ستظل انتخابات المحليات التي خاضتها جماعة الإخوان المسلمين عام 1992م علامةً راسخةً في ذاكرة الوطن شهدت خلالها اكتساحًا إسلاميًّا كبيرًا، أثبت فيها الإسلاميون أنهم قادرون على تطبيق منهج الإصلاح من خلال تحديث البنية التحتية وتكثيف العمل الخدمي في معظم محافظات مصر.

 

ومع بدء إجراءات انتخابات المحليات نسترجع معًا هذه التجربة الثرية مع المهندس محسن عبد الفتاح القويعي أحد قيادات الإخوان المسلمين بمحافظة البحيرة، ورئيس المجلس المحلي لمدينة دمنهور في دورة 1992- 1996م، والتي اعتُقل خلالها مرتَين: الأولى عام 1993 بسبب الاستفتاء على انتخاب رئيس الجمهورية، والثانية عام 1995م لتحويله إلى المحكمة العسكرية حُكم عليه فيها بثلاث سنوات ولقب خلالها بـ"العمدة".

 

محسن القويعي يعمل مديرًا عامًّا في وزارة التموين بمديرية تموين البحيرة، وحاصل على بكالوريوس الزراعة سنة 70، ومتزوج وله ثلاث أبناء.. وإلى نص الحوار:

 

* بدايةً.. ما أهمية "المحليات" من وجهة نظركم؟

** المحليات هي محاولةٌ للخروج بنظام الحكم المركزي الذي يحكم كل شيء من العاصمة إلى نظام الحكم اللامركزي الذي يعطي صلاحيات للوحدات الإدارية (المحافظة- المركز- القرية)؛ كونها الأقرب إلى الجماهير والأقرب إلى المشاكل الخاصة بالتجمعات القريبة منها، وعلى ذلك تكون الجماهير هي التي لها دور فيما يخص بيئتهم الاجتماعية والجغرافية والتاريخية؛ لأنهم الأعلم بهذه المشكلات.

 الصورة غير متاحة

 الإخوان يسعون لإعطاء المحليات صلاحيات أكبر كونها الأقرب للجماهير

 

وعليه فإنَّ هذه المجالس تمارس جانبًا محدودًا من الوظيفة التنفيذية، وهو ما يتعلَّق بالمرافق المحلية، وبالتالي فإن تدخل أعضاء مجلس الشعب في الموضوعات الخاصة بكل وحدة إدارية هو نتيجة فعلية لعدم قيام مجلس الشعب بدوره الحقيقي من حيث الرقابة والتشريع.

 

* وهل المرافق هي مهام المجالس المحلية فحسب؟!

** بالطبع لا؛ فاختصاصات المجلس المحلي تشمل إقرار خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومشروع الموازنة السنوية للمحافظة ومتابعة تنفيذها، والموافقة على مشروع الحساب الختامي للمحافظة، وتحديد خطة المشاركة الشعبية وإقرارها بالجهود والإمكانيات الذاتية للمعاونة في المشروعات العامة بما يفي بمتطلبات الإسكان والتشييد، واقتراح مشروعات التخطيط العمراني والتعمير، والموافقة على إنشاء المرافق التي تعود بالنفع على المحافظة، واقتراح ضرائب ذات الطابع المحلي، واقتراح الضوابط العامة لنظام تعامل أجهزة المحافظة مع الجماهير.

 

لكن للأسف كل هذه الاختصاصات لا تمارسها المجالس المحلية، كغيرها من المؤسسات، يوضع لها الشكل ويتم تفريغها من المضمون المجلس المحلي؛ بات ليس له صلاحيات على رؤساء الأجهزة التنفيذية في المحليات.

 

* إذا كانت أدوات وآليات العمل البرلماني تتمثَّل في طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة والأسئلة والاستجوابات والاقتراحات برغبة.. فما هي أدوات وآليات المجالس المحلية؟

** في المجالس المحلية من حق العضو تقديم السؤال أو طلب الإحاطة إلى المسئول، وكان من حق العضو أن يقدِّم استجوابًا، ولكن تم إلغاؤه بموجب القانون 145 لسنة 88 بالمادة 20 مكرر.

