- 500 إرسالية لمجلس الكنائس العالمي لتنصير المسلمين

- قاعدة "أفريكوم" الأمريكية العسكرية أول اختراق للقرن الإفريقي

- الصهاينة يحرِّكون دول الجوار الجنوبي للسيطرة على مصر

- أوغندا تمتلك مفاتيح الغذاء والأسواق وتحقق نصف مليار سنويًّا

- إثيوبيا واجهة الموساد وتسطير على الفنادق والمقاهي والبارات

- كينيا تحتكر المصارف وتفتح طريقًا للبترول على المحيط الهندي

 

جوبا: أحمد سبيع

منذ وضع الاحتلال البريطاني أقدامه في السودان عام 1896م لم يقتصر دوره على نهب ثروات هذا البلد الغني بالمقدرات الطبيعية، كما حدث في معظم الدول التي احتلَّها، سواء في إفريقيا أو بلاد الهند؛ حيث مثَّل السودان بالنسبة للاحتلال البريطاني أهميةً خاصةً، فهو يعد بواية المد الإسلامي الذي يمكن أن يصل إلى العمق الإفريقي، وقد عملت بريطانيا طوال سنوات الاحتلال بكل الوسائل لمنع الإسلام من الوصول إلى "كيب تاون" عاصمة جنوب إفريقيا، التي كانت واقعة أيضًا تحت الاحتلال البريطاني، وفي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي بدأت خطة بريطانيا مدعومة بمجلس الكنائس العالمي في الدعوة إلى انفصال الجنوب حتى يكون وطنًا منفصلا يدين بالمسيحية؛ لمواجهة دولة المسلمين في الشمال، ويكون الجنوب حائط صدٍّ لأي مد إسلامي لعمق إفريقيا، نتيجة تشبع الشعب السوداني بالتيارات الإسلامية المختلفة التي كانت أبرزها الصوفية، فضلا إلى ضعف دور إثيوبيا التي كان منوطًا بها القيام بهذا الدور.

 

إلا أن الاحتلال البريطاني وجد أن الجنوب لا يصلح أن يكون دولةً منفصلةً، وأن أفضل شيء أن يظل تحت إدارة الشمال، مع زيادة النشاط التبشيري من أجل أن يكون مسيحيو الجنوب هم أنفسهم حائط صد ضد انتشار الإسلام، وقد توصلت الحكومة البريطانية قبل انسحابها من السودان إلى هذه النتيجة، بعد أن استطلعت أراء كل المسئولين البريطانيين الذين تولوا شئون السودان سواء في الشمال أو الجنوب.

 

ورغم انتهاء الاحتلال البريطاني ثم انفصال السودان عن مصر، إلا أن هناك احتلالا من نوع آخر حدث لجنوب السودان، وهو احتلال الكنائس التي زرعها الاحتلال البريطاني بالتنسيق مع مجلس الكنائس العالمي، حتى أصبح لهذا المجلس أكثر من 500 إرسالية منتشرة في جنوب السودان، حتى وقتنا هذا، لها تأثيرها الفاعل في تحريك قيادات الحركة الشعبية، ودفعهم إلى الانفصال عن الشمال، هذا التوجه من قِبَل مجلس الكنائس العالمي صاحب توجُّهات أخرى لدول وهيئات متعددة تجمعت كلها على أهمية الانفصال لما يحقق مميزات كبيرة تحمي مصالحهم المختلفة، وفي السطور القادمة نوضح المستفيدين من انفصال جنوب السودان:

1: مجلس الكنائس العالمي

لعب مجلس الكنائس العالمي دورًا كبيرًا في عمليات التبشير ليس في جنوب السودان فقط، وإنما في كل إفريقيا بل إنه حاول أيضًا الدخول في قلب السودان؛ حيث الأغلبية المسلمة، مستغلا في ذلك فقر البشر وتخلفهم وحاجتهم لما يسد جوعهم وعطشهم، وقد استخدم المجلس- من خلال كنائسه في جنوب السودان التي وصلت إلى 500 كنيسة وإرسالية- كل الأساليب من أجل جذب أهل الجنوب إليها، وقد وضعت في كثير من الأوقات شروطًا لتوزيع معوناتها التي كان من أبرزها تقدمها لكل المسيحيين بمختلف أعمارهم، بينما تقدم إلى غيرهم من المسلمين والوثنيين للأطفال والنساء فقط، ما دفع المسلمين والوثنيين إلى تسمية أنفسهم وأبنائهم بأسماء مسيحية من أجل الحصول على معونات الكنائس التي كانت تتخذ من إثيوبيا قاعدة لانطلاقها في الجنوب.

 

 الصورة غير متاحة

حماية الأطفال والنساء بوابة الغرب لاختراق جنوب السودان

وهو ما كشفه "آشوك كولن يانق" الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا " بعد إسلامه؛ حيث أوضح المخططات التي كانت تتبعها الآلاف من المنظمات الغربية الكنسية في تنصير المسلمين عبر وسائل وأساليب متعددة، منها الغطاء الإنساني، وسلاح المعونات، وممارسة الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية حتى تستجيب للمطالب الغربية.

