لفلسطين في نفوس المسلمين عامة، وفي نفوس الإخوان المسلمين بصفة خاصة منزلة كبيرة؛ لما حباها الله من كونها مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين. ويعتقد الإخوان أن مصر أقرب البلاد خطرًا من الغزو الصهيوني، لما لليهود ذكريات فيها؛ ولأن سيناء غنية بالثروات الطبيعية والمواد الخام، ما يمثل حافزًا للصهاينة للاستيلاء عليها.

 

ويعتقد الإخوان المسلمون اعتقادًا جازمًا بأن فلسطين جزء من العقيدة الإسلامية، وأن أرضها وقف إسلامي على جميع أجيال المسلمين في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم إلى يوم القيامة، لا يجوز لأحد كائنًا من كان أن يفرط أو يتنازل ولو عن جزء صغير جدًّا منها، ولذلك فهي ليست ملكًا للفلسطينيين أو العرب فحسب، بل هي ملك للمسلمين جميعًا وعليه تكون فلسطين بالنسبة للإخوان المسلمين "السوق الذي نربح فيه الصفقة مع الله" ونفوز بإحدى الحسنيين "النصر أو الشهادة". لذلك أفتى الشيخ سيد سابق أحد فقهاء الإخوان أثناء حرب فلسطين عام 1948م، بتأجيل أداء فريضة الحج وتقديم المال للجهاد في فلسطين".

 

ولقد وعت الجماعة منذ نشأتها ما يحاك لفلسطين من مؤامرات لسلخها عن طابعها الإسلامي، وتقديمها وطنًا قوميًّا للصهيونية العالمية يكون سرطانًا دائمًا في جسد الأمة، يعمل على تفتيته وإذلاله، وليحقق حلم اليهودية لدولتهم.. من النيل إلى الفرات.

 

فها هو حسن البنا يبعث برسائل إلى السفير البريطاني في القاهرة يحذره من المساس بأرض الإسراء مؤكدًا أن "الإخوان المسلمين سيبذلون أرواحهم وأموالهم في سبيل بقاء كل شبر من فلسطين إسلاميًّا عربيًّا حتى يرث الله الأرض ومن عليها".. ويبعث برسالة إلى الحكومة المصرية بعد أن أفرجت عنه السلطات بسبب نشره وتوزيعه كتاب "النار والدمار في فلسطين" يعيب عليهم قعودهم وتخاذلهم عن نصرة إخوانهم في فلسطين فيقول: "يا أيها الجالسون على كراسي الحكم، أما آن لكم أن تفهموا بعد أن من استعز بغير الله ذل، وأن الناس من خوف الذل في الذل، ومن خوف الفقر في الفقر، وأن من حرص على الموت وهب الله له الحياة، والله يقول: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)) (النساء).

 

ولم يدخر الإخوان المسلمون جهدًا في التنبيه إلى أهمية وخطورة القضية الفلسطينية، فجاهدوا بالكلمة المسموعة والمقروءة في تجمعاتهم ومؤتمراتهم وفي وسائل إعلامهم، حتى تبنت الأمة الإسلامية القضية الفلسطينية بعد أن طغت الإقليمية والقومية إلى حد بعيد على فكر كثير من قادة وزعماء الشعوب الإسلامية الذين حادوا عن الفكر الإسلامي وتأثروا بالفكر الغربي العلماني.

 

ولجماعة الإخوان المسلمين مواقف عملية تجاه القضية الفلسطينية نوجزها فيما يلي:

 

- دعت الجماعة إلى تأييد الفلسطينيين ضد اليهود وضد الإنجليز منذ عام 1936م، وعملت ما في وسعها في سبيل هذا التأييد، ففي العام نفسه أرسل مكتب الإرشاد خطابًا مفتوحًا لرئيس وزراء مصر آنذاك يطالبه فيه بأن يعمل ما يستطيع من أجل قضية فلسطين، وفي نوفمبر 1937 أرسل مكتب الإرشاد خطابًا إلى السفير البريطاني ليرفعه إلى حكومته من أجل قضية فلسطين.

 

- وأسهمت الجماعة منذ عام 1936م، في جمع الأسلحة لمدّ الفلسطينيين بها عن طريق الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وأحد أبطالها، والذي ساعدته الجماعة في الحصول على حق اللجوء السياسي عندما وصل إلى مصر عام 1946م.

 

- وفي عام 1940 شكلت الجماعة (النظام الخاص)؛ بهدف محاربة الإنجليز والصهاينة، وقد كان له دور بارز في حرب عام 1948- لا يتسع المجال لتفصيلاته.

 

وبعد قرار التقسيم أرسلت الجماعة نائبها للشئون العسكرية (الصاغ محمود لبيب) لتدريب الفلسطينيين عسكريًّا في بلادهم، وظل يدربهم حتى ضاق به الإنجليز وطلبوا منه مغادرة البلاد.