 

* ننتقل إلى تجربة الإخوان في 92.. ماذا حدث؟

** كان نظام الانتخابات بالقائمة المطلقة، وكان على الإخوان أن يتخطَّوا هذه العقبة، فقرَّروا أن يتحالفوا مع حزب العمل وحزب الوفد في قائمةٍ واحدةٍ باسم حزب الوفد أو العمل مقابل قائمة الحزب الوطني، ولكن الوفد لم يستكمل المشوار، فدخل الإخوان تحت قائمة حزب العمل، وكان حزب العمل ممثلاً في المجالس على المستويات المختلفة، ونجحنا بالقائمة.

 

* وما هو المناخ الذي كان مسيطرًا آنذاك؟

** كان مناخًا شبيهًا بمناخ ما قبل انتخابات 2005م التي حقَّق فيها الإخوان نجاحات بفوز 88 عضوًا، وكانت النتيجة أن عرفت الدولة شيئين؛ حيث عرف الحزب الوطني الرأي العام واتجاهاته، وعرف قوة الإخوان حتى يستطيع أن يضع من أدوات المقاومة ما يحول بين الإخوان المسلمين وممارسة حقهم السياسي والدستوري.

 

ومن اللافت للانتباه أنه بعد انتخابات محليات 92 بدأت حملات اعتقالات واسعة، ولُفِّقت قضايا للإخوان إلى سنة 95 التي تمَّ فيها عقد المحاكمات العسكرية، وكنت أحد المحالين لهذه المحاكمة.

 

* بعد نهاية دورة كاملة من العمل المحلي من عام 92 إلى 96.. ما الذي قدَّمه الإخوان؟

** لقد كانت المحليات- ولا زالت- شيئًا مهمًّا، ولا بد من تفعيلها؛ كونها لها ثمرة قوية من نتاج الالتحام بالجماهير والمساعدة في حلِّ مشاكلهم من منبع حلها، بالإضافة إلى ارتباط الإخوان بالقواعد الشعبية، وهو الشيء الذي تُحاربنا من أجله الحكومة التي لا تريد أن يكون للإخوان شعبية ولا علاقة أو صلة أو تعارف بينهم وبين الشعب.

 

وكانت من أهم ملامح عملنا المحلي في البحيرة ومدينة دمنهور على الأخص أننا أول من طالبنا في محاضر مجلس محلي دمنهور بإصلاح أوبرا دمنهور وتحويلها لوزارة الثقافة وتنظيفها من العقارب والثعابين، وجعْلها منبرًا حضاريًّا، وهي الأوبرا التي من المنتظر أن تُفتتح قريبًا، كما كان الإخوان في نفس الدورة أول من نادَوا بفصل إنتاج الخبز عن توزيعه لمنع تسرب الدقيق وتسليمه لغير مستحقيه، ونُفِّذت التجربة في دمنهور في سنة 94، وبعد ذلك عُمِّمت على أنحاء المحافظة، والآن السيد الوزير علي مصيلحي يريد أن يُعمِّم هذه التجربة على مستوى مصر.

 

كما كان الإخوان أيضًا أول مَن طالبوا بجامعةٍ لمحافظة البحيرة، ووفَّروا الأرض لذلك، وهو المشروع الذي لولا خروجنا من المجلس لكنا أكملناه حتى يصير حقيقةً على أرض الواقع.

 

كما شهد المجلس عمليةَ ضبط للمصروفات التي تتم للرصف، وبعد أن كانت الميزانية يتم صرفها على شارعين فقط تمَّ توزيعها على أنحاء دمنهور، وأدخلنا الصرف إلى شوارع لم تكن تظن أن يأتيَ لها الصرف، فضلاً عن العديد من المشروعات التحتية التي تمَّ تنفيذها بعد ذلك، مثل شبكات الصرف الصحي لعددٍ من القرى والمراكز والأنفاق كنفق دمنهور.

