على أثر التحول الوطني العظيم الذي صارت إليه البلاد بفضل ثورة 25 يناير المباركة. ذلك التحول الذي انتهي بخلع الرئيس حسني مبارك. بادر الإخوان المسلمون وطالبوا بتطهير البلاد من بقايا النظام البائد، على أن يشمل التطهير الذين أفسدوا الحياة السياسية والتشريعية، وزوروا الانتخابات واغتصبوا السلطة، والذين قنَّنوا الظلم والفساد في صورة قوانين، بل وأفسدوا الدستور ذاته.

 

واعتبر الإخوان من المطالب المهمة والعاجلة بعد خلع الرئيس إلغاء حالة الطوارئ، والإفراج الفوري عن المسجونين والمعتقلين السياسيين، وفتح ملفات الفساد دون استثناء، ومحاكمة أصحابها، بدايةً من الرئيس المخلوع، إلى أصغر الفاسدين، وسرعة محاكمة الذين اتخذوا قرارات إطلاق النار على المتظاهرين، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع ووزير الداخلية السابق ورئيس جهاز مباحث أمن الدولة، الذين نفذوا هذا القرار، وقتلوا المئات، وجرحوا الآلاف من المصريين.

 

وكان معالجة انحراف بعض أجهزة الشرطة عن وظيفتها، ونشرها الفزع والرعب بين الناس، وحمايتها لرجال السلطة والثروة، حتى وصل الأمر إلى حدِّ الاعتقال والتعذيب والقتل والقنص، وتحريض شديدي الإجرام على البطش بالمواطنين الآمنين ضمن النداءات التي واجهها الإخوان بعد نجاح ثورة الياسمين.

 

إن الإخوان ودورهم الوطني في الثورة وبعد الثورة يعتبر ترجمة حقيقية لخبرة كبيرة لدى الإخوان في تحديد الخطوط الرئيسية التي ينبغي أن يسير عليها الإصلاح المنشود.

 

وقد سبق الإخوان بعد ثورة 23 يوليو 1952 وأن أصدروا بيانًا أقرته الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين في اجتماعها غير العادي المنعقد بالمركز العام في يوم الجمعة 10 من ذي العقدة 1371 أول أغسطس 1952، يحمل الكثير من بنود الإصلاح التي نادى بها الإخوان بعد ثورة 25 يناير، ولذا نعيد نشر هذه الوثيقة المهمة التي تحمل في بنودها الكثير من ضروريات ترتيب المرحلة القادمة، لإنجاح الثورة وتحقيق مطالبها


البيان الذي أقرته الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين في اجتماعها غير العادي المنعقد بالمركز العام


في يوم الجمعة 10 من ذي العقدة 1371 أول أغسطس 1952

بسم الله الرحمن الرحيم


(.... وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)) (الحج)

 

الآن وقد وفق الله جيش مصر العظيم لهذه الحركة المباركة، وفتح أبواب الأمل في بعث هذه الأمة وإحياء مجدها التليد، أزال عقبة كانت تصد عن سبيل الله والحق وتعوق المصلحين، ويستند إليها ويملي لها المفسدون والمغرضون من كبراء هذه الأمة وحكامها في العهود المختلفة.

 

الآن ينبغي أن ننظر إلى الإمام، وألا يأخذنا الزهو بهذه الانتصارات عما يجب من استئناف العمل في مرافق الإصلاح الشامل حتى تشعر الأمة بأنها انتقلت نقلة كلية من عهد إلى عهد.

 

فغلاً تفعل، فقد ضاعت ثمرة هذه الحركة وأصابتنا نكسة لا تؤمن عواقبها.

 

وهذا يفرض على كل ذي رأي في الأمة، أن يتقدم إلى الأمة وإلى أولى الأمر فيها بمشورته، خالصة لله بريئة من الهوى، عما ينبغي أن يتجه إليه الإصلاح المنشود ببعث هذه الأمة من جديد.

 

وسنة الإخوان المسلمين أن يتقدموا إلى الأمة وأولى الأمر فيها- في مثل هذه المراحل المتميزة من تاريخها- بالرأي يستقونه من كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي يسوي بين المسلمين وغير المسلمين في حقوقهم وواجباتهم العامة ولا يفرق بين جنس وجنس ولا بين لون ولون.