 

وحين وضحت نيات الحكومة البريطانية في تهويد فلسطين، أخذ الإخوان يوضّحون للشعوب والحكومات العربية حقيقة الخطر اليهودي الذي يهدد الأمة العربية كلها. وقد أخذ خطباء الجماعة ودعاتها يجوبون المدن والقرى، داعين الناس إلى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ الأرض المقدسة، فعمَّت المظاهرات المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد، مطالبة الحكومة المصرية بالتدخل العسكري للقضاء على الدولة الصهيونية في مهدها، وقد نشطت صحف ومجلات الجماعة في مهاجمة سياسة الإنجليز في فلسطين، ومهاجمة العصابات الصهيونية وتصرفاتها ضد الأهالي هناك، وتم توزيع منشورات تهاجم الإنجليز والصهاينة في الجامعات، والمصالح الحكومية، والمحلات، والمقاهي.. وعمَّت الدعوة لمقاطعة محلات اليهود.. كما قام الإخوان بتوزيع كتاب (النار والدمار في فلسطين) الذي كشف عن فظائع الإنجليز وتآمرهم على مسلمي فلسطين، وقد اعتُقل البنا بسببه ثم أفرج عنه بعد الضغوط الشعبية.

 

واندفعت حشود هائلة من شباب مصر، جاءت من مدن مصر وقراها، حتى اكتظ بهم المركز العام للإخوان المسلمين، وضاقت بهم شُعب القاهرة. وبدأت اتصالات كثيرة بالحكومة المصرية، وبأمين عام الجامعة العربية عبد الرحمن عزام، انتهت بموافقة الحكومة على تكوين فرق من المتطوعين بقيادة ضباط متطوعين من الجيش، على أن تتولى الجامعة العربية الإنفاق على هذه الفرق.

 

وحب الإخوان بالفكرة، وبدأت حركة التطوع عن طريق المركز العام، وكان يشرف على تنظيم حركة التطوع الصاغ محمود لبيب، وكيل جماعة الإخـوان، ونجـح-بمعونة بعض الشخصيات المجاهدة وعلى رأسهم عبد الرحمن عزام واللواء عبد الواحد سبل مدير عمليات الجيش المصري- في إقامة معسكرات للتدريب، أشرف عليها ضباط الجيش العاملون. وقد سافرت أول كتيبة إلى ميدان القتال يوم 25 من أبريل 1948م، بقيادة البطل الشهيد البكباشي أحمد عبد العزيز.

 

ولما انتهت حرب فلسطين باتفاق رودس سنة 1949م، كان من شروط الاتفاق سحب الجيش المصري كله من فلسطين، ويُكتفي بلواء مشاة فقط في قطاع غزة/ رفح.

 

وقد طلبت قيادة الجيش المصري من الإخوان المسلمين، تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب تمهيدًا لترحيلهم إلى مصر.. وسلّم الإخوان أسلحتهم بلا مناقشة وبدون أي اعتراض، وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقلهم إلى عنبر كبير جدًّا في رفح كان من عنابر الجيش البريطاني قبل جلاء قواته عن رفح، وقيل للإخوان إنهم سيبيتون في هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار في الصباح إلى القاهرة.. إلا أن الإخوان فوجئوا في هذا الصباح بالقوات المسلحة تحيط بالعنبر بعد صدور التعليمات باعتقالهم.. وقد ظلوا بهذا المعتقل شهرين اثنين.

 

وإذا كان ثمة حركة تواجه الصهاينة بالسلاح، منذ انتفاضة فلسطين المباركة عام 1987 وإلى الآن، فهي حركة حماس التي أشار بيانها الأول إلى أنها (الذراع الضاربة لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين المحتلة)، وتقول المادة الثانية من ميثاق الحركة إنها (جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين، وحركة الإخوان المسلمين تنظيم عالمي، وهي كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث)، وشعار هذه الحركة: الله غايتها، والرسول قدوتها، والقرآن دستورها، والجهاد سبيلها، والموت في سبيل الله أسمى أمانيها. وهي حسب ميثاقها تعتبر الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها، وإليه تحتكم، ومنه تسترشد خطاها.

 

وتهدف حماس إلى تحرير فلسطين وإقامة دولة الإسلام عليها وإعادة الحقوق إلى أصحابها، وترى حماس أن فلسطين أرض وقف إسلامي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها أو التنازل عنها أو عن جزء منها، وأنه لا حل لقضية فلسطين إلا بالجهاد في سبيل الله وأن العمل على تحريرها فرض عين على كل مسلم حيثما كان.

 

وقد قامت حماس منذ انطلاقتها بمئات العمليات النوعية ضد اليهود، وما زالت ترفع لواء الجهاد في فلسطين بالرغم مما تعرض له أفرادها من سجن وتعذيب وإبعاد.

واستطاعت هذه الحركة أن تُلحق باليهود خسائر فادحة، لم تعرفها في حروبها مع جيوش الأنظمة العربية، كما استطاعت أن تنقل الرعب إلى داخل الكيان اليهودي بعمليات أبنائها الاستشهادية.