هذه هي آخر كلمات المجاهد الراحل الأستاذ عمر التلمساني التي توجَّه بها إلى الشباب في آخر لقاء عام له بالقاهرة في النقابة العامة للأطباء؛ وذلك قبل أن يلقى الله عزَّ وجل بأشهر قلائل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحابته أجمعين.

 

أيها الأعزة الأحباب:

وهنت القوة، وضعفت الصحة وتحالفت الأمراض والعلل، ولم يعد في قوس العافية منزع.

 

ولكن ما أن دُعيت إلى حفل أو إلى جمع لأتحدث فيه إلى الشباب إلا واستخرجت من الضعف قوةً، ومن المرض صحةً، وجئت تملؤني السعادة أنني سألتقي بالشباب الذي هو عدة هذه الأمة في أيامنا هذه وفي مستقبل الأيام.

 

وبالرغم من أنكم- أيها الإخوة- سمعتوني أكثر من مرة أتحدث إليكم.. لا أتحدث إلا في السلام وفي الأمن وفي الاستقرار، وفي عدم التظاهر وعدم التخريب وعدم المصادمات، ورغم هذا كله لست أدري ما الذي يدعو إلى الحيلولة بيني وبين الحديث إلى الشباب؟! ما إن دعيت إلى حفل لأتحدث به إلى الشباب إلا يمنع، اللهم إلا هذه الفلتة، ولا أدري كيف جاءت؟!

 

أيها الشباب:

أنتم الأداة الفاعلة ذات الفاعلية الكبرى لإنقاذ هذا الوطن؛ ما تردَّى فيه.

 

إن الذين أحاطوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا من الشباب!! عمر كان سنه 26 سنة، طلحة بن عبد الله، الزبير بن العوام، علي بن أبي طالب، كل هؤلاء من الشباب، وأنتم شباب.

 

بل أكثر من هذا؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على أهل نجران صحابيًّا يدعى عبد الله بن حزم الأنصاري وأرسله إلى نجران يعلمهم الدين ويحفظهم القرآن ويجمع صدقاتهم، أتعلمون كم كان عمر هذا الرجل؟ سبعة عشر عامًا..
شاب عمره سبعة عشر عامًا يعلم الدين ويحفظ القرآن، ويجمع الصدقات، وهذا الذي نعمل له جاهدين.

 

لا تبتغي دعوة الإخوان المسلمين إلا أن ترى سيرة وسنة رسول صلى الله عليه وسلم مطبقةً في هذا البلد؛ لأن هذه المنطقة من العراق إلى المغرب منطقة إسلامية.

 

نحن مسلمون من إندونيسيا إلى المغرب، أما دعوة القومية العربية التي أرادوا بها أن يصرفونا شيئًا فشيئًا عن الإسلام فلا مكانَ لها بين المسلمين.

 

نحن مسلمون قبل كل شيء، وإن اختلفت بنا الديار.. نحن أمة مسلمة كما يقول الله تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)، وفي آية أخرى (وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ).

 

هذه هي الحقيقة التي نسعى إليها جاهدين، ولستُ أدري لِمَ يُحارب الشباب المسلم الذي يحمل دعوة الله؟.

 

كل حزب من الأحزاب فيه شباب، ويدعو شبابه للتوعية؛ حتى الحزب الوطني القائم بالحكم فيه شباب ويدعى بصفة خاصة..
لماذا شباب الدعوة إلى سبحانه وتعالى هو الذي يحال بينه وبين ذلك؟

 

ورغم كل هذا ما زلت أنصح نفسي وأنصحكم بالصبر والتجلد والاحتمال وبعدم الاستثارة؛ لأنه لا يستفيد من كل هذه المسائل غير أعداء هذا الوطن.

 

أيها الشباب:

أنتم تحملون أطهر دعوة في هذا الوجود.. وأنتم باعتراف الجميع وبأذني سمعت ثناءً عليكم، وسمعت مدحًا لكم، وسمعت حديثًا عن إخلاصكم وجهدكم واجتهادكم.. إنما سمعتُ هذا في جلسات خاصة.

