اعتاد القدماء وضع بعض التعليقات والأقوال في نهاية النوادر والقصص، ليس لها وظيفة فنية- في غالب الأمر- سوى تتميم الحكاية، كأنها تعلن عن نهايتها.

 

هذه التعليقات قد يكون لها في بعض الأحيان ضرورات فنية أو اجتماعية، وربما جاءت مبتذلة كما في النادرة التالية:

(أخذ الحكم بنْ أيوب الثقفي عاملُ الحجّاج إياسَ بن مُعَاوية في ظِنَّةِ الخوارج، فقال له: الحكـم بن أيوب: إنـك لخارجي منافق، ائتني بكفيل، فقال: ما أجد أعرفَ بي منك، فقال: وما علمي بك وأنا رجلٌ من الشام وأنت من أهل العراق؟ قال "إياس": ففيم هذا الثناءُ منذ اليوم؟! فضحك وخلىَّ سبيله) (1).

 

إن النادرة قد انتهت عندما وقع "الحكم" في الفخّ الذي نصبه له "إياس" ونطق بما أراد أن يسمعه منه، ولِمَنْ لمْ يفهم النكتة فيها جاء قوله: (ففيم هذا الثناء منذ اليوم) وإلى هنا لا تحتمل النادرة زيادة قول بعد ذلك، لكن الراوي لا بد أن ينهي الأحداث نهاية سعيدة فيعلق تعليقًا مبتذلاً بقوله: (فضحك وخلىّ سبيله).

 

والضحك يكون في مثل هذه النوادر هو نقطة التحول في مسار الأحداث ومن أمثلة ذلك:
(حضر بعض المجّان مجلسًا فيه شراب فلم يسقُوْهُ، فصبر ساعة يكيد بنفسه والقوم يستقونَ منه، ثم قال: يا سادة، هبوني طَسْتًا أو مَغْسلاً وصُبُّوا فيّ قليلَ نبيذ! فضحكوا منه وسقَوْهُ) (2).

 

ويتصل بالضحك الجائزة من الوالي أو العامل أو الخليفة، وقد تكون جائزة مادية أو معنوية، تتمثل في العفو عن جرم ما:
(قيل: ادّعى رجل النبوة في أيام "المهدي"، فأُدخل عليه، فقال له: إلى من بُعثت؟ فقال: ما تركتموني أذهب إلى من بُعثتَ إليهم فإني بُعِثتُ بالغداة وحبستموني بالعشيّ، فضحك "المهدي" منه، وأمر له بجائزة وخليّ سبيله) (3).

 

إن السياق الذي تروى فيه النـادرة هو الإضحـاك والترويح، ولذلك يجب أن تتفق النهايات مع ما يتناسب مع هذا الجو العام، وإلا أصبحت الجائزة والعفو حماقة من أمير المؤمنين في أمر جد خطير لا يجوز فيه الضحك والتسامح!

 

وقد يأتي التعليق موضحًا ما يستغلق فهمه على القارئ كما في النادرة التالية:
(قال "الأعمش": دخل رجلٌ دارًا فسرق طَسْتًا، فلما خرج رأى على باب الدار نفرًا، فالتفت إلى الدار فقال: إن لمْ يُشْتَرَ بسبعةٍ، أبيعُهُ بستةٍ؟ يُوهِمُهُمْ أنه دُفِعَ إليه ليبيعَهُ) (4).

 

لمْ نكن لنفهم قول السارق- وبالتالي المضحك في النادرة- دون هذا التعليق الذي اضطر إليه الراوي.

 

ونعتقـد أن هذه التعليقات- أو أغلبهـا- من عنديـات المدونين؛ حيـث لا تتناسب مع فنّيـات الإلقاء في الروايـة الشفهية، التي تسبـق التدوين، فممـا رواه "ابن الجوزي":
(قال: حدثني أبو فزارة الأسدي قال: قلت لسعيد بن هشيم: لو حفظت عن أبيك أحاديث سُدت الناس، وقيل هذا "ابن هشيم" فجاءوك فسمعوا منك، قال: شغلني عن ذلك القرآن، فلما كان يوم آخر قال لي: "جبير" كان نبيَّا أم صديقًا؟ قلت: مَنْ "جبير"؟ قال: قوله عز وجل "واسأل بهِ جبيرًا"(5) قال: قلت به يا غافل، زعمت أن القرآن أشغلك)(6).

 

تنتهي هذه النادرة عند الكشف عن النكتة فيها مباشرة حينما يخطئ الرجل في نطق الآية الكريمة، هذه النهاية إن لم تكن بإرادة الراوي، فستكون بمقاطعة ضحك السامعين.

