سائلة- مصر:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أسأل سؤالاً وهو: هل يجوز الوقوف دقيقة حداد على غير المسلم؟ أم أن ذلك أمر عقدي؟ لو سمحتم أريد إجابة بالأدلة وذكر اختلافات العلماء إن وُجدت، كل بدليله واختياركم بعد ذلك؛ لأني قريبًا سأناقش هذا الأمر مع زميلاتٍ لي.. أرجو أن تساعدوني في ذلك، وجزاكم الله خيرًا.

 

يجيب عنها د. وصفي عاشور أبو زيد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأجيب على سؤالكِ المهم فأقول وبالله التوفيق:

هذا الحداد لم يرد في تاريخنا الإسلامي إلا في عصرنا الحديث في حدود علمي، ولكن عدم وروده في تاريخنا أو عدم ورود نص شرعي بجوازه ليس دليلاً على تحريمه، فالحداد وسيلة من الوسائل، وللوسائل حكم المقاصد، كما قرر علماء القواعد الفقهية، شريطةَ ألا يكون في هذه الوسيلة ما يخالف الشرع، وليس في الحداد ما يخالف الشرع، والله تعالى أمرنا بالبر بغير المسلمين والإقساط إليهم ما لم يُحاربونا أو يخرجونا من ديارنا؛ لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) (الممتحنة)، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن آذى ذميًّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله" (رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن)، ولا شكَّ أن عدم إظهار حزننا لحزنهم أذية لهم، وعدم إحسان إليهم ولا بر بهم.

 

ولا علاقة لهذا السلوك بالعقيدة، فالعقيدة شيء والإحسان إليهم- كما أمر القرآن- شيء آخر لا علاقة له بالعقيدة، ولا علاقة له بالولاء والبراء، فالإسلام الذي حرَّم علينا موالاتهم وأمرنا بالبراء من عقائدهم وشركهم، هو نفسه الذي أمرنا ببرهم والإقساط إليهم ما لم يحاربونا أو يخرجونا من ديارنا ويظاهروا على إخراجنا.

 

ولا يعني هذا أن نبالغ في العزاء بشكلٍ يُوقعنا في مخالفاتٍ شرعية بما يدخل تحت ما يُسمَّى بالنفاق السياسي أو الإعلامي، بل ينبغي أن نؤدي واجبنا نحوهم بما لا يخالف ديننا وعقيدتنا.

 

والخلاصة: أن الحداد وسيلة جائزة للإحسان إلى غير المسلمين ما لم يُرتكب فيها ما يخالف الشرع؛ وللوسائل حكم المقاصد، ولا علاقةَ لها بالعقيدة أو الولاء والبراء.. والله أعلم.