 

وأكد "أشوك" أنه شارك في مؤتمر سري عقد في ولاية تكساس الأمريكية لدراسة أوضاع كل دولة إسلامية على حدة، واتخاذ الإجراءات المناسبة من أجل تنصير أبنائها أو إبعادهم عن دينهم، موضحًا أن مجلس الكنائس العالمي يرعى الآلاف من الكنائس، والسودان وحده يعمل فيه أكثر من 500 منظمة كنسية.

 

تأجيج الصراعات

وقد لعب مجلس الكنائس العالمي أدورًا متعددةً لتأجيج الخلافات بين الشمال والجنوب السوداني، ودعم حركات التمرد المستمرة هناك؛ حيث اتهم بعض الكتاب والسياسيين السودانيين الكنيسة الكاثوليكية في محافظة الاستوائية بأنها كانت وراء بداية حركة التمرد عام 1955م، عندما قام القس الجنوبي الكاثوليكي الأب ساترنينو بالتنسيق بين رئاسة الكنيسة في جوبا وقائد أول تمرد عسكري الملازم أوليفر ألبينو في بلدة توريت، كما اتهموا حركة "أنيانيا" بأنها حصلت على تمويل من مجلس الكنائس العالمي، وحتى عندما ظهرت الحركة الشعبية لتحرير السودان في يونيو 1983م بعد تمرد الكتيبة 105 في بور، التي انضم إليها فيما بعد جون قرنق ليصبح زعيمها الأقوى، فإن توجهها في البداية كان شيوعيًّا، ما دفعها إلى التحالف مع نظام منغستو هيلا ماريام رئيس إثيوبيا الماركسي، وكانت لها حينئذ مواقف عدائية ضد الإرساليات المسيحية، إلا أنه مع انهيار الشيوعية في بداية التسعينيات غيَّرت الحركة الشعبية بوصلة تحالفتها إلى الكنائس والمنظمات التنصيرية.

 

ولمجلس الكنائس تاريخ طويل لتقليب الرأي العام على السودان بحجة حماية الأقليات، وتحديدًا منذ بدأ التنسيق بين مجلس الكنائس العالمي ومجلس الكنائس في عموم أفريقيا 1971م، وتحت رعاية الهيئتين تم اتفاق أديس أبابا في فبراير 1972م، بين المتمردين وحكومة الخرطوم، وفي أغسطس من نفس السنة أقامت الخرطوم علاقات دبلوماسية مع الفاتيكان، وفي عام 1990م أعلن المجلس ضرورة توزيع ريع الناتج النفطي بصورة عادلة بين الأطراف السودانية، وفي عام 1992م أصدر مجلس الكنائس العالمي مذكرةً عن السودان يعلن فيها اهتمامه البالغ بكل من الجنوب والغرب (دارفور)، وفي 29 يناير 2001م أعلنت اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي خلال اجتماعها ببرلين عن استيائها لما يتعرض له سكان الجنوب السوداني من تعذيب وقمع، وفي بداية يوليو 2002م زار كونارد رايزر الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي السودان في جولة ضمت عددًا من دول القرن الإفريقي، وتشرف المنظمات الكنسية في جنوب السودان التي تزيد على 39 منظمةً على جانب مهم من النشاط الصحي والتعليمي والنشاط النسوي.

 

 الصورة غير متاحة

جوبا..مطمع اقتصادي وأمني واستخباري

وقد حذَّر تقرير أمني سوداني تم نشره عام 2007م من نشاط الهيئات التنصيرية في جنوب السودان، مستدلا بما قاله المنصِّر الإيطالي الشهير (دانيال كمبوني)، الذي أخذ العهد على نفسه وهو يشهد احتضار أحد القساوسة بأن ينذر حياته لتنصير إفريقيا أو الموت على درب من سبقوه، وبدأ القس (ليوللن قوبي) تأسيسه للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بشعار (إعادة نصب راية المسيح التي سقطت) ويقول: "إن على الكنيسة ألا تخلد إلى الراحة حتى تستعيد ما كان لها مرةً أخرى".

 

وطبقًا للتقرير الأمني فإن دوائر التنصير تتحدث عن إقليم الجنوب السوداني كما لو أنه ملك لهم وحدهم لا يسع أحدًا أن يزاحمهم فيه، رغم أن تلك الكنائس لم تقدِّم إلى أهل الجنوب طوال قرن ونصف القرن ما يصلح أن تنبني عليه حضارة.

 

وشدد التقرير على: "أن تلك المقاطعات الآن هي أكثر مناطق السودان جهلا وتخلفًا وبدائية، مع أن تلك الكنائس كانت تستأثر بالسلطة والدعم الحكومي والإمداد الأجنبي لفترات طويلة، كانت كافية لإحداث تغيير كبير إذا أرادت ذلك!.

 

يقول الكاتب الإنجليزي (ساندرسون): "تحاول الكنيسة السودانية أن تستند إلى مقاومة الإسلام مقاومة إيجابية؛ أما المقاومة السلبية فهي عند الصفوة الجنوبية من خريجي مدارس الإرساليات، وتمثل واجبًا دينيًّا مسيحيًّا".

