فى مشهد كارثى، وفى دلالة واضحة على ضياع المسلمين وتشتت شملهم -حمل أب سورى فلذة كبده ليواريه التراب بعد موته مجمدًا جائعًا؛ إذ لم تمتد إليه يدٌ مسلمة تكسوه من عرى أو تطعمه من جوع، دفن الأب ابنه ولسان حاله يقول: اللهم اقتص ممن قتل ابنى، واجعل دمه لعنة على حكام المسلمين ومترفيهم، وعلى العجزة الصامتين..



كما صدمتنا أيضًا مشاهد السوريين المنكوبين فى معسكرات الإيواء بلبنان وتركيا، والتى نقلتها الفضائيات إلى الدنيا بأسرها، وقد بدت هذه المعسكرات فى حالة مزرية لا تصلح لسكنى الأنعام فضلا عن المرضى والأطفال الصغار الذين جمدتهم الثلوج وهم يتنقلون فى الطين والوحل بين الخيام حفاة عراة لا ناصر لهم من أبناء جلدتهم الذين مات كثيرون منهم من أثر التخمة والعب من الشهوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.



وما يزيد من حجم المأساة أن حكامنا (وكلاء الغرب والصهاينة فى المنطقة) أغلقوا أبواب رحمة الله على عباده المعوزين والمضارين، بعدما وضعوا الإخوان فى السجون، وقتلوهم وطاردوهم وصادروا أموالهم، ومنعوا تواجدهم على الساحة من أجل القيام بأى عمل خيرى ولو كان إنقاذ ضحايا بلد عربى مسلم مما ابتلوا على يد حاكم مجرم على شاكلة هؤلاء الحكام..



إننا من هذا المنبر نستحث المسلمين فى كل مكان على نصرة إخوانهم، ومد يد العون والإسعاف لهم، ومشاطرتهم مصائبهم وأتراحهم، وإلا فالجميع آثمون، بل قد يخرجنا هذا التقصير من الملة.. «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم».



 إن حرب الحكام (الأشاوس) -وعلى رأسهم الانقلابيون الدمويون-  لأعمال البر، ومحاولات تعطيلهم لمبدأ التكافل بين المسلمين -مثلما يقومون به من حصار غزة وخنق أهلها- لا يعفينا من المسئولية، والمجال هنا لا يتسع للاستشهاد بالآيات والأحاديث لإثبات ذلك، غير أن الإجماع على أنه: (امرأة فى المشرق سبيت، وجب على أهل المغرب افتداؤها ولو أتى ذلك على كل أموال المسلمين)، فما بالك بالآلاف يموتون جوعًا وقهرًا، وفى بلاد غربة وأجواء قلاقل وخوف، وقد كانوا -قريبًا- أصحاب أملاك ومتاع وذوى أصول وشرف؟!
وإننى أخاطب الهيئات والجمعيات، قبل الأفراد، أن يسارعوا إلى هذا الواجب، وأن يتعانوا فيما بينهم، وألا يدخروا وقتًا ولا جهدًا ولا مالا فى سبيل هذه المهمة التى أراها (جهاد الوقت) و(واجب الساعة)، وإنا إن فرطنا فى مثل هذه المهمة فسوف يلحقنا التفريط فى شتى أمورنا وكافة مهماتنا، وسنكون ممن قال الله فيهم {لٌمّ تّقٍولٍونّ مّا لا تّفًعّلٍونّ (2) كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ پلَّهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ} [الصف: 2، 3].



ورغم ما يتعرض له الإخوان فى مصر من محن، فإنى على ثقة أنهم سيبذلون ما استطاعوا لهذا الأمر، وسوف يبحثون عن وسائل وآليات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، سواء من داخل مصر أو من خارجها، ذلك لأن قضية نصرة العالم الإسلامى ودعم الأقليات المسلمة تعد من الثوابت فى فكر الجماعة ومن عقائد الدين.. جاء فى القانون الأساسى لجمعية الإخوان المسلمين الصادر فى عام 1930م، والمعدل فى عام 1945، أن (الإخوان المسلمون) هيئة إسلامية جامعة، تعمل لتحقيق الأغراض التى جاء من أجلها الإسلام الحنيف.. ومن هذه الأغراض: تحرير وادى النيل والبلاد العربية جميعًا، والوطن الإسلامى بكل أجزائه من كل سلطان أجنبى، ومساعدة الأقليات الإسلامية فى كل مكان، وتأييد الوحدة العربية تأييدًا كاملا، والسير إلى الجامعة الإسلامية».



