الحرب الدائرة على الإخوان الآن ليست جديدة ولا غريبة على تلك الجماعة الدعوية العريقة، فلا تقل: بدأت الحرب على الإخوان، بل قل: الحرب لم تنته بعدُ عليهم، قد تكون حدتها زائدة هذه المرة- مثل مرات عديدة مضت- لكنها الحرب نفسها: أسبابها، دوافعها، أشخاصها، وسائلها، أهدافها، غاياتها.

 

فما إن خاض الإخوان غمار السياسة ورفعوا راية الإصلاح والتغيير حتى بدأت المضايقات والمحن.. ومنذ مطلع أربعينيات القرن الماضي بدأت الجماعة تتلقى الضربات القاسية والابتلاءات الشديدة، تسبقها- بالطبع- حملات إعلامية ضالة مضللة.

 

وقد كانت الآلة الإعلامية- ولا تزال- هي سلاح خصوم الجماعة؛ لتشويهها واختلاق الأكاذيب ضدها، وللأسف ففي كل مرة يجتمع على هذا الفعل القذر فرقاء الأمس- كما نشاهد الآن- فلا فرق في ذلك بين يميني ويساري أو حكومي ومعارض.

 

في عهد وزارة حسين سري باشا، نقلوا الإمام البنا إلى قنا بعدما ضاقوا ذرعًا به وبجماعته، ولما لم يفلحوا في كسره وانصياعه لهم، تدخل أسيادهم الإنجليز الذين لم يفلحوا في حل الجماعة وقتها-كما لم يفلح خصوم اليوم في منعهم من خوض الانتخابات- فتجسسوا عليهم، وبدءوا في نشر الأكاذيب ضدهم، والتشكيك في عقائد المسلمين وشرائعهم، ونشر القيم الفاسدة والإباحية في المجتمع.

 

وقد دعت الحرب الإعلامية الشرسة على الجماعة طوال سنوات الأربعينيات إلى قيام الإخوان بإنشاء عدد من المؤسسات الإعلامية للردِّ على هذا التدليس، ومنها محاولات لأفراد من الجماعة.. وهذا مما طيَّر صواب الخصوم، فطالت أيديهم أجساد الإخوان بالتعذيب، ودورهم بالغلق والتشميع، وصادرت أموالهم وشتتت موظفيهم، وكان أول ما فعلته: إغلاق صحفهم ومجلاتهم وشركات الدعاية الخاصة بهم، وكانت جريدة الإخوان المسلمين اليومية التي أنشئت عام 1946م هي أول ما تمَّ غلقه من هذه الكيانات الكبرى، ولم يكن قد مرَّ على إنشائها سوى سنتين اثنتين.

 

وما جرى قبل الثورة من دعايات مضادة، جرى أكثر منه في عصر الانقلاب الناصري، بل تعد هذه الفترة هي أقبح فترات الحكم على الإطلاق؛ لما طال الإخوان من تشويه وأكاذيب، في ظل وجود إعلام الحكم الشمولي، وغياب وسائل الإخوان عن الردِّ، بل قل غياب الإخوان أنفسهم داخل سجونه المظلمة.

 

وكان عهد المخلوع امتدادًا لعهود مَن سبقوه؛ إذ سلك كل السبل غير الشريفة لتحطيم الجماعة معنويًّا، وإجهاض التأييد الشعبي الذي حظي به الإخوان، وقد تركت أجهزة أمنه أعباء ومسئوليات البلد، وتفرغوا لشنِّ الحملات الإعلامية ضد الإخوان، وتجنيد أعداد لا بأس بها من المنافقين المدلسين، هم الذين يقومون الآن بالحرب الإعلامية غير الأخلاقية على الجماعة.

 

والسؤال الآن: لماذا يعادي هؤلاء وأولئك الإخوان؟! ولماذا يبدون كل هذا الحقد والغل ضد أكثر الناس غيرة على دينهم وحبًّا لأوطانهم؟!.

 

يقول الدكتور يوسف القرضاوي ردًا على هذا السؤال:

 

إن هناك أناسًا وجدوا في هذه الدعوة قيودًا على سرقاتهم وأطماعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، فلا غرو أن يعادوا دعوة الإخوان؛ دفاعًا عن مصالحهم التي كسبوها بالباطل، ولكنهم لا يعلنون ذلك بصراحة، بل يغلفون ذلك بأغلفة شتى، حتى لا تظهر لصوصيتهم ولا فجورهم للناس.