 

وهو ما أكده القس (دانيال كمبوني) في بداية حركة الإرساليات النصرانية؛ حيث أعلن قائلا: "سيتم توفير التعليم العالي للعناصر الأكثر كفاءة، والمأمول أن يتسلموا مقاليد القيادة في بلادهم"، وهذا ما يحدث الآن على أرض الواقع.

 

وأشار التقرير إلى ورقة عمل قدَّمها مجلس الكنائس السوداني ضمن اجتماع مجلس عموم كنائس إفريقيا في لومي عام 1987م بعنوان (إنقاذ السودان): والتي نادى فيها بضرورة إيجاد السودان الجديد الخالي من السيطرة العربية، وطالبت الورقة بدعم مجلس الكنائس الإفريقي والعالمي لإيجاده.

 

المصالح والقرن الإفريقي

2: الولايات المتحدة الأمريكية

تعد الولايات المتحدة الأمريكية التي يهمها انفصال الجنوب ورغم تباين وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية في مراحل سابقة حول جدوى الانفصال، وأن هذا الانفصال سيعطي دفعةً للحكومة الإسلامية في الشمال التي تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال تنفيذ برامج تنموية، بعد التخلص من عبء الجنوب، إلا أنه خلال الأعوام الأخيرة اتفقت هذه الأراء المتباينة على دعم الحركات الانفصالية الجنوبية، وتقويتها بعدة أشكال من أجل ترسيخ مفهوم الانفصال وإنشاء دولة جنوبية ترفع شعار العلمانية في مواجهة الحكومة التي ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وأصبح للمبعوث الأمريكي الخاص بالسودان، تأثير واضح على رسم مستقبل الاستفتاء القادم، بل لعب هذا المبعوث دورًا كبيرًا في استبعاد كل القيادات الجنوبية المطالبة بالوحدة، أو التي تحبذها عن الانفصال، من دوائر صناعة القرار، وخاصة من الدوائر القريبة جدًّا من رئيس حكومة الجنوب سيلفا كير، واستخدم سكوت جريشن المبعوث الأمريكي كل الأساليب بالترهيب مرة والترغيب أخرى؛ لتنفيذ هذه السياسية، بل إنه في نظر العديد من قيادات الحركة الشعبية أنفسهم أصبح هو صاحب القرار فيما يحدث في جنوب السودان، ولعل هذا ترجمه مؤخرًا زيارة وفد سوداني في مطلع أكتوبر الجاري إلى الولايات المتحدة، والتي التقى فيها سيلفا كير الرئيس باراك أوباما، وخرج بعدها ليعلن أنه سوف يصوت لصالح الانفصال.

 

 الصورة غير متاحة

الكنائس تقوم بدرور كبير من أجل دعم الانفصال

وللولايات المتحدة أكثر من هدف لانفصال الجنوب، منها أهداف متعلقة بالحرب على الإسلام وحصاره حتى لا يمتد إلى قارة إفريقيا، وهي بذلك تنفِّذ وتساير هدف مجلس الكنائس العالمي، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج دابيلو بوش بقوله "إنه سيتصدى لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحريات الدينية في كل مكان في العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان".

 

وهو ما ذهب إليه أيضًا القس فرانكلين جراهام- المعروف بعدائه للإسلام- في مقال نشرته الصحف الأمريكية أكد فيه أنه يخطط لإعادة بناء مئات الكنائس التي دُمرت في جنوب السودان، مبررًا ذلك بالحرب على كنيسة المسيح في إفريقيا!.

 

مشروع أفريكوم العسكري

ويأتي الهدف العسكري كأحد أبرز الأهداف الأمريكية من الوجود في السودان، وهو ما ترجمه مشروع "أفريكوم" الذي ظهرت فكرته إلى النور عام 2003م، ويهدف المشروع إلى بناء قواعد عسكرية في أفريقيا، ورغم العروض التي قدمتها كل من ليبريا وإثيوبيا لاستضافة (إفريكوم)، إلا أن الإدارة الأمريكية وجدت ضالتها للسيطرة على العمق الإفريقي من خلال دولة جنوب السودان، وقد كشف الباحث السوداني عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج في دراسة حول أسباب دعم الولايات المتحدة لانفصال الجنوب، عن خفايا عديدة في مشروع أفريكوم، مستدلا بتصريحات الجنرال جيمس جونز قائد القوات الأمريكية فى أوربا (EUCOM) عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية الوجود على أراضي القارة السمراء؛ حيث أنها لا تريد أن تبقى بعيدًا عن ما يحدث في أفريقيا، وأنه لم يعد بمقدور القوات الأمريكية أن تظل تراقب الأوضاع في القارة الإفريقية من على البحر؛ لذلك لا بد من أن يكون هناك وجود أمريكي على الأرض الإفريقية، خاصة في دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وهو الهدف نفسه الذي طالبت به إستراتيجية مجلس الطاقة الأمريكية (National Energy Policy ) والذي يعرف بتقرير (Deck Cheney) الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى إنشاء قواعد عسكرية في كل المناطق التي تحتوي على النفط في العالم، بدءًا من كازخستان وحتى أنجولا في أفريقيا، وعلى ضوء هذا التقرير أعلن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في 6 فبراير من 2007م أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الرئيس الأمريكي السابق جوج دبليو بوش قد أصدر قرارًا بإنشاء قيادة عسكرية جديدة في إفريقيا.

