ونحن نحتفي بذكرى ميلاد رسولنا الحبيب- صلى الله عليه وسلم- أرى من الضروري أن نتوقف مع الجانب القيادي في شخصيته صلى الله عليه وسلم، إذ بات التطلع إلى القيادة والرئاسة حلمًا يراود كثيرًا من المصريين لا سيما وهم يعيشون أجواء الحرية التي حققتها لهم ثورتهم العظيمة، كما أن الوقوف مع هذا الجانب يرسم لنا صورة واضحة للرئيس القادم الذي يريده المصريون، ويترقبه العرب والمسلمون.

 

فقد كان صلى الله عليه وسلم أفضل قائد وأعظم رئيس وأشجع محارب وأذكى سياسي، ولا تزال البشرية تأخذ من مواقفه وسيرته ما يكون مصدر إلهام ونبراس هداية، (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) (الأحزاب)، فقد امتزج فيه صلى الله عليه وسلم من الخصال والسمات والأفعال ما يجعله جديرًا بالاتباع حريًّا بالتقليد، ومن سماته القيادية التي يحتاج إلى بيانها كل مسئول في هذه المرحلة ما يأتي:

أولاً: يجمع ولا يفرق.. وسيظل موقفه من وضع الحجر الأسود- بعد أن كاد الناس يقتتلون- شاهدًا على عظمة شخصيته، ناطقًا بضرورة وجود هذه الصفة فيمن يريد من الناس أن يعطوه أصواتهم أو يلتفوا حوله، ليس ذلك فقط بل يبقى حبه في قلوبهم حال رئاسته وبعد رحيله عنهم.

 

ثانيًا: رحيم بأتباعه شديد على أعدائه.. تلك الصفة التي انقلب مفهومها لدى حكامنا وساستنا، إذ يحرص كثير منهم على رضا أعدائه ومصالحهم من غير نظر إلى مصالح شعبه وآمال أبنائه الذين تولى أمرهم، يأتيه صلى الله عليه وسلم الرجل فيغلظ له القول: "إنكم يا بني عبد المطلب قوم مُطل"؛ بسبب دَيْن له عند رسول الله، فيقول لعمر الذي همّ بتأديبه: "دعه فإن لصاحب الحق مقالة"، ويأتيه الرجل طالبًا عطاءً بلغة غير لائقة: "أعطني يا محمد فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك"، فيقول له: "ما عندي شيء، ولكن ابتع عليّ"، وصدق الله العظيم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح: من الآية 29).

 

ثالثًا: يشارك شعبه ورعيته آلامهم وأحزانهم، ولا يعيش معزولاً عنهم.. فيسكن في مساكنهم، ويأكل من طعامهم، يجوع إذا جاعوا، ولا يشبع إلا إذا شبعوا، إن ربطوا على بطونهم حجرًا واحدًا ربط هو على بطنه حجرين، يفكر فيهم ليل نهار ويشغلون عليه حياته أكثر من أزواجه وأولاده، فمن دعائه صلى الله عليه وسلم: "ربي إني لا أسألك فاطمة ابنتي ولا خديجة زوجتي ولا العباس عمي ولا صفية عمتي، ولكن يا رب أسألك أمتي أمتي..".

 

رابعًا: يحترم التشريع ويطبقه على الناس جميعًا بلا استثناء.. تأمل قوله: "والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" هكذا بالقسم، وهكذا (فاطمة بنت محمد) من غير ألقاب؛ للإعلان عن أن محمدًا وابنته أمام القانون الذي يتم الاحتكام إليه لا يختلفان عن بقية الناس، بل إن محمدًا بنفسه سيباشر تطبيق القانون بحذافيره على ابنته، ولن يكل ذلك لأحد غيره، وتأمل كذلك قوله في حجة الوداع: "... وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب..."!!

 

خامسًا: يُكثر من الشورى، ويحترم ما تسفر عنه وينزل عليه ولو كان مخالفًا لرأيه.. فقد رأى عدم الخروج لملاقاة المشركين عند جبل أحد، ورأت الأكثرية ضرورة الخروج، فنزل على رأيهم، وبعد انتهاء المعركة وثبوت صواب رأيه لم يُنَكِّل بهم ولم يُصدر قرارًا باعتقالهم، ونزل القرآن يدعوه إلى مسامحتهم والاستغفار لهم ومداومة استطلاع رأيهم: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران: من الآية 159).

 

سادسًا: يضع الشخص المناسب في المكان المناسب.. فالمعيار عنده قوله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ (26)) (القصص)، وقوله عز وجل: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)) (يوسف).

 

سابعًا: يجيد التحدث والحوار، ويعرف مداخل الناس مهما اختلفوا.. رآه أبو بكر يخاطب الناس في الحج كلاًّ بلغته فقال متعجبًا: يا رسول الله مَن أدَّبك؟! فقال: "أدبني ربي فأحسن تأديبي".
صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم.

-------------

* جامعة الأزهر- كلية اللغة العربية بشبين الكوم.