضرب مثالاً بإيران؛ فهي ليست دولة قوية جدًّا، ولكنها تستطيع أن تقول لا لأمريكا؛ فنحن لسنا أقل من إيران، سواءٌ من حيث تعدادنا أو ثرواتنا، بل لدينا كفاءات أفضل منها، ومن الممكن أن نكون أكثر انفتاحًا منها؛ لأن المذهب الشيعي يتسم بشيء من الانغلاق، لكن كل مقومات القوة لهذا الوطن موجودة، إلا أنه يحتاج إلى حرية وعدل وإنصاف وتلاحُم ووحدة وتكافل، وقضاء على الفساد المنتشر.

 

أما القوى السياسية فأدعوها إلى أن تحترم رغبة الشعب، وألا تبيع القضايا التي تجهر بها، حيث تقدم المصالح على المبادئ، فكثير منهم يتحالف مع النظام؛ لمجرد أن النظام يكره الإخوان، فليكرهونا كما يشاءون ولكن عليهم أن ينصفونا وليعتبرونا خصومًا سياسيين، وهنا أذكر مقولة رجل غربي: "أنا مختلف مع هذا، لكن مستعد أن أدفع دمي ثمنًا لحريته"، فأنا لا أطالب بمصادرة حريتك أبدًا، ولا أتعاون مع مستبدٍّ وظالم عليك، فلا ينبغي أن تتحالف أنت معه عليَّ، ولنجلس أيضًا- كما دعوت النظام- مع بعضنا البعض لنتناقش وليعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه، وليكن الفيصل بيننا جميعًا هو الشعب.