 

سقف المصالح الأمريكية في السودان لم يقف عند هذا الحد، خاصة في ظل وجود قوة أخرى مؤثرة في صنع القرار الأمريكي بما يحقق مصالحها، أبرزها شركات الطاقة والتعدين التي ترمي إلى الاستفادة من الثروات التي يحويها بطن الجنوب من اليورانيوم والنحاس وغيرهما، من المعادن المهمة، بالإضافة إلى البترول؛ حيث يحوي الجنوب 90 % من إنتاج واحتياطي النفط السوداني، هذا بالإضافة عن مواجهة التوغل الصيني في القارة السمراء.

 

وقد عملت الولايات المتحدة على تعزيز وجودها في الجنوب من خلال 35 منظمةً دولية أمريكية منتشرة في مختلف أرجاء السودان، وتمثِّل 19% من كل المؤسسات الدولية العاملة في السودان ككل، وللولايات المتحدة حوالي 390 يعملون في مؤسساتها بالسودان إضافة 220 مـوظفًا يعملون في مختلف الوكالات الدولية غير الأمريكية، ليشكلوا بذلك 34% تقريبا من الوجود الأجنبي في السودان ككل.

 

التوغل ضد مصر

3: الكيان الصهيوني

الكيان الصهيوني له أذرع وأياد عديدة تلعب في الجنوب من أجل الانفصال، وإن كان الكيان غير حاضر في المشهد بشكل رسمي إلا أنه متوغل في معظم الهيئات الدولية والإغاثية المنتشرة في جنوب السودان، كما أنه يسيطر على فنادق ومطاعم الجنوب من خلال الشركات الكينية والأوغندية والإثيوبية المالكة والمشغلة لهذه المشروعات.

 

وللكيان الصهيوني تاريخ قديم في السودان الذي كان من ضمن الدول المرشحة لتوطين اليهود قبل فلسطين؛ وهو ما أشار إليه الكاتب اليهودي (واربورت) الخبير بشئون الفلاشا عام 1900م بأنه قدم اقتراحًا إلى اللورد (كرومر) في القاهرة بذلك، وقدّم يهودي آخر هو (أبراهام جلانت) نفس الاقتراح عام 1907م إلى رئيس (المنظمة الإقليمية اليهودية JTO).

 

وتعد السيطرة على نهر النيل لخنق مصر وشل حركتها هو الهدف الأساسي للتوغل الصهيوني في جنوب السودان، وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيدًا، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون مع الكيان الصهيوني، وكان آخرها الإعلان الصريح من وزير الإعلام في حكومة الجنوب بأنهم سيوثقون علاقتهم بالكيان الصهيوني فور إعلان الانفصال، وليس خفيًا على المتابعين لأحوال الجنوب أيضًا حرص قيادات الحركة الشعبية علي زيارة الكيان بشكل متواصل، كما قام الكيان الصهيوني بتدريب حوالي عشرين ألف مقاتل من الحركة الشعبية على حدود أوغندا الشمالية، بل إنه أقام جسرًا جويًّا إلى مناطق التمرد في مارس 1994م.

 

وقد ترجم الوجود الصهيوني نفسه في الجنوب من خلال (ديفيد بسيوني) أحد قادة التمرد وهو يهودي الديانة، وكان مرشحًا لرئاسة حكومة (الجنوب) التي أعلنت عن تكوينها التمرد، و أعلن متحف محرقة ضحايا النازية (الهولوكوست) في نيويورك تضامنه مع الجنوبيين المسيحيين، وقال: "إنهم يتعرضون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، بل إنه كون لجنةً عرفت باسم (لجنة الضمير) وترأسها اليهودي "جيري فاولر"، وقد أقامت اللجنة معرضًا ملحقًا بالمتحف عن "مآسي حرب الجنوب".

 

كما كشف كتاب وثيقي صدر عام 2002م عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب للعميد في المخابرات الصهوينية "موشي فرجي" بعنوان "إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان"، يوضح فيه الكاتب أن "بن جوريون" أسس الانطلاقة لفرضية رئيسية أقام عليها الإسرائيليون تعاونهم ودعمهم غير المحدود للأقليات العرقية والدينية في الوطن العربي.

 

وقد أصدر بن جوريون أوامره إلى أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات مختلفة معها، وقد سبق ذلك إيجاد محطات اتصال في كل من إثيوبيا، وأوغندا، وكينيا، وزائير.

 

وبالفعل شجع الكيان الصهيوني الضباط الجنوبيين للالتحاق بمعاهدها العسكرية، وأبرم جون قرنق اتفاقًا مع الكيان لتزويد جيش المتمردين بالعديد من الخبراء العسكريين الصهاينة، الذين بدءوا يتوافدون على الجنوب السوداني منذ عام 1989م، كما درب الكيان الصهيوني 35 ضابطًا من جيش جارانج عام 1990م، ووصل أكثر من 15 خبيرًا صهيونيًّا إلى الجنوب لوضع الخطط وإدارة العمليات العسكرية، وكان لهم دور في احتلال بعض مدن الجنوب في العام ذاته، بل إن مئات الضباط الصهاينة من ذوي الأصول الإثيوبية (يهود الفلاشا) قاموا بتدريب الجيش الشعبي، وكانوا تحت تصرف قرنق بشكل كامل.