 

فإذا ما خرج الذي يتحدث هذا الحديث إلى المجتمعات العامة سمعت كلمات العنف والإرهاب ومحاربة الجماعات الإسلامية، وكل هذه المسائل يعرفونها عنكم ولكنهم يخفونها!! لماذا؟

 

قد أعلم وقد لا أعلم، فإن كنت أعلم فهناك ما يمنعني من التصريح وليس كل ما يعرف يقال.. وإن كنت لا أعلم فهذا ضعف البشر لا يعلمون ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.

 

أيها الشباب:

إن ما أطلبه منكم: ونحن الجيل الذي سبق جيلكم حملنا إليكم الراية، وتحملنا في سبيل حملها كل أنواع العذاب من قتل، وتشريد، وتعذيب، ولست أنا الذي أقول ذلك، محاكم الجنايات في مصر أقرت بذلك؛ حيث جاء في حيثيات أحكام بعضها أن ما حدث في تلك العهود؛ ما يندى له الجبين خجلاً وعارًا.

 

هذا الذي تحملناه هل نال من عزائمنا شيئًا؟

 

كان الإخوان يخرجون من كل محنة من هذه المحن أقوى مما كانوا عندما دخلوا هذه المحن، لأن أمرهم يتكشف للناس ويعرف الناس أن هؤلاء الرجال أو هذا الشباب إنما يحمل أطهر دعوة ويدعو الناس إلى أقوم سبيل ينتشل هذه الأمة الإسلامية من العراق إلى المغرب والأمم الإسلامية الأخرى من الوهدة التي تردت فيها نتيجة انصرافها عن تعاليم كتاب الله سبحانه وتعالى.

 

نحن نقول لكم ذلك الكلام وندرسه لكم ونعرض عليكم تجاربنا في الماضي..

 

لماذا نضطهد؟ ألسنا في عهد نتحدث فيه عن الديمقراطية... وإن كانت أنا لا أقر كلمة الديمقراطية ولكني أعرف الحرية في الإسلام.
والديمقراطية من صنع البشر والحرية منحة من منح الله سبحانه وتعالى وشتان بين الاثنين.

 

الديمقراطية التي نتحدث عنها، عندما أقارن بينها وبين الديمقراطية التي في الخارج أعجب أشد العجب!!

 

أعرف بعض البلاد الملكية التي يحكمها ملك، يستطيع أي إنسان في أي مكان بعيدًا عن زحام الطريق أن ينال من الملك ومن الحكم الملكي.. ينتقد ويتهم.. ولا يستطيع إنسان أن يتعرض له.

 

أما هنا نبحث عن مجلة لا نجدها، نؤجر مجلة فيسدون الباب في وجهنا، فأين هي الديمقراطية؟

 

أظن أنكم تعرفون أو قرأتم كما قرأنا أنه ثبت ضد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أنه تجسس على الحزب الآخر فكان هذا السبب مدعاة إلى استقالته من رئاسة الجمهورية لأنه تخطى حدود الديمقراطية في نظامهم.

 

لست أدري كيف نعيش؟

 

على باب المجلة مباحث يحصون الداخلين والخارجين وربما في بيتي أيضًا، لكني لا ألتفت لأنه لا يهمني أن أظل في البيت أو أن أظل في السجن؛ لأنه يستوي عندي الأمران.. فإني بفضل الله سلمت أمري وروحي إلى الله سبحانه وتعالى يفعل بهما ما يشاء... كل هذا لا يهمني... في كل مكان التليفونات مراقبة.. لماذا؟.. هل نحن أعداء لمصر؟ أعداء لهذا الوطن؟. نحن أخلص المخلصين لهذا الوطن. نحن الذين نعيد الأمن والاستقرار لهذا البلد حتى يستطيع رئيس الجمهورية أن ينتقل بشوارع القاهرة وطرقاتها على قدميه دون أن يخشى ولا يحيط به الألوف من الأمن المركزي لحراسة الطرقات.. لماذا؟ هل فقدنا الثقة في بعضنا البعض؟ رئيس لجمهورية لا يثق فيَّ ولا أثق فيه.

