الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. 


وبعد؛ فلا أعزَّ ممن حمل رسالةَ الحقِّ والخيرِ والنورِ والعدْلِ إلى الخلق، واستمسكَ بدينِه، واستعصم بربِّه، وأيقن بأن ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾، واطمأنتْ نفسُه تمامًا بأن لا أحدَ في هذا الكونِ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ولا لغَيْرِه ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴿ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾، فانطلق بهمَّةِ الأحرارِ وثباتِ الأبطالِ، يواجِهُ الفسادَ والظلمَ، ويصارعُ الشرَّ والطغيانَ في الأرضِ، مُنْتَصِبَ القامةِ، مرتفعَ الهامةِ، لا تُدْنِيه حاجةٌ، ولا تَطْوِيه شِدَّةٌ، محقِّقًا دعوةَ عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه الذي قال: «أُحِبُّ الرَّجُلَ إِذَا سِيمَ خُطَّةَ خَسْفٍ أَنْ يَقُولَ بِمِلْءِ فِيهِ: لَا»، مؤمنا بقوله تعالى ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾


على هذا تربَّيْنا نحن الإخوانَ المسلمين، وعاهَدْنا ربَّنا، وأعطيْنا بيعَتَنا على أنَّ «الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا»، وها هو فضيلة المرشد العام حفظه الله يبتلى باستشهاد فلذة كبده في مذبحة رمسيس، ثم بهذه المحاكمات الجائرة والحكم الظالم بإحالة أوراقه إلى المفتي مع المئات من شرفاء الوطن الأحرار، فيقول: «إننا لم نكن نَهْذِي حينما كنا نهتف: الموتُ في سبيل الله أسمى أمانينا»، وشعارُه وشعارنا دوْمًا في مواجهةِ التهديدات ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاًّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا﴾. 


أحكام عبثية جائرة لن تؤثر في شعبنا الحر:
لهذا لا نهتزُّ لهذا الاستخدامِ الآثمِ للقضاءِ المنبطِح في إصدارِ الأحكامِ الجائرةِ العبثية، التي يتوهم سدنة الانقلاب الدموي أنها يمكنُ أن توقفَ مسيرةَ الثورةِ المتصاعدة بقوة، ونحن نوقن بأنَّهم وغيرهم لن يتجاوزوا قَدَرَ الله فينا، وأن ما يجري علينا من قَدَرِ اللهِ ليس إلا ابتلاءً للتَّمييزِ والتَّمْحيص ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِين﴾. ندرك أن ثمنَ الكرامةِ كبيرٌ، وتكاليفَ العِزّة غاليةٌ، وقد عزمنا وعاهدنا الله على ألا ندخر شيئا في سبيل حرية شعبنا وكرامته وعزته، فأبناء شعبنا أحب إلينا من أنفسنا، وحبيب إلى نفوسنا أن تذهب ثمنا لمجدهم وعزتهم وكرامتهم، وأجرنا في ذلك كله على الله وحده.


أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ: 
وإذا كان الانقلابيون الغارقون في مستنقع الدم المصري الحرام يتصورون أنهم يخوِّفون شعبنا بهذه الطريقة الهزلية الفاقدة لأي شرعية أو عقل؛ فإننا نؤكد لأولئك الذين أعماهم الغُرور وأسكرتهم أَوْهَامُ القُوَّةِ، أنَّ الشعبَّ المصريَّ الحرَّ –وفي القلب منه الإخوان المسلمون- قد طلَّق الخوفَ إلى غير رجعة، وأننا سنظلُّ نصدَعُ بالحقِّ في وجهِ كلِّ جائر، لا نخشَى إلا اللهَ، وسنبقى على منهجنا الذي غرسه فينا زعيمنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين قال: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ»، وسنردد ما ردده إبراهيم أبو المسلمين حين ألقي في النار، ومحمد سيد المرسلين وأصحابه ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.


الانقلاب إلى زوال وحبل الظلم قصير: 
إننا لعلى يقين أن هذا الهوس الانقلابي بالعنف والقتل والإرهاب في الحرب على هوية الأمة وقيمها وأخلاقها، وهذا الاستخدام المسف والمؤسف للقضاء الفاسد في مواجهة ثورة الأحرار السلمية، وتلفيق التُّهَمِ وإصدار الأحكام الجائرة؛ كل ذلك ليس علامةَ قوَّةٍ، بل هو من أوْضَحِ مظاهرِ الضَّعْفِ والإفْلاسِ القِيَمِيِّ والأخلاقيِّ، وهو أحد مظاهر الارتباك والهزيمة التي تملأ نفوسهم، بعد أن فشلت كل محاولاتهم الأثيمة في إخماد الثورة، وها هو قائد إفكهم يدير ما يسمى بحملته الانتخابية من مكان مجهول، ولا يجرؤ على النزول لجماهير الأمة التي أدركت خديعته وكشفت ألاعيبه، ولم تعد تنطلي عليهم حيل سحرته الإعلاميين، ثم ها هو يتذلل لأمريكا لتستخدمه في حربها على ما يسميه (الإسلام السياسي) في مصر وما حولها من الدول!.   