 

تدريب وتأهيل الجنوب

 الصورة غير متاحة

نهر النيل القادم من جنوب السودان مطمع صهيوني لخنق مصر

وفي حالة انفصال الجنوب سيكون للجيش الصهيوني وأجهزة الاستخبارات الصهيونية دور كبير، بل الدور الأول في تحويل الجيش الشعبي إلى جيش نظامي، وليس بعيدًا أن يمتد هذا الدور إلى أقاليم أخرى في السودان.

 

ويهدف الكيان الصهيوني من وراء هذا كله إلى تهديد الأمن العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، من خلال زيادة النفوذ الصهيونية في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا، هذا بالإضافة إلى السعي الصهيوني الدائم للحصول على تسهيلات عسكرية في دول منابع النيل وزرع القواعد الجوية والبحرية، وللكيان الصهيوني خمس قواعد عسكرية في جزيرة حنيش وهلك بأثيوبيا, فضلا عن أخرى بالقارة السمراء، هدفهم جميعًا التجسس على الأقطار العربية، إضافة إلى تصريف منتجات الصناعة العسكرية الصهيونية، وخلق كوادر عسكرية أفريقية تدين لها بالولاء.

 

كما يهدف الكيان الصهيوني إلى تحويل جزء من مياه النيل إلى صحراء النقب عبر سيناء، وعلى الرغم من الرفض المصري المتواصل إلا أن الحلم الصهيوني لم يتم استبعاده، ويجد الكيان في الاستحواذ على جنوب السودان الفرصة لتحقيق هذا الحلم.

 

"بيزنس" الإغاثة

4: منظمات الإغاثة الدولية

يعد جنوب السودان كما سبق الإشارة في موضوع سابق كنزًا لا ينفذ لمنظمات الإغاثة الدولية؛ حيث تحصل على أكثر من 300 مليون دولار سنويًّا لدعم التنمية في الجنوب، إلا أنها لا تنفق على برامج التنمية سوى 5% منها فقط، بينما يذهب الباقي إلى الدعم اللوجسيتي الخاص بالرواتب والبدلات والمكافآت والفنادق والرشاوى، وكما وصف العديد من أهل الجنوب، فإن دور هذه المنظمات يقتصر على قيام العديد منهم بممارسة رياضة الجري في شوارع الجنوب في الساعات الأولى من الصباح أو مع غروب الشمس، وشرب الخمور في البارات المنتشرة في كل ربوع الجنوب، وتقديم المعلومات المغلوطة إلى أجهزة الإعلام الدولية؛ لتأكيد وجود أزمات في جنوب السودان تتطلب وجودها.

 

 الصورة غير متاحة

 البعثات الإغاثية الدولية لا تقوم بإدارة حقيقية لتنمية الجنوب

وقد فضحت بعض الكتابات الغربية الأدوار المشبوهة لهذه المنظمات منها كتاب"LORDS of POVERTY" لـ"غراهام هانكوك"، وكتاب THE ROAD TO HELL" وقد كشف الكتابان الأخطاء والتجاوزات لمنظمات العون الإنساني في الجنوب من أجل تصحيح مسارها؛ حيث خلقت هذه المنظمات مجتمعًا اتكاليًّا في جنوب السودان، يعتمد على المعونات، ويكفي أن نفس الفريق الذي أدار برنامج المعونة الأمريكية قبل اتفاقية السلام هو نفسه الذي يدير حكومة الجنوب الآن.

 

ويؤكد خبراء متابعون للعمل الإغاثي في جنوب السودان أن هذه المنظمات بدأت تحل محل وكالات الأمم المتحدة، كما أن هذه المنظمات لها مشاريع استثمارية خاصة، تسير جنبًا إلى جنب العمل التطوعي، فطائرات الإغاثة التي تفرِّغ محتوياتها في مطار جوبا تعود محملة بخيرات الجنوب وخاصة أطنان الأسماك.

 

ولمزيد من المعلومات حول دور هذه المنظمات في تأجيج الخلاف مع الشمال ودعم خيار الانفصال يمكن مطالعة هذا الموضوع (http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=72485&SecID=341 )

 

السيطرة التجارية

5: أوغندا

تعد أوغندا أو كما يطلق عليها السودانيون يوغندا من أبرز اللاعبين في جنوب السودان؛ حيث ترتبط أوغندا بعلاقات متميزة مع قادة الجنوب الذين احتضنتهم خلال حربهم مع الحكومة السودانية، وهناك قبائل استوائية مشتركة بين الجانبين، لها نفوذ واسع في الجنوب.