 

نحن نثق في رئيس الجمهورية إنما هم!!

 

نحن لا ندعو لقلب الحكم نحن ندعو لإصلاح الحكم ولو عرضت الوزارات لرفضناها؛ لأننا لا نطلب حكمًا، ولكننا نطلب حكمًا عادلاً أيًّا كان القائم بشئون هذا الحكم.

 

أيها الشباب:

نصيحتي لكم أن تتمسكوا بهذه الدعوة، أن تتمسكوا بها لآخر قطرةٍ من دمائكم، إلى آخر نبضةٍ من نبضات قلوبكم، تمسكوا بعهد الله، تمسكوا بحبل الله المتين، ولا ملجأ ولا منجى لنا إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.

 

ولو أن حكام هذه المنطقة أجمعوا أمرهم على أمر يفيد وطنهم لتغير الحال، وتغير وضع هذه المنطقة ولأصبحنا القوة التي ينظر إليها فعلاً، ولما استطاعت إسرائيل ولا أمريكا ولا روسيا أن تعبث في منطقتنا فسادًا أو أن تعبث بنا وبكرامتنا هذا العبث الذي نقرأه في الجرائد.

 

أيها الشباب:

أنصح الطلبة منكم خاصةً أن يكونوا على مستوى رفيعٍ من الأدب مع أساتذتهم في الكليات، لا يتناولون أستاذًا بسوء، ولا يخرجون عن حدود اللياقة مع أساتذتهم حتى ولو خالفوهم.

 

أيها الشباب:

نحن نعرض عليكم هذا ونقول لكم إن الدعاة إلى الله يمرون بمحن، فمن كان على استعداد أن يبيع هذه الدنيا، وأن يشتري الآخرة، وأن يشتري جنة عرضها السموات والأرض، فليدخل هذا الميدان وليحمل كلمة الله وليقل كلمة الحق في أدب، في رزانة، في تعقل، في تبين، ولا يبالي بعد ذلك بما يصيبه.

 

ولا شيء يحدث في هذا الكون إلا بقدر الله سبحانه وتعالى.

 

والله لو سبحنا بحمد الحكام ليل نهار، وكان في قدر الله أن ندخل السجون لدخلنا السجون، ولو أننا نصحناهم ليلاً ونهارًا بما يضايقهم وليس في قدر الله أن ندخل السجون فلن ندخل السجون.

 

كل أمر في هذا الكون بقدر الله سبحانه وتعالى من قديم الأزل، يوم أن خلق السماوات والأرض، وأنزل للأرض أناسي.. مقدر ما سيصيب هؤلاء الناس فردًا فردًا، ويعلم ماذا سيحدث حادثة حادثة.. فلماذا نخاف؟ ومم نخاف؟. في الرأي. هذا شيء وهذا شيء.

 

التظاهر بالقوة، والتطاول على الأساتذة، ورمي مباني الجامعة بالحجارة والتكسير والتخريب.. كل هذا ليس من خلق دعاة الإسلام. دعاة الله دعاة سلم وأمان.. لا أتصور أن شابًّا يدعو إلى الله، وقد تمكنت الدعوة من قلبه تمامًا ثم يدمر ويخرب أو أن يضرب أو أن يعنف.

 

هذا الدين سلام. محمد عليه الصلاة والسلام رسول السلام، الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى السلام.

 

أيها الشباب:

علينا أن نؤدي ما يجب علينا أن نؤديه، أما النتائج فلله سبحانه وتعالى.