 

(أولاً) التطهير الكامل الشامل


إلا أن أول ما ينبغي الالتفات إليه من ضروب الإصلاح وما لا تظهر ثمرة العمل إلا به أن يؤخذ كل من أعان الملك السابق على الشر ويسر له سبل الفساد والطغيان بما أخذ به الحاكم الملك السابق نفسه وما ينبغي أن يؤخذ به، فلا يستقيم في ميزان العدالة ولا في حماية المصالح العامة ورعاية المثل العليا أن يكون أمر التطهير مقصورًا على عزل الحاكم الملك ثم يترك أعوانه وأدواته آمنين لا تمتد إليهم يد القصاص.

 

إن دستور البلاد الذي أقسم جميع الوزراء على احترامه تنتهي نصوصه وروحه إلى إلقاء المسئولية كلها على كاهل الوزراء والوزراء حين يحملون هذه المسئولية يعتبرون مؤتمنين عليها من قبل الأمة فإذا فرطوا في رعاية هذه الأمانة فقد استوجبوا أشد أنواع المؤاخذة.

 

وإن الدستور ليقرر أن أوامر الملك شفهية كانت أو كتابية لا تعفي الوزير من المسئولية، بل إن الدستور يركز المسئولية في الحكومة حتى يجعل رئيسها مسئولاً عن أحاديث الملك الشخصية. فكيف يقبل بعد هذا عذر وزير مهد للملك سبيل الإفساد يسر له استغلال أموال الدولة واغتصاب أراضيها وإضاعة مصالحها، وأعانه على إهدار حريات وسفك دماء أبنائها الأبرار، وسن له من التشريعات والقوانين الاستثنائية ما يحميه من رقابة الشعب ويدفعه إلى التمادي في طريق البغي.ولكن رجال الحكم قد جاوزوا كل حد في التفريط وتضييع الأمانة ورأوا أن الاحتفاظ موقع الحكم- وهو أقصى ما يستطيع الملك حرمانهم منه- أعز عليهم من الوطن والشعب جميعًا، فضلاً عما شاركوا فيه من الغنم الحرام والاستغلال الآثم لمقومات البلاد.

 

لقد أصبح لزامًا أن تمتد يد التطهير إلى هؤلاء الحكام فنبادر إلى تنحيتهم عن الحياة العامة وحرمانهم من مزاولة النشاط السياسي حتى يقدموا للمحاكمة عن كل ما يوجه للحاكم للملك السابق من اتهامات وما يعاقب عليه من تصرفات وما تظهره الملفات الحكومية اليوم من مظاهر البغي وسوء الاستغلال حتى يكونوا عبرة لكل من يلي أمور البلاد إذ يوقنون أن عقاب الشعب المتربص أحق بأن يتقي من نقمة الملك المتسلط.

 

ولا يبلغ التطهير غايته حتى تشمل المؤاخذة كل من عبث بمصلحة الدولة أو أجرم في حق البلاد في عهود الحكم المختلفة، وهذا يتقاضانا أن نبادر إلى تنفيذ قانون الكسب الحرام دون هوادة ولا محاباة وأن يقدم للمحاكمة بلا تردد ولا تمييز كل من أساء استخدام السلطة بمصادرة الحريات وترويع الآمنين وتعذيب أبناء الأمة الأحرار، وأن يعاد التحقيق نزيهًا صارمًا في القضايا التي غل الطغيان عنها يد العدالة من قبل كقضايا الجيش واغتيال الشخصيات التي كان لبعض المسئولين فيها دور معروف، كما ينبغي إلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين الرجعية المنافية للحرية".

 

كما ينبغي إلغاء الأحكام العرفية وسائر القوانين الرجعية المنافية للحرية.

 

(ثانيًا) الإصلاح الخلقي والتربوي

إن حركة الجيش التي أسلمتنا إلى هذه النتيجة المباركة لن ينسنى لها أن تؤتي ثمارها كاملة غير منقوصة حتي نسير في الإصلاح التشريعي والخلقي بخطوات حاسمة لا تتكرر معها التجارب المريرة، ولا تسمح ببروز أوضاع وظهور أشخاص في طراز أولئك الذين لم نستجمع أنفاسنا بعد منذ أزحناهم عن الطريق، ولا شك أن التشريع مهما أحكمت صياغته واستقامت أهدافه وأصوله لا يصل لغايته حتى يقوم على تنفيذه الفرد الصالح الذي يتم إعداده عن طريق التربية الدينية حتى يعصم من اتباع الهوى ويهديه إلى أن يحب للناس ما يحب لنفسه، فإذا ولى أمرًا أو تقلد سلطانًا كان المؤمن بربه الذي لا يذل ولا يتزلف، المستقيم في خلقه الذي لا يتكبر ولا يتغطرس المرضى في أمانته الذي لا يختلس ولا يرتشي، والذي لا يقصي الفضيلة عن حياته الشخصية أو حياته العامة فهو في بيته القدوة الصالحة وفي مكتبه المثل الطيب (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)) (الشمس).