 

وقد رصد د. جون قاي نوت يوه وهو باحث أكاديمي جنوبي بارز تاريخ العلاقات الأوغندية مع جنوب السودان في كتاب يحمل اسم (آفاق وتحديات جنوب السودان) ذكر فيه أن العاصمة الأوغندية كمبالا وغيرها من العواصم في شرق إفريقيا تعد من أهم المدن التي احتضنت ورعت ولادة حركة تحرير جنوب السودان أوائل الستينيات في القرن الماضي؛ حيث كانت إحدى المعاقل السياسية لانطلاقة الحركة الجنوبية، وأصبحت في فترات متفاوتة إحدى المقار السياسية للحركة، وقد كان للعاصمة الأوغندية دور آخر في دعم الثورة الجنوبية؛ حيث كانت مركزًا تعليميًّا مهمًّا للجنوبيين السودانيين، وخاصة أبناء قبيلتي مادي وكاكوا، وقد تخرَّج عدد لا بأس به من السياسيين والأكاديميين والإداريين الجنوبيين من جامعة مكرري، التي كانت من أهم مراكز التعليم في شرق إفريقيا في ستينيات القرن الماضي، وفي عام 1969م كان قائد الجيش الأوغندي أيدي أمين دادا الذي ينحدر من قبيلة كاكوا الأوغندية السودانية المشتركة على اتصال مع المخابرات الصهيونية التي لمست عنده الرغبة في الإطاحة بحكومة الرئيس الأوغندي ملتون أبوتي، وعندما أعلن أمين عن نيته صراحةً إلى ضباط الاتصال الصهاينة، تبين أن الضباط والقوات الموالية له في الجيش الأوغندي ينقصها التدريب والانضباط، وقد قام أمين بالاتصال بالعقيد جوزيف لاقو وهو من قبيلة مادي السودانية، وكان يعمل ضابط اتصال بين حركة أنانيا المتمردة في جنوب السودان والجهات العسكرية الإفريقية، وقد طلب أمين من العقيد لاقو مده بعدد من المقاتلين التابعين لحركة أنانينا مقابل دعم عسكري وسياسي أوغندي للحركة في حالة نجاح انقلاب أمين.

 

وبعد استيلاء أمين على السلطة في كمبالا وحسب رواية الجنوبيين المقربين من العقيد لاقو فقد طلب أمين من المخابرات الصهيونية أن تمد حركة أنانينا بأسلحة خفيفة، على أن يتم توزيعها وإسقاطها بالطائرات الأوغندية في أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية بجنوب السودان، واستطاع لاقو أن يوحِّد صفوف الحركة الجنوبية، ويخرج بها من حالة التفتت والانشقاقات إلى أن أصبحت حركة سياسية وعسكرية ذات وجهة واضحة، وعليه فقد باشر الجنرال لاقو مهامه الجديدة، وبهذه الصفة وقع على اتفاقية أديس أبابا للسلام مع حكومة الرئيس نميري عام 1972م.

 

 الصورة غير متاحة

مطار جوبا الدولي

ورغم توقف الحرب في جنوب السودان عام 1972م إلا أن الاتصالات بين أوغندا والمتمردين في جوبا استمرت بصورة غير مباشرة سواء كان في عهد أبيل ألير أو جوزيف لاقو نائبي النميري في الجنوب، لأن العلاقات الخارجية بين السودان والدول الأخرى حسب اتفاقية السلام في أديس أبابا كانت من اختصاص الحكومة السودانية المركزية في الخرطوم.

 

وعندما استلم الرئيس الأوغندي الحالي يوري موسيفني السلطة في كمبالا أوائل عام 1986م برزت بوادر لإمكانية التعاون السياسي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحركة المقاومة الوطنية الأوغندية بقيادة موسيفني، الذي تربطه علاقة زمالة بالعقيد جون قرنق قائد الحركة الشعبية الراحل تعود إلى منتصف الستينيات، عندما كانا يدرسان في جامعة دار السلام بتنزانيا، بل أنهما كانا على اتصال بين عامي 1984م و1985م، عندما كان موسيفني يقيم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا التي كانت أيضًا مقرًّا لرئيس الحركة الشعبية.

 

ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان في 2005م، كانت هناك تحركات أوغندية للسيطرة على الجنوب سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، فأوغندا تعد ممرًّا جيدًا لجنوب السودان، كما أنها تسيطر على الوظائف الإدارية في حكومة الجنوب الوليدة، بل إن الأوغنديين هم الذين يقومون بتسجيل أسماء الجنوبيين في الاستفتاء المرتقب على حق تقرير المصير مطلع العام المقبل، وقد أحدث ذلك أزمةً كبيرةً؛ حيث قام الموظفون الأوغنديون بتسجيل الأسماء طبقًا للنظام الإنجليزي الذي يبدأ بلقب العائلة ثم اسم الشخص وأخيرًا اسم والده، وهو النظام الذي يغاير نظام التسجيل القبائلي، فضلاً لمخالفته نظام التسجيل العربي، ما دفع أحد الجنوبيين إلى التعليق على هذه الكارثة بأن الأوغنديين يزعمون أنهم يفهمون في كل شيء؛ ليسيطروا على كل شيء في جنوب السودان، فالجنوب بالنسبة لهم كنز من الخيرات.

