ما حكم أخذ مبالغ مالية مقابل الإدلاء بالصوت في الانتخابات، واقتران هذه الأموال بالتصويت لشخص محدد؟!

* يجيب عن السؤال: الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب- من علماء الأزهر الشريف:

إن الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أما بعد.

فإن الاختيار عن طريقِ الانتخاب المباشر أمر له خطورته في بناءِ الأمة وعلى كيانها، ويجب أن يوضع في مكانه الصحيح فوق المساومات، والبيع والشراء، ولا يجوز شرعًا أن يأخذ المسلم أجرًا على هذه الشهادة يقول الحق سبحانه ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾ (الطلاق: من الآية 2).

 

ولذلك فإن الرشوة حرام وسحت إلى يوم القيامة، وعملية شراء الأصوات، حرام شرعًا، بل خسة وانحطاط، وتدمير للأخلاق، وإهدار لرأي الناخب، بل واستهتار بالإنسان، وحين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه إلى اليهود، ليقدر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج، فعرضوا عليه شيئًا من المال، يبذلونه له، فقال لهم "فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سُحت وإنا لا نأكلها" رواه الترمذي، ويقول الحق سبحانه ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)﴾ (البقرة).

 

وأجمع العلماء والفقهاء على تحريمِ هذه الأعمال ولعن من يتصف بها، كما حرم الإسلام على جميع المسلمين والمسلمات، سلوك هذا الطريق، كما حرم عليهم أن يقبلوا الرشوة إذا بذلت لهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعنة الله على الراشي والمرتشي" رواه أحمد والترمذي.

 

وفي رواية للإمام أحمد والحاكم عن ثوبان قال: "لعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي والرائش"، والرائش هو الواسطة بين الراشي والمرتشي، لا بد أن نعلم أن شيوع هذه الأمراض في المجتمعات، يدمرها، بل يقضي عليها؛ لأنه يقدم من يستحق التأخير، ويؤخر من يستحق التقديم، وتتحول المجتمعات إلى مجتمعات نفعية بلا خلق وبلا ضمير، ولا تؤدي الواجب، بل تعيش على الحرام والسحت، وأكل أموال الناس بالباطل، وكل هذا حرام.

 

ومع انتشار ظاهرة الرشوة- المحرمة إلى يوم القيامة- خاصة في فترات ومواسم الانتخابات، أصبح السعي إلى شراء الأصوات هو الأصل وموضع الاهتمام بدلاً من القيام بخدمة المواطنين والوطن، والعمل على راحتهم، وتوفير فرص العمل المناسب والعمل الشريف لهم.

 

وهنا يضيع الأكفاء والأعلم والأنفع لأمته الذي يستطيع أن يقوم بهذا الواجب في الدفاع عن حقوقه؛ لأن الأصوات امتلكها من يملك الدرهم والدينار، بصرف النظر عن أي اعتبار آخر!

 

والصوت أمانة وشهادة وتزكية، والمشاركة في الانتخاب واجب وطني وشرعي، والهدف من الانتخاب اختيار الأصلح الذي يسهر على مصالح الأمة ويعمل على جمع كلمتها ورقيها، وسعادتها، ويجنبها الزلل، ويتبنى قضاياها.

 

ويجب الاهتمام في إعطاء الصوت لمن ينادي بالعودة إلى عزة هذه الأمة، وسيادتها، واستعادة كيانها ومكانتها بين الأمم، فإن لم يوجد مثل هذا الصنف فيحاول أن يختار الأفضل، الذي يحرص على نشر الخير، ودفع الضرر والفساد، ورعاية الأمانة وتحمل المسئولية، أما إعطاء الصوت على أساس القبلية والعصبية للمرشح دون معرفة حال من نشهد له ونزكيه، فهذا أيضًا عمل غير سليم، فالمسلم صاحب الوعي السليم، والفاهم لدينه، لا يتعصب إلا للحق، ولا يقف إلا في صف العقلاء الراشدين، ولا بد من تجنب من يسيء لأمته، ويهدر مصالح وطنه، وهو مأجور بهذا الخلق الكريم، يقول الحق سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)﴾ (الأحزاب).