 

 


ومن تمام هذا الباب أن تعمل الحكومة على تحريم ما حرم الله وإلغاء مظاهر الحياة التي تخالف ذلك مثل القمار والخمر ودور اللهو والرقص والأفلام والمجلات المثيرة للغرائز الدنيا.

 

وإن العاطفة الدينية لا تكفي وحدها لضمان التخلق بأخلاق الإسلام فينبغي أن يقترن غرسها وإنماؤها بمحاسبة الفرد حسابًا دقيقًا عن اتخاذ الآداب والأخلاق القرآنية منهاجًا له في حياته الخاصة العامة.

 

كما يجب أن نعيد بناء نظامنا التعليمي والتربوي على أسس جديدة تضمن تكوين جيل جديد مشبع بالروح الدينية والخلقية والوطنية، وأن نعيد كتابة تاريخنا الإسلامي والمصري لنزيل منه ما وضعه المغرضون من المستعمرين والمستشرقين ويجب أن نوفر التعليم للمواطنين جميعًا وألا يكون ذلك على حساب مستواه، ويجب تدعيم معاهد العلم والجامعات على اختلافها وتزويدها بما يحتاج إليه من المكتبات والمعامل وأدوات البحث حتى تقوم بمصر نهضة علمية جديدة تستطيع أن تساهم بقسط كبير في بناء نهضتنا الاجتماعية والاقتصادية.

 

(ثالثًا) الإصلاح الدستوري


إن الفرد الصالح لا تطيب له الحياة في ظل دستور تم وضعه في عهد الاستعمار الإنجليزي أولاً والطغيان السياسي ثانيًا.. وقد نشأ عن ذلك وجود ثغرات في نصوص القانون وسمحت بإحداث اضطرابات في حياتنا العامة واستطاع الاحتلال أن ينفذ منها بين حين وآخر، كما سولت للملك التدخل المستمر وتجاوزت حدود المبادئ الدستورية الأساسية ولقد كان المظهر البارز لهذه الملابسات أن يجئ الدستور منحة من الملك لا نابعًا من إرادة الأمة.

 

ولما كان تصرف الحكام قد أهدر الدستور نصًّا ومعنى، وكان من طبيعة الثورات الناجحة أن تسقط الدساتير التي تحكم الأوضاع السابقة عليها فإن الدستور المصري يكون قد أصبح لا وجود له لا من ناحية الواقع ولا من ناحية الفقه، مما يقتضي المسارعة إلى عقد جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد على أساس أنه تعبير عن عقيدة الأمة وإرادتها ورغبتها وسياج لحماية مصالحها لا على أنه منحة من الملك... وسيترتب على إعادة إصدار الدستور بطبيعة الحال اختفاء جميع نصوصه التي تصدر عن طبيعة كونه منحة ويستمد مبادئه من مبادئ الإسلام الرشيدة في كافة شئون الحياة. 

 

وفي ظل هذه المبادئ تخــــتفي من الدستور أسطورة الحكام الذين هم فوق القانون أو فوق المسئولية الجنائية، فالمبدأ الأساسي الذي يقرره الإسلام أن المسئولية بمقدار السلطة، وأن الكل أمام القانون سواء. ومن هنا يجب أن يكون كل فرد في الأمة حاكمًا أو محكومًا مسئولاً مسئولية مباشرة عن كل تصرفاته خاضعًا لنفس الإجراءات والعقوبات التي يخضع الجميع بلا استثناء".

 

هذا وينبغي أن نستفيد أيضًا من التجارب الدستورية السابقة ليكون اتجاهنا إلى الإصلاح مؤسسًا على قواعد واقعية ملموسة، والذي يستقرأ هذه التجارب- منذ بدء الحياة النيابية إلى اليوم- يجد أنها لم تقدم للبلاد نيابة صالحة ولا تمثيلاً صحيحًا وليس أدل على أنه مع شيوع الفساد وانتشار الأخطاء- وهي التي تعترف يها الأحزاب السياسية اليوم وتقول إن الملك كان هو الآمر بها- لم يفلح برلمان واحد في إسقاط الحكومة، أو مناقشة مخصصات الملك، أو تغيير وزير أو توجيه اللوم إلى وزارة ولم ينته أي مجلس من مناقشة أي استجواب إلا بالانتقال إلى جدول الأعمال.