 

دعم متبادل

ولعل الحرص الأوغندي على انفصال الجنوب يعكس الزيارة التي قام بها الرئيس الأوغندي منذ عدة أشهر إلى الولايات المتحدة؛ لدعم إجراء الاستفتاء في موعده، بل إن الرئيس الأوغندي كلَّف شركة للعلاقات العامة للقيام بحملة منظَّمة؛ لإحباط جهود الخرطوم الهادفة إلى إقناع أمريكا بضرورة تأجيل الاستفتاء لعدم توفر المتطلبات الفنية لإجرائه بصورة سليمة، وهو ما حدث بالفعل مؤخرًا.

 

أما حكومة الجنوب فإنها تعد أوغندا شريكًا لها في الانفصال، وقد وصف وزير شئون الرئاسة في حكومة جنوب السودان لوكا بيونق علاقات الجنوب مع أوغندا بـالمصيرية والأزلية، كما طالب سلفاكير الحكومة الأوغندية بقيادة حملة للاعتراف بدولة جنوب السودان في حال تصويت الجنوبيون للانفصال، وقام سلفاكير مؤخرًا بزيارة المقاطعات في شمال أوغندا، وأجرى محادثات مع موسيفني في إطار محاولته حل الخلافات الحدودية والتوتر الذي أعقب هجمات شنَّها جنود من الجيش الشعبي، الذي يسيطر على جنوب السودان و شمال أوغندا، وقد حرص الرئيس الأوغندي على وصف العلاقات بين بلاده وجنوب السودان بأنها مصيرية أيضًا، وأن التوتر على الحدود لا يرقى إلى مستوى الأزمة الدبلوماسية، وإنما مجرد سوء تفاهم.

 

وبجانب التوغل السياسي لأوغندا في الجنوب هناك توغل اقتصادي أيضًا؛ حيث يسيطر الأوغنديون على سوق "توكو توكو" وهو أكبر الأسواق التجارية في الجنوب، كما تحوَّل ميدان الحرية في جوبا إلى سوق أوغندي، بل إن أوغندا تسيطر على حركة التجارة والأكل والشرب في الجنوب؛ حيث إن الوصول من جوبا عاصمة الجنوب إلى وسط كامبلا عاصمة أوغندا لا يستغرق سوى 10 ساعات بالطريق البري الممهد وبتكلفة 50 جنيهًا سودانيًّا فقط، وبدون وثائق أو أجوزة، بينما الوصول إلى الخرطوم يستغرق ثلاثة أيام عن طريق البر ومن خلال طرق غير ممهدة أو آمنة، أو عن طريق الطيران الذي يحتاج إلى 500 جنيه سوداني ذهابًا ومثلهم إيابًا، وطبقًا للعديد من التقارير الاقتصادية فإن عائدات التجار الأوغنديين البعيدة عن التبادل الرسمي تبلغ في العام حوالي "500" مليون دولار.

 

ورسميًّا افتتح مؤخرًا في جوبا المعرض التجاري الأوغندي الأول من نوعه في جنوب السودان، وقال وزير التجارة والسياحة والصناعة الأوغندي، كانيدا أوفيفيرا في الافتتاح، إن المعرض سيدعم العلاقات الاقتصادية المتبادلة بين البلدين في مجالات الأغذية والبناء والخدمات، وقد صدَّرت أوغندا أغذية وفواكه ومواد بناء لجنوب السودان خلال العام 2009م ما قيمته 160 مليون دولار، طبقًا لإحصاءات وزارة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بأوغندا.

 

وهناك خطط موضوعة لبناء السوق الحديث في جوبا كمشروع مشترك بين الحكومة الأوغندية، وحكومة جنوب السودان، وتقدَّر تكلفة هذا السوق بنحو 1.7 مليار شلن أوغندي أي 850 مليون دولار، على أن يتم إنشاؤه في مدينة بايام، والتي تبعد حوالي 10 كيلو جنوب غربي جوبا، فضلاً عن المدن الأخرى المتاخمة للبلدين.

 

أنشطة تجسسية

6: إثيوبيا

 الصورة غير متاحة

الفنادق وسيلة صهيونية للتجسس على جميع الوافدين على الجنوب

تسيطر إثيوبيا على الفنادق والمطاعم والبارات الموجودة في جنوب السودان؛ حيث بلغت عدد الفنادق المنتشرة في كل ولايات الجنوب 85 فندقًا خلال الخمس سنوات الماضية التي أعقبت اتفاقية السلام، ورغم سوء خدمات هذه الفنادق إلا أنها الإقامة فيها غالية جدًّا؛ حيث تبدأ الأسعار من 120 دولارًا وتصل في بعض الفنادق إلى 350 دولارًا في اليوم.

 

كما أن لإثيوبيا نسبة في أكبر مصنع للخمور والبيرة الموجود في جنوب السودان، وهو المصنع الذي يعد رقم واحد في إفريقيا والشرق الأوسط، وبلغت تكلفته 40 مليون دولار، وتم تنفيذه عام 2009م عن طريق شركة سابميلر الجنوب إفريقية، والتي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًّا لها، وهي ثاني أكبر شركة للخمور في العالم، ولها حصة نسبتها 90% في جنوب إفريقيا، كما أن لها مشروعات كبيرة في تنزانيا وأنجولا وبوتسوانا وأوغندا، وهو ما جعل سعر زجاجة الخمر أرخص 3 مرات من سعر زجاجة المياه، رغم وجود النيل الأبيض في جنوب السودان، وينتج المصنع حوالي 4.8 ملايين جالون خمر وبيرة يوميًّا.