ويقينا فإنَّ كثرةَ وبشاعة المظالم التي يرتكبها الانقلابيون لهي بَشيرٌ بقُرْبِ تحقيقِ الوعْدِ الإلهيِّ للمظلومينَ بالنَّصر إن شاء الله، ولئن مَدَّ اللهُ للظالمين في حبْلِ المُهْلةِ فما ذلك إلَّا استدراجٌ محفوفٌ بالخُذْلانِ ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾. وفي الحديث الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾. فثِقُوا باقترابِ نصرِ الله وأنتم تروْن تتابُع الانقلابيِّين في الظلم، ﴿وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ﴾، ولحظة سقوطهم وحسابهم على جرائمهم آتية قريبا بإذن الله.


ثورتنا سلمية وستظل سلمية: 
إن الانقلابيِّين الدمويِّين الوالغين في دماءِ شعبِنا الزكيَّةِ مهما انحرفوا بمهمة قواتنا المسلحة، ومهما عبثوا بمؤسسة القضاء المصري، ومهما استخدموا من وسائل العنف والقسوة التي لا يفهمون غيرها؛ فلن يفلحوا بإذن الله في جر ثورتنا المباركة إلى العنف، فثورتُنا سلميَّةٌ، وستبقى سلميَّةً، وسلميَّتُنا سِرُّ قُوَّتِنا، وسلميَّتُنا أقوى من رصاصِ الغدْرِ الانقلابيِّ ومشانقِه، ولن تنكسرَ إرادتُنا بإذنِ اللهِ، وبعزَّةِ اللهِ وحدَه نحن الغالِبون.


واختيارُنا للسلميَّةِ ليس تكتيكًا ولا مناورةً، بل هو اختيارٌ أساسيٌّ مبنيٌّ على فقهٍ شرعيٍّ، ووعيٍ واقعيٍّ، وقراءةٍ صحيحةٍ للتاريخِ ولتجاربِ الأممِ والشعوبِ، وليستْ من ضعفٍ أوخوفٍ، بل هي علامة وعيٍ ونضجٍ وقوة.


واجباتنا:
علينا أن نستمِدَّ النصرَ من الله تعالى بالثبات على مبادئنا، وتوحيد صفوفنا ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، ومضاعفة الجهود والحشود، وابتكار صور إبداعية جديدة ومتنوعة للمقاومة السلمية، وإقناع القاعدين بضرورة الحركة والوقوف في وجه الطغيان، لاستعادة وحماية الثورة والمسار الديمقراطي والخلاص من حكم العسكر الذي يريد أن يجثم على صدورنا وصدور أجيالنا من جديد، بعدما كتم أنفاسنا وأذل أمتنا عقودا طويلة، وقدمها قربانا لأعدائنا تابعة ذليلة. 


وعلينا أن نجتهد في الاستعانة بسلاح الدُّعاءِ على الظالمين الفسدة من العسكر والقضاة والإعلاميين، والابتهالِ والتضرُّعِ بين يدي الله أن يُعجِّل نصرَنا، وأن يَخْذلَ ظالِمَنا، واثِقين أن «دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ، ويَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ».


ذلك ما يجبُ أن يكونَ عليه الثوارُ الأحرارُ الذين يخوضون معركةَ الحريةِ والكرامةِ، بالصبرِ الجميلِ، والسلميَّةِ المبدِعةِ، والوحدةِ الجامعةِ، والثقةِ الكاملةِ في نصرِ اللهِ للحقِّ الذي يحملونَه، والأملِ الواسعِ في النصرِ العزيزِ المرتقبِ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.


اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، والعِزَّةِ الَّتِي لا تُضَام، عَلَيْكَ بِالظَّالِمِينَ الانْقِلَابِيِّينَ، وبِمَن اعتَقَلَ الشُّرَفَاءَ أو حَبَسَهُمْ بغَيْرِ حَقٍّ، وبكُلِّ قَاضٍ مَالَ عَنِ الحَقِّ وجَارَ فِي الحُكْمِ، وبكُلِّ إِعْلَامِيِّ أوْ مُثَقَّفٍ أَوْ شَيْخِ سُوءٍ يَسْعَى فِي تَزْيِيفِ وَعْيِ الأُمَّةِ وَإِشَاعَةِ البَاطِلِ، واحْفَظْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمِئَّنَة يا رَبَّ العَالَمِين.