نشأت جماعة الإخوان المسلمين على أهداف ومبادئ واضحة وشاملة؛ حيث عملت من أجل كل شرائح المجتمع ووسط كل شرائح المجتمع دون استثناء لأحد أو تفضيل على أحد، بمن فيهم العمال والفلاحون الذين أولتهم الجماعة منذ نشأتها اهتمامًا كبيرًا؛ حيث أنشأت قسمًا خاصًّا بهم يتابع شئونهم ويرفع الظلم عنهم، وكان نتاج ذلك أن استشهد أحد الإخوان نتيجة مساندة للإخوان ضد الإقطاعيين.

 

لم يهمل الإخوان قضية الفلاح في أية وقت، بل كانوا أول من نادوا بإنصافه قبل أية حزب أو مؤسسة، ففي عام 1935م يكتب الإمام حسن البنا تحت عنوان "صوت من الريف" في جريدة "الإخوان" العدد 19 الموافق 20 أغسطس 1935م: "في القرية المصرية فقرٌ وبؤسٌ وفيها جهلٌ وغفلة وفيها مرضٌ وعاهاتٌ وفيها جرائمُ ومفاسدُ وفيها عاداتٌ سيئةٌ وخرافاتٌ فاشيةٌ.. وكل ذلك في حاجةٍ إلى الإصلاحِ الحاسم السريع، فهل يعمل على هذا الإصلاح من بيدِهم الأمر من سادتنا المترفين أم أنساهم جمال الشواطئ ولين الحياة من وراءهم أمر هؤلاء البائسين، فهم يشيرون عليهم بأن من الخير أن يأكلوا "البسكويت" ما داموا لا يَجِدون الخبز القفار.

 

حتى إن الإخوان أقاموا منذ فجر الدعوة المدارس لتعليم النشء ومحو أمية الكبار، فكان في كل شعبة من شعب الإخوان تقام المدارس الليلية لتعليم العمال والفلاحين ومحو أميتهم.

 

وليس أدل على الاهتمام بالفلاحين من معرفة الأستاذ البنا بعددهم ومشاكلهم ووضع أطر الرقي بأحوالهم مما ذكره في المؤتمر السادس عام 1941م فقد ذكر أن عدد الفلاحين في ذلك التوقيت بلغ 8 ملايين فلاح، وأن الأرض المنزرعة تقدر بحوالي 6 ملايين فدان، إلا أن التوزيع في الواقع كان يشير إلى أن 4 ملايين فلاح لا يملكون أية مساحة من الأرض ويعملون أجراء، ومليونين من الفلاحين لا تزيد ملكية الواحد منهم عن نصف فدان، وغالب المليونين الباقيين لا تزيد ملكيتهم عن 5 أفدنة، الأمر الذي يوضح جليًا ما يعانيه الفلاحون، وإلى أي مدى بلغ انحطاط مستوى المعيشة بينهم لدرجة مخيفة، وعلى هذا الاعتبار يخص الفرد الواحد نحو ثلثي فدان.

 

إن أربعة ملايين من المصريين لا يحصل أحدهم على ثمانين قرشًا في الشهر إلا بشق النفس، فإذا فرضنا أن له زوجة وثلاثة أولاد وهو متوسط ما يكون عليه الحال في الريف المصري، بل في الأسر المصرية عامة، كان متوسط ما يخص الفرد في العام جنيهين، وهو أقل بكثير مما يعيش به الحمار؛ فإن الحمار يتكلف على صاحبه (140 قرشًا خمس فدان برسيم، و30 قرشًا "حملاً ونصف الحمل من التبن"، و150 قرشًا إردب فول، و20 قرشًا أربعة قراريط عفش ذرة، ومجموعها 340 قرشًا)، وهو ضعف ما يعيش به الفرد من هؤلاء الآدميين في مصر، وبذلك يكون أربعة ملايين مصري يعيشون أقل من عيشة الحيوان (رسالة المؤتمر السادس- من رسائل الإمام حسن البنا).

 

وحيال ذلك رأى الإخوان أن إصلاح القرية يتطلب إصلاحات أساسية منها: تحديد الملكيات الزراعية الكبيرة بوضع حد أعلى للملكية الزراعية- تتراوح بين مائة إلى ثلاثمائة فدان- ويوزع الزائد على ذلك على المعدمين وصغار الملاك بأسعار معقولة تؤدى على آجال طويلة، وتكون الدولة مسئولة عن ذلك لإعادة التوازن، كما تكون مسئولة عن توزيع جميع الأطيان المستصلحة والتي تستصلح على صغار الملاك والمعدمين خاصة، وأن توزع أملاك الدولة- فورًا- عليهم.

 

كما رأوا ضرورة تحديد العلاقة بين المالك الزراعي والمستأجر بما يحقق العدل بين الطرفين، واقترح الإخوان في ذلك نظام المزارعة، وطالبوا باستكمال التشريعات العمالية لتشمل العمال الزراعيين، ولتكفل للعامل الزراعي وأسرته التأمينات ضد البطالة والعجز والوفاة، إضافة إلى تشجيع الإرشاد الزراعي، وعمل نقابات للعمال الزراعيين.

 

ولقد وضع الإخوان بعض المطالب ومنها:

1- التأمين الاجتماعي الشامل على العامل والموظف والفلاح.

 

2- تشجيع الإرشاد الزراعي والصناعي والاهتمام بترقية الفلاح والصانع من الناحية الإنتاجية.