 

الاهتمام الإثيوبي بانفصال الجنوب لم يكن لأهداف تجارية أو اقتصادية فقط؛ حيث تسيطر على الفنادق والمطاعم والبارات التي سبق الإشارة إليها الموساد الصهيوني من الباطن، وهو ما يدفعنا إلى الأهداف الأخرى لدعم هذا الانفصال، ويدلل خبر نشرته الصحف الصهيونية مؤخرًا عن استضافة وزارة الخارجية الصهيونية وفدًا رفيع المستوى من كبار القضاة في إثيوبيا، على الأهداف الصهيونية الإثيبوبية المشتركة، سواء بالسيطرة على مياه النيل ووضع مصر والسودان في موقف متوتر بشكل مستمر نتيجة التوجُّه الإثيوبي المفاجئ نحو ضرورة إعادة توزيع حصص مياه النيل، وليس خفيًّا أن إثيوبيا تعد إحدى أزمات الأمن القومي المصري، خاصة بعد التوغل الصهيوني بها.

 

يذكر أيضًا أن الكيان الصهيوني عمد في الآونة الأخيرة إلى توطيد علاقاته مع كل دول حوض النيل وعلى رأسها إثيوبيا إذ وقعت معهم اتفاقية للتعاون المشترك في كل المجالات.

 

وقد بعث الكيان الصهيوني بخبرائه في المياه إلى إثيوبيا، والذين ساعدوها على إنشاء 3 سدود على روافد النيل الكبرى التي تدخل على المجري الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب إثيوبيا ثم السودان ثم مصر، وقد أقرَّت إثيوبيا بهذه السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد)؛ بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود الخبراء الصهاينة هناك.

 

ثم قام الكيان الصهيوني باللعب في جنوب السودان، فأوقف مشروع قناة "جونجلي" التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً قدرها 5 مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت إستراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية، وإبقاء المنطقة كلها في صراعاتٍ إثنيةٍ وطائفيةٍ مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات منذ بداية عقد التسعينيات صراعات مسلحة أثمرت مذابح بشعة، راح ضحيتها الآلاف من الأرواح، في رواندا وبورندي التي اشتعل فيها القتال هناك، متأثرًا بما جرى في رواندا.

 

المصارف والبترول

7: كينيا

 الصورة غير متاحة

المعونات مدخل الغرب والكنائس في جنوب السودان

تقوم الإستراتيجية الكينية على دعم الانفصال، لعدة أسباب منها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتعتبر كينيا أن الحركة الشعبية مدينة لها؛ حيث كانت هي من آواها ودعمها في مجال البناء العسكري اللوجستي من خلال الكنيسة الإفريقية الموجودة في كينيا؛ لذلك فمن الواجب على الحركة الشعبية حال الانفصال أن تقوم برد ديونها إلى كينيا، خاصة وأن كينيا هي من صنع الحركة الشعبية؛ لذلك توجد التزامات من الناحية الاقتصادية والتجارية ومن المفترض على الحركة الشعبية الوفاء بهذه الالتزامات بشكل عام، ويدعم هذا الهدف العلاقات الكينية الصهيونية المتميزة، وكذلك العلاقات الكينية الأمريكية خاصة وأن هناك اتفاقيةً أمنيةً بين الولايات المتحدة الأمريكية وكينيا، تسمح بموجبها كينيا للقوات الأمريكية بالانطلاق من أراضيها دون الحاجة إلى لوجود الدائم للقوات الأمريكية بها، مقابل تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية إلى كينيا، تشمل الإمداد بالأسلحة المتطورة وقطع الغيار الخاصة بها، وتدريب القوات المسلحة الكينية، وبعد تفجير السفارة الأمريكية بنيروبى والتعرض للمراكز الأمريكية والصهيونية في كينيا عام 1998م وافقت الحكومة الكينية للسماح بوجود 850 عنصرًا من مشاة البحرية الأمريكية في الأراضي الكينية، بالإضافة إلى عناصر من (CIA) و(FBI) ضمن جهود الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في المنطقة.

 

ومن الناحية الاقتصادية فإن كينيا تسيطر على التحويلات والتعاملات البنكية والمصرفية، ويعد البنك التجاري الكيني هو الوحيد الذي يتم من خلاله تحويل الأموال من الحكومة المركزية إلى حكومة الجنوب، وكذلك تحويل المعونات الدولية الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات التطوعية، كما أنه البنك الذي يتم من خلاله صرف رواتب الموظفين، ولهذا البنك 10 فروع في كل ولايات الجنوب العشر، كما تقوم كينيا الآن بإنشاء خطوط لتصدير البترول بمعزل عن بورتسودان في الشمال المنفذ الوحيد الحالي للجنوب الآن؛ حيث سيتم نقل الخط الخام من جنوب السودان إلى ميناء لامو بكينيا على المحيط الهندي بجانب الطرق التي تعتزم كينيا ربطها مع الجنوب، وتقوم الآن شركات قطرية بتطوير هذا الميناء بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار، استعدادًا لنقل بترول الجنوب من خلاله.