 

وهناك آخرون رأوا في دعوة الإخوان: قيودًا على ملذاتهم وشهواتهم المحرمة من الخمر والميسر والنساء، وغيرها مما تتيحه لهم الأنظمة الوضعية، فهم لذلك يقاومون هذه الدعوة التي تضيِّق عليهم ما كان موسعًا لهم، على طريقة قوم لوط الذين دعاهم إلى الإيمان والطهارة من القذارة، فقالوا: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون!.

 

وهناك من يعادون الإخوان لأنهم يجهلون حقيقة دعوتهم، ولا يعرفون أهدافها ولا مناهجها ووسائلها، ولا القائمين عليها، وقد قال العرب: من جهل شيئًا عاداه، والله تعالى يقول: (بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) (يونس: من الآية 39).

 

وقد ساعد الإعلام المعادي للإخوان- في الغرب والـشـرق ومـن الـداخـل والخـارج- على تشويه صورتهم، وتجهيل الناس بحقيقة أمرهم، وإظهارهم في شكل منفر، كأنهم يعوقون التقدم، ويُرجعون الناس القهقرى، ويقفون ضد الحريات، ويجمدون الحياة، ويعادون غير المسلمين، ويريدون أن يعلنوا الحرب على العالم كله.

 

وهناك من يعادون الإخوان؛ لأنهم يعادون الإسلام: رسالته وحضارته وأمته، ويتوجسون خيفة من انبعاثه وصحوته، أو يتميزون غيظًا كلما نهض من عثرته أو قرب من جمع كلمته، وهؤلاء تحركهم أحقاد قديمة، وأطماع جديدة ومخاوف دائمة، ونرى هذا يتجسد في القوى الصهيونية، والصليبية، ومن دار في فلكها، فلا يتصور من هؤلاء أن يفتحوا قلوبهم للإخوان، وأن يرحبوا بدعوتهم، بل هي مصنفة في قائمة الأعداء أبدًا، وهو ما لا نزال نشاهده إلى اليوم، مهما حاول الإخوان أن يبينوا وجه المرونة في دعوتهم، والانفتاح في وجهتهم، ويفتحوا صفحة للحوار مع الآخر ويبينوا فكرة الوسطية والاعتدال في مواقفهم، حتى اتهمهم المتشددون بتمييع الإسلام، وتقديم التنازلات دون مقابل.

 

ومع هذا رأينا الغرب المعادي والمتأثر باللوبي الصهيوني يزداد بُعدًا كلما ازددنا منه قربًا، ويخوّف من الصحوة الإسلامية ومما سماه (الخطر الإسلامي) الذي أطلق عليه (الخطر الأخطر)، بل غدًا يحذر من (الإسلام المعتدل) بعد أن كان يحذر من (الإسلام المتطرف) ويقول: إن الإسلام المعتدل أشد خطرًا؛ لأنه أبقى أثرًا وأطول عمرًا.

 

ومن كان عميلاً لهذه القوى المعادية للإسلام وأمته، أو من عبيد فكرها، وأسارى فلسفتها، فهو يحتضن أفكارها، ويروج أخبارها، عن وعي وقصد أو عن تقليد كتقليد القردة، ومحاكاة كمحاكاة الببغاء.

 

ومثل هؤلاء: مَن يعادي الإخوان- ممن ينسب إلى أبنائه- لأنه يعادي الإسلام ويكره الإسلام، وإن تَسَمَّى بأسماء أهله، فهو لا يحب للإسلام أن يسود، ولا لأمته أن تقود، ولا لدولته أن تعود، ولا ذنب للإخوان لدى هؤلاء إلا أنهم يدعون إلى الإسلام، ويجاهدون في سبيله.

 

وهؤلاء لا علاج لهم ولا دواء لأحقادهم إلا أن يتخلى الإخوان عن الإسلام وعن الدعوة إليه، وعن جمع الأمة عليه، هنا يكونون سمنًا على عسل، ويصبحون موضع الرضا والقبول.