 

وفوق ذلك فما من قانون جاء ضارًا بالحريات وإلا وقد أقرته وخضعت لمشيئة الحكومات والبرلمانات المتلاحقة. تلك البرلمانات التي طالما يسرت للحكومات اعتماد الأموال الضخمة المرهقة للميزانية في أوجه البذخ والترف وتحقيق شهوات الحكم الفردي، بحيث عجزت الميزانية عن مواجهة مطالب النهضة وضرورات الإصلاح في مرافق الحياة.

 

وهكذا انتهت الحياة البرلمانية في كافة العهود الحزبية إلى أن أصبحت أداة تعطي شهوات الحكام ومظالم السلطان صبغة قانونية
فلا مناص إذا من النظر في إعادة بناء الحياة النيابية والقوانين الانتخابية على أصول سليمة حتى تؤدي رسالتها على الوجه المنشود.

 

(رابعًا) الإصلاح الاجتماعي


إن الأمة تعاني تفاوتًا اجتماعيًّا خطيرًا. فهي بين قلة أطغاها الغنى، وكثرة أتلفها الفقر، وهذه حال لا يرضى عنها الاسلام.

 

فالإسلام يكره أن يكون المال دولة بين الأغنياء وحدهم. والإسلام يقضي بأن يكون لكل فرد في الدولة- مسلمًا كان أو غير مسلم- كحد أدنى:

مسكن يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، وملبس للصيف والشتاء، ومطعم يقي جسمه ويجعله قادرًا على العمل، وعلاج بالمجان أن كان غير قادر، وتعليم بالمجان... ذلك كله له ولزوجه ومن يعول.

 

وسيبل الإسلام لتحقيق هذه المزايا:

أولاً: العمل:

فالعمل فرض على القادر عليه، لا يجوز له أن يتخلى عنه، ولا تجوز إعانة رجل لا يعمل وهو قادر بل يحمل على العمل حملاً ويجب على ولي الأمر أن يساعده على ايجاد عمل له، ويهيئ له وسائله، ويتعهده حتى يتحقق أنه مستريح فيه.

 

ثانيًا: التكافل الاجتماعي:

فإذا لم يجد عملاً أصلاً أو كان عمله لا يكفيه أو كان غير قادر عليه، وجب على ولي الأمر أن يتدخل ليوفر له ضرورات الحياة المذكورة آنفًا بالزكاة، وهي فريضة مقررة مقدرة، وليست صدقة يدفعها الغني متفضلاً وهي حق للفقراء، وتصرف حيث تجبى ولا تنقل إلى مكان آخر حتى يستوفي أهل كل جهة بفقرائها الذين يعرفونهم ويعرفون حاجاتهم، فيشعر الأغنياء والفقراء أنهم متكافلون متراحمون.

 

فإن لم تكف الزكاة لتوفير تلك الحاجات الضرورية، وجب على من عنده فضل مال أن يرده على الفقراء حتى يستوفوا حاجتهم، فإن لم يفعلوا أجبرتهم الحكومة على ذلك، واتخذت من التشريعات ما يكفل إصلاح حال المجتمع بقدر ظهور الحاجات وبروز الضرورات.
وقبل توفير هذه الضرورات الأساسية لكل فرد لا يوقع الإسلام حد السرقة على السارق بل يحل له القتال للحصول على ما يقوم بأوده، فإن قتل فهو شهيد وعلى قاتله القود، وأن قتل المانع فهو في النار.

 

وبناء على هذه المبادئ يجب النظر في عدة إجراءات يلزم أن تتخذها الدولة لتحقيق تلك الغايات نلخص أهمها فيما يأتي:

1-  تحديد الملكيات الزراعية: فإن الملكيات الكبيرة قد أضرت أبلغ الضرر بالفلاحين والعمال وسدت في وجوههم فرص التملك، وصيرتهم إلى حال أشبه بحال الأرقاء، فلا سبيل إلى إصلاح جدي في هذا الميدان إلا بتقرير حد أعلى للملكية للضرورة، ويباع الزائد عنه إلى المعدمين وصغار الملاك بأسعار الملاك بأسعار معقولة تؤدي على آجال طويلة. كما يتعين توزيع جميع الأطيان الأميرية المستصلحة والتي تستصلح على صغار الملاك والمعدمين خاصة.

