"مصر" الوطن.. والحضارة.. التاريخ.. والشعب، فجأةً تمَّ اختصارها إلى "لعبة".. مجرد "لعبة" في أتون السياسة التي تحياها أيامنا.. وما أدراكم ما أيامنا؟

 

إنها أيام الكوارث المتعاقبة.. مِن الحمى القلاعية إلى أنفلونزا الطيور، ومن العبَّارة إلى بيع ممتلكاتنا بأبخس ثمن، ومِن قانون الطوارئ إلى قانون مكافحة الإرهاب، ومِن نجومية التعري الفنية إلى نجومية اللعب السياسي الفاضح، ومن "إيدزٍ" سار في السجون إلى "إيدزٍ" إعلامي موجه.

 

وهكذا اختُصرت "مصر" القلب النابض للأمتين العربية والإسلامية وتقولبت لتستحيل "فتاة" عذراء يُدافع وينافح عنها كل من هبَّ ودبَّ لينالَ رضى سجَّانيها ولينجو من سدنة المعبد الذين اغتصبوا إرثها العريق وعزَّها القديم.

 

ولا عجبَ إذًا من اختصارِ كل القوى السياسية في "مصر" ليكونوا (الحزب الوطني وحكومته).. ولا ضيرَ في استدماج كل شرفاءِ الوطن في "ثُلةٍ" ممن سنوا أسلحتهم لينالوا من رموزِ الإخوان وغيرهم.. وكذا لا يعيب أيامنا أن يستحيل كل إعلامي شريفٍ هو "روز اليوسف" في حلة الزميل عبد الله كمال!!

 

عن أي (طُظٍ) يتحدثون؟!

عندما نشرت (روز اليوسف) حوارًا أعدَّه قبل قرابة الثمانية أشهرٍ صحفيٌّ لجريدة (الكرامة).. اعتبرت أنها أتت بما لم يأتِ به الأوائل.. (فضحت المرشد العام.. كشفت حقيقة نية الإخوان تجاه مصر.. أكدت على أُحادية رؤية الإخوان.. ووو).. واتخذت إداراتها التحريرية من هذا الحوار مادةً لتوجيه سهامها صوب المرشد العام فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف والجماعة كلها.

 

غير أنَّ السؤالَ الذي يطرح نفسه على ساحتنا هو: (عن أي طُظٍ يتحدثون؟!) عن تلك التي قالها المرشد في حواره مع صحفي راحَ يُراوغه في الحديثِ عن دولة الخلافة الإسلامية- حال قيامها- وراح يُعدد أسئلته ومقاطعاتِه لإجاباتِ المرشد، رافضًا فكرتَها ما لم يكن خليفتها مصريًّا، حتى وصل الحال بالمرشد إلى أن قال له: "طظ في مصر عندما تكون هناك خلافة إسلامية تحقق عز الأمة".

 

انقلبت الدنيا بفعل فاعل، والفاعل هنا معلوم، هو نفسه الذي يُقصي أخبار المعارضة المصرية من أجهزة إعلامنا الرسمي، وهو ذاته الذي يرفض تغطيةَ قنواتنا المحلية لمظاهراتِ المعارضة المطالِبة بالإصلاح، وهو نفسه الذي جعل من إعلامنا الرسمي عبدًا يدور في فلك حكم الحزب الواحد والفرد الواحد والفكر الواحد، حتى صار الحديث عن إعلام الريادة أضحوكةً في فم الفضائيات.

 

انقلبت الدنيا بفعل فاعل معلوم لتصب كل أحجار إعلام التبعية الحكومية على رأس المرشد العام؛ ظنًّا منها أنَّ حجارتهم ستوهن عزم رجل قضى أكثر من ثلث عمره في السجون يذوق ويلات الديكتاتورية صابرًا محتسبًا دون أن يلين له عودٌ أو يُفكِّر في ثأرٍ شخصي ممن ظلمه.

 

اتهموه (بالخيانة) و(الظلامية) و(خطف الوطن).. وطالبوه بالاستقالةِ من مكانه الذي حمل تبعته تكليفًا لا تشريفًا، وراح يدفع ضريبته كل دقيقة؛ ملاحقةً ومتابعةً ومراقبةً وتشنيعًا وافتراءً.