وفى رسالة (إلى أى شىء ندعو الناس؟) كتب الإمام المؤسس -لتأكيد هذا المعنى- يقول:


«أما الثمرة الثانىة فإن الأخوة الإسلامىة جعلت كل مسلم ىعتقد أن كل شبر من الأرض، فىه أخ ىدىن بدىن القرآن الكرىم، قطعة من الأرض الإسلامىة العامة التى ىفرض الإسلام على كل أبنائه أن ىعملوا لحماىتها وإسعادها، فكان من ذلك أن اتسع أفق الوطن الإسلامى وسما عن حدود الوطنىة الجغرافىة والوطنىة الدموىة إلى وطنىة المبادئ السامىة والعقائد الخالصة الصحىحة، والحقائق التى جعلها الله للعالم هدى ونورًا، والإسلام حىن ىُشعر أبناءه بهذا المعنى وىقرره فى نفوسهم ىفرض علىهم فرىضة لازمة لحماىة أرض الإسلام من عدوان المعتدىن، وتخلىصها من غصب الغاصبىن، وتحصىنها من مطامع المعتدىن».



ومن أجل تنظيم دور الإخوان فى دعم ومناصرة العالم الإسلامى، تأسس لذلك قسم داخل الجماعة أطلق عليه (قسم الاتصال بالعالم الإسلامى)، وذلك عام 1944م، وقد نصت لائحته فى مادتها الأولى على: «العمل على ربط الأقطار الإسلامية بعضها ببعض، وتوحيد السياسة العامة لها، والعمل على تحرير هذه الأوطان من كل سلطان أجنبى..


والمقصود من تحرير هذه الأوطان، هو تحريرها من كل قيد سياسى واقتصادى وعسكرى وثقافى واجتماعى؛ بدرء أى عدوان داخلى أو خارجى على حق من حقوقها السياسية والاجتماعية»..



وقد أدى انتشار دعوة الإخوان خارج مصر، فى أكثر من سبعين بلدًا، بعد توديع أعضائها المعتقلات منذ بداية السبعينيات.. إلى انطلاقهم لمناصرة إخوانهم فى شتى أرجاء العالم، بالقول والعمل، وقد انتظم لذلك العديد من الهيئات والمنظمات الإغاثية الإسلامية، التى تمد يد العون لكل مسلم محتاج، وتدعم كل قضية من قضايا المسلمين حول العالم.. رأينا ذلك واضحًا فى حرب الأفغان ضد الروس، وقد قاد الإخوان جهود الإغاثة الإنسانية فى طول البلاد وعرضها، وأسهموا بالجانب الأكبر فى تنظيم الساحة الجهادية وإدارة عمليات المقاومة وتوزيع أدوارها بين المجاهدين.. كما رأينا  ذلك فى الجهود الإغاثية الكبيرة فى البوسنة والهرسك، وكيف استطاع الإخوان حشد أعداد هائلة من شبابها المجاهد تولوا عمليات الإنقاذ والإجلاء لمن أصابتهم لعنة الحرب فى هذا البلد الأوربى، وقد نجحوا نجاحًا باهرًا فى إغاثة المهجّرين وتأهيل ضحايا الحرب من المسلمين، هذا بخلاف الجهود الداخلية للتعريف بالقضية، وعقد المؤتمرات لها وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات من أجلها، وجمع التبرعات، وغيرها كثير من وسائل الدعم. والأمر نفسه -من قبل ومن بعد- ينطبق على أهالينا فى غزة الأبية وغيرها من قرى ومدن فلسطين المباركة.