 

3- استغلال الموارد الطبيعية كالأرض البور والمناجم المهملة وغيرها.

 

دافع الإخوان عن صغار الموظفين والعمال, وعملوا على رفع الظلم عنهم, فتحت عنوان "غريق الدموع" دافع الإخوان عن مشاكل الفلاح, والحياة البائسة التي يحيها, فالكل يتكلم عن مشاكل الفلاح ويخطب وده لكن وقت منفعة يرغبها لا تحل مشاكله، ولذا طالب الإخوان المسئولين بالعناية بالفلاح وناشدت المجلة الأغنياء برعايتهم قائلة: "يا قوم إن الفلاح يموت ويشقى من أجلكم فهيئوا له ما يحييه حياة سعيدة وأنقذوه من حياته التعسة فهو ينشأ على الجهل ويتربى على الفقر ويعيش على الأمراض".

 

كانت قضية الفلاح وهمومه شغل الإخوان في الدفاع عنه وعن حقوقه عبر صفحات مجلة الإخوان, ففي العدد 123 (19/10/1946) كتبت تحت عنوان "هؤلاء.. متى يتحررون؟" وفي العدد 125 (2/11/1946م) كتبت تحت عنوان "العدالة الاجتماعية" تطالب بإنصاف هؤلاء.

 

كما تبنى الإخوان قضية كفر البرامون, وما حدث فيها من اضطهاد من أصحاب الأملاك ضد الفلاحين البؤساء حتى إنهم قدموا شهيدًا من إخوان القرية لدفاعه عن الفلاحين وقضايا فما كان من بعض العائلات الغنية سوى التربص له وقتله عام 1948م.

 

وأيضًا الشهيد عناني أحمد عواد (نائب شعبة الإخوان من كفور نجم- شرقية)؛ الذي ذكره الأستاذ عبد الحليم الكناني بقوله: كانت أوضاع الفلاحين في قرية كفور نجم كشأنها في باقي ريف مصر المنكوب، بل كانت أشد وأنكى، إذ كانت لحظها العاثر تقع في زمام تفتيش سمو الأمير محمد علي، الذي عهد بإدارة التفتيش إلى بعض محترفي الظلم والاستعباد للفلاحين الفقراء المستضعفين يساندهم بطبيعة الحال رجال البوليس المرتبطين معهم لا مع الفلاحين المستضعفين مصالح وروابط، فلجأ عناني للأستاذ أحمد حسين لرفع قضية على التفتيش وإدارته فكانت عملية القتل المدبرة في وضح النهار وأمام نقطة الشرطة.

 

ونشرت صحيفة "منبر الشرق": روعت قرية كفور نجم بحادث مؤسف هو الأول من نوعه إذ وجد الشهيد عناني أحمد عواد قتيلاً بجوار نقطة البوليس، ففي ليلة الخامس عشر من رمضان تهاوت عدة "بلط" وفؤوس ومسدسات في اتجاه الشهيد عناني أفندي أحمد عواد داعية التحرر من الظلم والاستبداد والتخلص من ربقة العبودية والاستعباد، وتفصيل الحادث كما يلي:

كانت بين الشهيد وتفتيش الأمير محمد علي مشاحنات نتيجة رغبة التفتيش في معاملة الأهالي معاملة العبيد والأغنام، فأبى ذلك الشهيد وأصر على أن يعيش الفلاح في سلام، موفور الكرامة مهاب الجانب لا يستعبده أحد ولا يظلمه.

 

وكان يصيح في الصاوي مفتش كفور نجم والحاكم بأمره هنالك مرددًا قول عمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا" وكان من جراء ذلك أن اضطهده المفتش.

 

ولم يكتف الصاوي بذلك بل استعدى البوليس على الشهيد الكريم فأخذوا في اضطهاده واستغلال سلطة وظيفتهم في معاملته بعنف، وكم قامت بينهم من مشادات انتصر فيها الشهيد لكرامته وأنصاره مما أوغر عليه نفوس المأمور وضابط المباحث.

 

ولم يخرج من إجماع أهل القرية إلا أشخاص جبناء أذلاء يوالون التفتيش ويشتغلون لحسابه. وقد تمت المؤامرة الرهيبة في النهار فانهال المجرمون الآثمون على الشهيد الأعزل ببلطهم الحديدية ومسدساتهم حتى قضوا على حياته، لينعموا بالراحة في ظل التفتيش ومركز البوليس.

 

لقد أدرك الفلاحون أهمية دعوة الإخوان المسلمين واهتمامها بهم وبقضاياهم ولذا سارع كثير من الفلاحين للانضمام لهذه الدعوة والسير في ركابها والانتشار وسط الفلاحين للتصدي لكل إقطاعي، حتى أنه وصل واحد منهم لمنصب المرشد العام وهو الأستاذ محمد حامد أبو النصر، بل إن كثيرًا منهم تم اعتقاله بسبب التحاقه بجماعة الإخوان، بل استشهد بعضهم داخل السجون مثلما حدث لهم في مذبحة طره في 1 يونيو 1957م.

 

لم تتوقف الجماعة يومًا ما عن نصرة الفلاحين وقضاياهم سواء في عهد السادات أو مبارك وظلت قضية الفلاح على رأس أولويات الإخوان المسلمين.

-------------------

* باحث تاريخي- بموقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين- [email protected]