منحت وثيقة الأمم المتحدة حقوقًا للطفل تحت أسماء رائعة براقة.. ولكنها في باطنها تعارض الشرع وتضاد ما درج عليه المجتمع.. وتنقل قوانين سنتها مجتمعات بغرض الوصول إلى حياة كريمة، فكانت النتيجة عكس ما كان مرجوًا.. كيف هذا؟

 

أولاً: حددت الوثيقة عمر الطفل بـ 18 سنة.. وهذا التحديد يتنافي مع التعريف الشرعي للطفل.. فالأطفال سيظلونا أطفالا حتى إذا أدركهم البلوغ أَفَلَت طفولتهم وبدءوا مرحلة التكليف وتحمل تبعات الأفعال والأقوال..

 

والفتي يبلغ حينما يحتلم.. والفتاة تبلغ عندما تحيض.. والواقع يوضح لنا أن أغلب الصبيان يبلغون عند عمر 12-14 سنة، وأن أغلب الفتيات يبلغن عند عمر 11-13 سنة.. مع بعض الاستثناءات.

 

وبذلك ينافي تحديد سن الأطفال بـ 18 سنة مع الشرع، وهذا السبب وحده يعد كافيًا لرفض التوقيع على هذه الوثيقة.

 

فالبالغ سيظل يأخذ حقوق الطفل أكثر من أربع سنوات وهو ليس بطفل.. وكذا الطفلة ستتمتع بحقوق الطفل أكثر من 5 سنوات وهي ليست بطفلة.. وفي هذا جور وظلم للمجتمع وللطفل عظيم.. كما سيتضح فيما يلي.

 

ثانيًا: من حقوق الطفل المنصوص عليها في الوثيقة احترام خصوصيات الطفل وعدم انتهاكها.. وهذا أمر بديع ننادي به الليل والنهار، بالمدرسة والنادي والدار.. فاحترام الخصوصيات يبني الشخصية ويغرز القيم ويعزز الثقة بالنفس.

 

.. ولكن..

لهذا الاحترام وبالطريقة التي حددتها الوثيقة يعني أنه إذا أراد "طفل" قارب عمره الـ 18 سنة أن يختلي بفتاة أجنبية عنه ببيت أبيه فلا يحق لوالديه أو أحد من إخوته وأخواته الاعتراض عليه واخترام خصوصيته، بل عليهم جميعًا عدم الاعتراض على هذا الأمر الخاص جدًا واحترام هذه الخصوصية وإلا تعرض للعقوبة.. فهذا حق لهذا "الطفل".. وكذا الحال أيضًا إذا أرادت "طفلة" أن تأتي بالـ "بوي فرند" إلى بيت أبيها..

 

إنهم بذلك يريدون تهميش دور الأسرة التربوي والرقابي، ومحاولة إخراج الطفل من منظومة الانضباط الأسري فأوكلوا مهمة رعايته إلى مؤسسات الدولة في إطار بعض القوانين المنظمة، ولكن إسلامنا أوجب على الوالدين أدوارًا محورية أساسية في رعاية الأبناء صغارًا وكبارًا، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".. وقال أيضًا: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع ما يعول".

 

فهل يريدون أن يتألم المجتمع المصري من احترام هذه النوعية من الخصوصيات.. كما تألم ـ وما زال يتألم ـ المجتمع الأمريكي منها.

 

إن روعة الأسرة المصرية في إحاطة الوالدين أبناءهم بالرعاية والحماية والمودة والحب في ظل من التربية الواعية الدفيئة.. إن روعة الأسرة المصرية في تماسكها وتكاتفها وتعاونها ما دامت هناك حياة.

 

ثالثًا: منعت الوثيقة إعدام الأطفال مهما ارتكبوا من جرائم.. وهذا أمر غاية في الإنسانية.. ومن ذا الذي يقبل أن يعدم طفل غير مكلف؟

 

.. ولكن..

إذا ارتكب "طفل" عمره 17 سنة جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد فلن يعاقب بالقتل حتى لو كان ضحاياه بالعشرات.. لأنه "طفل"!!..

 

وإذا أحرق "طفل" لديه من العمر 17 سنة منشأة أو خرب وأتلف ممتلكات غيره فلن يعاقب حتى بالسجن.. لأنه "طفل"!!..

 

وما حاق بمصر في الفترة الأخيرة من تغرير بالـ"أطفال" واستغلالهم  في أداء أعمال بلطجة التي أنّ منها الشعب المصري الشريف كله.. ثم.. يفرج عن هؤلاء "الأطفال" ليعاودوا الكرة مرة أخرى قتلاً وحرقًا وتخريبًا وإتلافًا لهو العبث بعينه.. فأين حقوق المجتمع من هؤلاء "الأطفال" ذوي الـ  18 سنة أو أقل بقليل؟

لا شك أن بالوثيقة توصيات رائعة لا يختلف عليها اثنان ولا يتناطح فيها عنزان.

 

.. ولكن..

لعديد منها تم دس السم في عسلها بوضع مصطلحات جذابة خادعة ذات مسميات تحتاج مراجعة وتمحيصًا.. مصطلحات يجب تحريرها وتفنيدها قبل الخديعة ببريقها وألوانها، العديد منها يوجد بشريعتنا ما هو خير منها، والعديد منها يخفي وراءه أغراضًا تهدف إلى نقل مرارةـ وليست حلاوة ـ مدنية الغرب إلينا، عبر تقريب أيديولوجيات وتغريب ثقافات وتغيير معتقدات وعادات.. وهنا الخطر الذي يجب أن نتنبه إليه.

 

وللحديث بقية.. ففي جعبة الوثيقة الكثير من الهموم الشرعية.

 

استشاري اجتماعي وتربوي