 

عن أي (طُظٍ) يتحدثون.. وهي التي قيلت في إطار حلمٍ بسيادة الإسلام دين العدل والإخاء والسماحة، وبارتفاع رايته خفاقة ليحيا الجميع تحت ظلالها، وبعز الإنسانية دون تفريق بين عرقٍ أو لون أو دين؟!!

 

عن أي (طُظٍ) يتحدثون.. وهي التي قيلت غيرةً على مجدٍ تليدٍ لأمةٍ صرخت مواطنتها (وامعتصماه) فتحركت لنصرتها جيوشٌ جمعهم علم إسلامي النجوم لا علَم الفرقة والشتات، وحرَّكتهم نخوة الخلافة لا خرائط الانشقاقات والصراعات؟!!

 

- عن أي (طُظٍ) يتحدثون.. وقائلها لم يُتَهم يومًا بسرقةِ أموال بنك أو بيع أراض الدولة أو بتزوير إرادة شعب أو بتسهيلِ عمليات قذرة دفع فاتورتها أبناء هذا الوطن من قوتهم؟!

 

- عن أي (طُظٍ) يتحدثون.. ومَن تفوَّه بها- غير قاصدٍ للإساءة- علاماتُ الـ(طُظ) في كل ما هو مصري وعربي وإنساني محفورة في جسده من جرَّاء سَحْل الزبانية له في السجن الحربي ومعتقل الوادي الجديد؟!

 

قالها فأين أنتم ممن فعلها؟!

وخرجت الكلمة (طُظ) من فم المرشد العام واقتطعها "ترزية" الصحافة من حواره وراحوا يشنعون ويطالبون وينصبون أنفسهم قضاةً.. ويحكمون ويرتدون ثياب الجمهور.. ويهتفون "يحيا العدل".. فأين أنتم ممن فعلها؟ ممن حوَّل (طظ) إلى فعلٍ صريح يخدش المشاعر والأموال والحياة؟!

 

- أين أنتم ممن مارس فعل الـ(طظ) في مئات القتلى على عبَّارة السلام المنكوبة التي يتحمَّل مسئوليتها الجميع، بدءًا من مالكها وانتهاءً برئيس الوزراء ومرورًا بقيادات ومسئولين كبار؟!!

 

- أين أنتم ممن فعلوا الـ(طظ) في إعلامنا حتى سقط بعضهم في فضائح من نوعية "مكي وحافظ" وتمَّ التستر على مَن رعاهم ليستمروا في فعل الـ(الطظ)؟

 

- أين أنتم ممن فعلوا الـ(طظ) في تعديلات المادة 76 من الدستور فحوّلوها من أملٍ شعبي إلى تفصيلٍ لمواد دستورية حسب الطلب؟!!

 

- أين أنتم ممن فعلوا الـ(طظ) في الانتخابات البرلمانية فأغلقوا اللجان وأطلقوا قنابل الدخان وفقأوا العيون وأزهقوا الأرواح وكله منقول على هواءِ الفضائيات؟!!

 

- أين أنتم ممن فعلوا الـ(طظ) لنوادي القضاة وحاصروهم ورفضوا تقاريرهم ورفعوا عنهم الحصانةَ وحولوهم للنيابة وراحوا يسعون حثيثًا لترويض عدالتهم؟!!

 

- أين أنتم ممن ظلَّ يفعل في مصر كلها الـ(طظ) قرابة الربع قرن عبر قانون الطوارئ.. ليحول الوطن والمواطن إلى سجن وسجين؟!!

 

إنها ذات الـ(طظ) التي قيلت في عرض حديث.. وتحولت إلى مأدبةٍ وطنيةٍ ودُعي إليها كل باحثٍ عن دورٍ في عصرِ الفكر الجديد الذي تحياه مصر.. ولم يسأل أحد هؤلاء المدعوين نفسه "كم من الجرائم ارتُكبت باسمك أيتها الـ(طظ)؟!!

-------------

* رئيس تحرير إخوان أون لاين