 

2-  تحديد العلاقة بين المالك والمستأجر: فمن الواضح أن عددًا كبيرًا من المشتغلين بالزراعة لن تتوافر له ملكية حتى بعد التحديد، وذلك نظرًا إلى قلة الأراضي الصالحة للزراعة بالقياس إلى عدد المشتغلين بها، ولقد جرت العادة أن يلزم المستأجر بأداء مبلغ نقدي أو قدر عيني من المحصول لقاء انتفاعه بكل فدان دون مراعاة للقصد والاعتدال الأمر الذي يترتب عليه أن يحرم الفلاح ثمرة عمله طوال العام، بل يخرج في أكثر الأحيان بدين لا يستطيع أداءه. ولا علاج لهذه الحال- بعد تحديد الملكية- إلا بإصدار تشريع يقصر نظام التأجير على الزارعة، بمعنى اقتسام المحصول بنسبة يتفق عليها كالنصف مثلاً لأنها أقرب الصور إلى العدالة.

 

3-  استكمال التشريعات العمالية: إعادة النظر في التشريعات العمالية الحالية، لتشمل جميع فئات العمال بمن فيهم العمال الزراعيون، ولتكفل للعامل وأسرته التأمينات الكافية ضد البطالة والإصابات والعجز والمرض والشيخوخة والوفاة- مع مراعاة جعل الانتساب إلى النقابات إجباريًّا، وإباحة تكوين الاتحادات النقابية وتحديد أجور العمال وفق المبادئ الإسلامية على أسس اقتصادية سليمة مع ضمان حصول العمال على نصيبهم من غلة الإنتاج وإلغاء مكافآت أعضاء مجالس إدارة الشركات على أن يكون تقرير هذه الحقوق وحمايتها بنصوص قانونية صريحة.

 

4-  إصلاح نظم التوظف: على أساس تقريب الفوارق بين الحد الأعلى والحد الأدنى للمرتبات والأجور، وكفالة الضمانات القانونية والمالية في الخدمة وفي المعاش. وتأمين المرؤوسين ضد أهواء الرؤساء واستبدادهم، وتحديد التبعات، وتبسيط الإجراءات، وإلغاء المركزية.

 

5-  إلغاء النياشين: وذلك تكملة لما تم من إلغاء الرتب وتحقيقًا للمساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد وحتى تكون الأعمال خالصة لله، وكذلك العمل على القضاء على مظاهر البذخ والترف.

 

6-  جعل المسجد مركزًا دينيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا: وقد كانت هذه وظيفة المسجد الرئيسية منذ نشأته، ولا يتم هذا إلا بتعيين رجال متدينين مثقفين للإشراف على المساجد لا يكتفون بإقامة الصلوات، بل يحولون المسجد- وبخاصة في القرى- إلى ندوة حافلة بدروب النشاط والإصلاح ومكافحة الأمية.

 

(خامسًا) الإصلاح الاقتصادي


إن موارد الثروة في مصر بوضعها الحالي، لا تكفي لأن يعيش المواطنون معيشة طيبة، ولا بد من فتح أبواب جديدة للثروة، وإصلاح الأوضاع القائمة على أسس سليمة.

 

ونقترح لذلك أمورًا منها:

1-  تحريم الربا وتنظيم المصارف تنظيمًا يؤدي إلى هذه الغاية- وتكون الحكومة قدوة في ذلك بالتنازل عن الفوائد في مشروعاتها الخاصة.

 

2-  تمصير البنك الأهلي وإنشاء مطبعة للإصدار في مصر واستعجال إنشاء دار سك النقود المعدنية.

 

3-  إلغاء بورصة العقود التي أدت المضاربات فيها إلى زعزعة الاقتصاد القومي، والعمل على إصلاح السياسة القطنية بما يحقق مصالح البلاد.

 

4-  استكمال إصلاح الأراضي البور العناية باستغلال الصحاري المصرية زراعيًّا ومعدنيًّا.

 

5-  تصنيع البلاد مع العناية بالصناعات المعتمدة على المواد الأولية المحلية، والصناعات الحربية.

 

(سادسًا) التربية العسكرية


إن رجال الجيش الباسل هم أولى الناس بإصلاحه، ويجب على الدولة ألا تبجل عليه بالمال الذي يهيؤه لتأدية واجباته، وأن تعتبر ذلك فريضة لا يؤخرها غيرها من الفرائض ولو اقتضى الأمر الجور على أبواب الميزانية الأخرى، ونود أن نشير إلى أمور في التربية العسكرية بجملها فيما يأتي:

1. أن تراعي الآداب والشعائر الدينية في الجيش وأن تقوم العلاقة بين أفراده على أساس الأخوة.