 

أنتم تقرأون في القرآن (وَقُلِ اعْمَلُواْ) ولا تجدون آية واحدة يُحملنا الله سبحانه وتعالى نتائج هذه الأعمال.. النتائج على الله. علينا أن نعمل ولا نستطيل الزمن أو نقول مضى علينا عشرات السنين فلم نصل إلى نتيجة، لقد غيرنا كثيرًا جدًّا.. يوم أن قامت هذه الدعوة كانت المطالبة بتطبيق شرع الله جريمة، وكان يؤخذ الناس ويحبسون من أجل هذا.. فظلت هذه الدعوة تتقدم وتتقدم حتى قرأتم أنتم بأن جميع الأحزاب المصرية عندما تقدمت للانتخابات الماضية كان أول بندٍ في بنود برامجها تطبيق الشريعة الإسلامية.. هذا نجاح لا حدَّ له.. نجاح عظيم لدعوة الإخوان المسلمين، كان الدستور يحتوي على نص: "الدين الرسمي للدولة الإسلام" وهذا كلام لا معنى له لأننا مسلمون، ولكن دعوة الإخوان المسلمين أرغمت الحكام على أن يذكر في الدستور، وفي المادة الثانية منه "أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع لهذا البلد".

 

إذًا نحن نتقدم خطوة بخطوة وعلى مهل، ولما عقدت جلسات الاستماع أخيرًا وناقشت تطبيق الشريعة الإسلامية لمجلس الشعب ذهبنا وذهب الإخوان المسلمون، وقالوا رأيهم: لا نريد عنتًا ولا نريد إحراجًا، نحن ندعو إلى تقنين الشريعة الإسلامية على مهل حتى لا تختلط الأمور..

 

بعض القضاة.. والمحامين.. ووكلاء النيابة لم يدرسوا الشريعة الإسلامية، الأغلبية العظمى منهم لا تدري شيئًا عن الدراسات الإسلامية.. فكيف أكلف قومًا لم يدرسوا شيئًا.. يجب أن نأخذهم بالرفق شيئًا فشيئًا حتى يتذوقوا ما ندعوهم إليه ثم يباشرون مهمتهم كما يجب أن تباشر.

 

أيها الشباب:

أدعوكم إلى الصبر الجميل والصبر الجميل هو الصبر الذي لا شكوى معه، لا ضجر ولا يأس لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَقِينَ).

 

أيها الشباب:

إن دوركم عظيم وخطير، ونظراتكم إلى الأمور يجب أن يكون فيها كثير من الروية والفحص والتدقيق، وأقسم قسمًا حقًّا لست آثمًا فيه أننا لو طبقنا شرع الله في هذا البلد لتغير الحال بصورة لا يتصورها إنسان بالمرة، وهذا دوركم وهذه مسئوليتكم.

 

أنتم طلبة وأطباء أو محامون أو مهندسون.. لكم أصدقاء.. لكم أهل.. لكم عائلات.. يمكنكم أن تبثوا هذه المعاني في المحيط الذي تعيشون فيه..

 

هذا المظهر الجميل الذي أراه للسيدات هل كنا نرى مثله قبل دعوة الإخوان المسلمين؟ أو صورة من صوره..
لقد كنت في كلية الحقوق سنة 1931 كان فيها فتاة واحدة وللأسف لم تكن تلبس لباسًا إسلاميًّا..

 

اليوم نرى في كلية الطب والهندسة والزراعة في الجامعة.. في كل جامعات مصر طالبات في منتهى الحشمة والالتزام وهذا بفضل الله ثم دعوة الإخوان المسلمين..

 

لذلك أدعوكم أيها الإخوة إلى ألا يقتصر أحدكم أن يكون أخًا مسلمًا أو أن يقتصر على أن يتحوصل فى نفسه ما دام يصلى ويصوم ويجتهد.. لا.. نشر الدعوة هو المطلوب منكم واحدًا واحدًا فإياكم أن تتباطئوا وإياكم أن تتكاسلوا عن هذا الواجب وإياكم أن تخلعوا ثوبًا ألبسكم الله إياه باختياركم محمدًا قدوةً وزعيمًا.

 

أيها الشباب:

أوصيكم بالحلم وأتمنى لو أنني أستطيع أن أتحدث أكثر من هذا أو أن أقول كل ما عندى ولكن للأسف لا أستطيع.

 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.

 

عمر التلمساني

المرشد العام للإخوان المسلمين