 

وهناك نوع من التعليقات يأتي بها الراوي لضرورة أخلاقية كما في النادرة التالية:
(... حدثني "أبو بكر محمد بن جعفر السواق" قال: كان عليَّ وعد أنفذه "لابن عبدان الصيرفي"، فأخرّته لضرورة، فجاءني يقتضيني وقال لي في عرض الخطاب، أقول لك يا "أبا بكر" كما قال الله تعالى: (وشديد عادة منتزعة) فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما قال من هذا شيئًا، فاستحيا، وقام، فما عاد لي أيامًا، فلما حضرت الدراهم أنفذتها إليه) (7).

 

إن التكملة جاءت في صورة خبرية، اعتقد الراوي أنه ينقل صورة من الحياة الواقعية، لا بد أن تردّ فيها الحقوق والديون إلى أصحابها، فجاء بهذه النهاية.

 

التعليقات في النماذج السابقة، لها ما يبررها، بغض النظر عن قيمة هذه المبررات أو أهميتها، ولكن هناك بعض التعليقات التي تأتي ساذجة مخلة مثل:
(قال أحمق لغلامه: إذا مررنا بالطبيب فذكرني وجع ضرسي حتى أسأله عن الدواء، فقال: يا مولاي إن كان ضرسك يوجعك فسوف تذكره) (8).

 

التعليق الذي جاء على لسان الغلام لا تستلزمه أيُّ حاجة فنية؛ لأن من لم يفهم مغزى النادرة وموضع النكتة فيها من البداية، سيقْصُرُ فهمه عن هذا التعليق أيضًا!، إن وصول المتلقي بنفسه إلى المفارقة هو موضع الإضحاك، فإذا قام المبدع بهذه المهمة نيابة عنه، فَقَدَ عملُهُ أهم ما يميّزه.

 

إن (التعليق المناسب) الذي نقصده، هو التعليق الذي يكمن فيه المضحك، أو يأتي ليلقى مزيدًا من الضوء عليه بطريقة فنية، ومن أمثلته العديدة:
(خرجت أعرابية إلى الحج، فلمّا كانت ببعض الطريق عطبت راحلتها، فرفعت يدها إلى السماء، وقالت: يا رب أخرجتني من بيتي إلى بيتك، فلا بيتي ولا بيتك!) (9).

 

(دخل "خالد بن صفـوان" الحمام وفيـه رجل مع ابنه، فأراد أن يعرّف "خالدًا" ما عنده من البيان، فقال: يا بني، ابدأ بيداك ورجلاك، ثم التفت إلى "خالد" فقال: يا "أبا صفوان"، هذا كلام قد ذهب أهله، قال: هذا كلام ما خلق الله له أهلاً قط) (10).

 

(قال "أبو الحسن": دعا بعض السلاطين مجنونين ليحرِّكهما فيضحك مما يجيء منهما، فلما أسمعاه وأسمعهما غضِب ودعا بالسيف، فقال أحدهما لصاحبه: كنا مجنونين فصرنا ثلاثة!) (11).

 

(... وفد "ربيعة بن عِسْل" على "معاوية"... فقال "لمعاوية": أعِنيّ بعشرة آلاف جذعٍ في بناء داري بالبصرة. فقال له معاوية: كم دارك؟ قال: فرسخان في فرسخين، قال معاوية: هي في البصرة أم البصرة فيها؟ قال: بل هي في البصرة. قال معاوية: فإن البصرة لا تكون هذا) (12).

 

في هذه النادرة تعليق مضحك ثم استطراد مخل حذفه "ابن الجوزي" حين روى هذه النادرة فجاءت كالتالي:
(دخل "ربيعة بن عقيل" اليربوعي على "معاوية" فقال: يا أمير المؤمنين أعني على بناء داري، فقال: أين دارك؟ قال: بالبصرة، وهي أكثر من فرسخين في فرسخين، فقال له: فدارك في البصرة أم البصرة في دارك!) (13).

---------------

(1) البصائر والذخائر، التوحيدي- مجلد 2- ج 4- ص 156.

(2) نهاية الأرب- النويري- ج 4- ص 14.

(3) البصائر والذخائر- التوحيدي- مجلد 2- ج 3- ص 148.

(4) يريد (خبيرًا) سورة الفرقان- الآية 59.

(5) أخبار الحمقى والمغفلين- ابن الجوزي- ص 67.

(6) المصدر السابق- ص 69.

(7) المصدر السابق- ص 161.

(8) العقد الفريد- لابن عبد ربه- تحقيق أحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الإبياري- القاهرة- 1964 م- ج 3- ص 481.

(9) أخبار النحويين- لابن هشام المقرئ- تحقيق: محمـد إبراهيم البنا- الطبعة الأولى- القاهرة- 1981- ص 28.

(10) البيان والتبيين- الجاحظ- ج 2- ص 231.

(11) المصدر السابق- ج 2- ص 260.

(12) أخبار الحمقى والمغفلين- ابن الجوزي- ص 158.