 

 الصورة غير متاحة

التغيير والإصلاح هدف الإخوان من المشاركة في الانتخابات

* نرجع بكم من عام 92 إلى عام 2008م.. كيف تقرأ الواقع في ظل قرار الإخوان بخوض انتخابات المحليات؟

** الإخوان مصرُّون على عملية الإصلاح والمشاركة في العملية الانتخابية برُمَّتها؛ لأنها هي الوسيلة الوحيدة التي اعتمدها الإخوان في التغيير والإصلاح بعيدًا عن العنف والعمل العسكري والثورة.

 

ونحن ندفع ثمن عملية الإصلاح من أبنائنا وأموالنا وأمننا، ولكن ما ضاع حقٌّ وراءه مطالب، وما نيل المطالب بالتمنِّي، ولكن تؤخذ غِلابًا.

 

* ما أهم شيء في محليات 2008م بالنسبة لكم؟

** أهم شيء هو المشاركة والالتحام بالشعب، والتعرُّف على مشاكله والعمل على طرح حلولٍ لها من وجهة نظر وطنية قومية لكي نجمع عليها الأمة التي تتحرَّق أشواقها أملاً في حياة سعيدة مستقرِّة.

 

* وما المعوقات التي تنظر إليها الآن مع بدء إجراءات الترشح للانتخابات؟

** أولاً: فشل التجربة الديمقراطية حتى الآن في أن تدفع المواطن إلى التمسك بحقوقه السياسية الحقيقية وحريته؛ وهو ما أثَّر على وعي الجماهير السياسي.

 

ثانيًا: عدم نزاهة الانتخابات، وعدم وجود الضمانات الكافية لنزاهتها في ظلِّ استمرار التدخل الأمني في الانتخابات.

 

ثالثًا: إلغاء أهم ميزة في المجالس المحلية، وهي الاستجواب؛ لأن هذا الإلغاء حوَّل المجالس الشعبية إلى مجرد ديكور للنظام السياسي، وكرّس المركزية في الأجهزة المحلية، وساعد على تفشي الفساد المالي والإداري.

 

رابعًا: ضعف جذور الإدارة المحلية في الإقليم، واعتماد المواطنين على الأجهزة المركزية حتى أصبحت الاستغاثات توجَّه إلى رئيس الجمهورية رأسًا.

 

خامسًا: ضآلة الإمكانات المالية للمحافظات.

 

سادسًا: منع التحوُّل الديمقراطي الصحيح؛ نتيجةَ الإصرار على اللا مركزية.

 

* إذن هل من مقترحات لتغيير هذه الصورة الحالكة من وجهة نظركم؟

** لا بد من عدة أمور:

أولاً: منح المجالس المحلية حقَّ سحب الثقة من رؤساء وأعضاء السلطة التنفيذية بالقانون في حالة مخالفة القانون.

 

ثانيًا: منح المحافظين سلطةً إداريةً حقيقيةً على العاملين تحت رقابة المجالس الشعبية المحلية.

 

ثالثًا: القضاء على المركزية المفرطة وتوسيع سلطات المحافظات والأقاليم حتى تقل السلطة تدريجيًّا من الوزارات.

 

رابعًا: إلغاء نص العمَّال والفلاحين، وإلغاء المواد 161، 162، 163 من الدستور التي تنص على ذلك.

 

خامسًا: تعديل المادة 12 من قانون المجالس الشعبية المحلية ليصبح اختصاصها تنفيذيًّا وليس رقابيًّا فقط، بمعنى تدخلها في متابعة تنفيذ الخطة التي تضعها.

 

سادسًا: إعادة النظر في عدد المجالس المحلية وعدد أفرادها لممارسة السلطة الرقابية على نحو فعَّال؛ ليصبح اختصاصها تنفيذيًّا وليس رقابيًّا فحسب.