 

2. أن يوسع نطاق التجنيد بحيث لا يبقى في الأمة- بعد فترة محدودة- من يستطيع حمل السلاح دون أن يحمله، حتى يصبح الشعب كله جيشًا كامل الأهبة والعتاد (انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ) (التوبة: من الآية 41).

 

3. أن تضاعف العناية بالتدريب العسكري في المدارس والجامعات وأن يتسم بالجد والإنتاج، فيقرر إجباريًّا في مناهج التعليم ويشمل فنون الحرب وأساليب القتال الصحيح.

 

4. إنشاء جيش إقليمي يتكون من كل من فاته الانتظام في الجيش العامل.

 

5. أن تبادر الحكومة إلى إنشاء مصانع الأسلحة والذخيرة لإمداد الجيش بحاجته منها حتى يستطيع الجيش أن يحقق غاياته في العدد والعدة ومستوى التدريب.

 

 (سابعًا) البوليس


إن رجال البوليس هم حفظة الأمن الداخلي، وهم جزء من الأمة يجب أن تكون علاقتهم معها علاقة أخوة قائمة على أساس من الخلق الفاضل الكريم.

 

لذلك ينبغي أن يطهر البوليس من العناصر الفاسدة التي عاونت الطغاة على إذلال الأمة ومهدت السبيل لزج أبنائها الأبرياء في ظلمات السجون والمعتقلات وأشاعت في البلاد جوًّا من الفزع والإرهاب ما زالت آثاره حية بيننا. وأن ينزه البوليس عن أن يكون اداة في يد الأحزاب تسخره في مآربها السياسية مستغلة سيطرتها عليه حين تكون في الحكم.

 

ويجب إلغاء نظام البوليس السياسي الذي أساء إلى سمعة البوليس ومد نفوذه بغير حق إلى كثير من مرافق الحياة، وهو في حقيقته أثر من آثار الاستعمار البغيضة.

 

ويجب أن يرفع مستوى رجال البوليس، وأن يأمنوا في حياتهم، وأن توثق روابط الود بينهم وبين رؤسائهم من ناحية وأفراد الأمة من ناحية أخرى.

 

خاتمة


هذه خطوط رئيسية في الإصلاح يحتاج كل منها إلى بيان، وإن المشكلة التي تقابلنا الآن ذات ثلاثة أطراف: مظلومون، وظالمون، وأوضاع مكنت الظالم من أن يظلم. ولا بد لكي يستقيم أمر هذه الأمة مما يأتي:

أن ترد المظالم إلى أهلها، وأن يعاد إلى كل ذي حق حقه، فترد على المسجونين السياسيين حريتهم، ولقد كانت هذه الصفوة من الشباب الطليعة الأولى التي ثارت في وجه الظلم والطغيان وما زالت ترسف في أغلالها بينما يتمتع المترفون والجلادون بأهوائهم، كما ترد الأموال والأرض المغصوبة إلى أهلها وأن تتوافر للمواطنين حياة يتحررون فيها من أغلال الإلحاد والفقر وطغيان الطبقة الحاكمة وتجار السياسة.

 

أن يقتص من الظالمين وأن يبعدوا عن الميدان السياسي، وهؤلاء الذين استباحوا الحرمات واعتدوا على الحريات وداسوا على مقدسات الأمة، وجعلوا البلاد مزرعة لشهواتهم واتخذوا العبث بمصالحهم مادة للكسب الحرام لأنفسهم وأهليهم وأنصارهم.
أن تغير الأوضاع التي مكنت الظالم من أن يظلم وأن يكون التغيير شاملاً لكل مرافق الحياة التي استطاع الطغاة أن ينفذوا منها إلى مآربهم.

 

أما قضية الاستقلال فليس لها إلا حل واحد هو أن يخرج الإنجليز من مصر والسودان، وأن يخرج كل مستعمر من بلاد الإسلام.  

(وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (الإسراء: من الآية 51).

 

وإن الإخوان المسلمين حين يتقدمون بهذه الخطوط الرئيسية إنما يستوحوتها من كتاب الله الذي أمر بالعدل والإحسان، ويحض على الإخاء ورعاية أهل الذمة:

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) (الممتحنة) ويدعون الله جلت قدرته أن يجمع القلوب على الهدى وأن يحقق للأمة أهدافها وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل.