هلل بعض المسئولين الحكوميين لانخفاض أسعار البترول، باعتبار مصر دولة مستوردة للبترول، مما سيؤدي إلى انخفاض تكلفة الواردات البترولية، الأمر الذي يقلل العجز بالميزان التجاري، كما أنه من ناحية أخرى يقلل من نفقات دعم المنتجات البترولية، مما يقلل العجز بالموازنة.

 

وبالرجوع إلى بيانات العام المالي الأخير 2013/2014 نجد أن قيمة الواردات البترولية قد بلغت 5ر13 مليار دولار، رغم أن الميزان التجاري يقول إنها 6ر12 مليار دولار فقط، لكنه لم يضف واردات البترول الخام البالغة 2 مليار دولار. وباحتساب نسبة 55% انخفاضًا متوقعًا لقيمة تلك الواردات في حالة استمرار السعر المنخفض الحالي، نصل إلى وفر 4ر7 مليار دولار.

 

ولكنه على الجانب الآخر يجب أن نذكر أن قيمة الصادرات البترولية قد بلغت خلال نفس العام المالي 5ر12 مليار دولار، وباحتساب نسبة انخفاض 55% بها، تصل الخسارة بقيمة الصادرات البترولية إلى 9ر6 مليار دولار.

 

وبحساب الفرق بين الوفر في قيمة الواردات البترولية، والخسارة في قيمة الصادرات البترولية، يصل الوفر إلى 530 مليون دولار، وهو ما يقل عن قيمة الواردات البترولية الشهرية للبلاد.

 

وبالطبع هذه أرقام تقريبية لتوضيح الموضوع فقط، حيث يصعب تكرار استيراد وتصدير نفس الكميات من الخام والمكرر بالعام المالي الحالي، لكنه يجب أن يؤخذ في الحسبان أن العام المالي الماضي تضمن معونات بترولية ضخمة من دول الخليج تشمل البترول الخام والمشتقات، وهي كميات لم تتكرر بنفس الكمية خلال العام الحالي، مما يزيد من فاتورة الواردات البترولية عن العام المالي الماضي.

 

الأمر الآخر أن العام المالي الماضي لم يشهد استيراد غاز طبيعي، بينما سيشهد العام المالي الحالي استيراد شحنات من الغاز الطبيعي، وبالتالي فإن المحصلة الإجمالية للميزان البترولي بعد خفض السعر ستكون سلبية، على اعتبار أن معظم صادراتنا البترولية من الخام، بينما غالب وارداتنا البترولية من المشتقات والتي تعد أعلى تكلفة من الخام.

 

وبصرف النظر عن أن قيمة الصادرات البترولية غير حقيقية، حيث نقوم بشراء حصة الشريك الأجنبي ونعتبر ما أنتجه صادرات مصرية، في حين أن قيمتها تدخل في جيبه.

 

ومن الآثار السلبية لانخفاض سعر البترول على مصر، انخفاض الاستثمارات البترولية نتيجة تدني السعر، كما يؤدي انخفاض موارد دول الخليج من تصدير البترول إلى قلة استثماراتهم الخارجية عمومًا، وهو ما سينعكس على مصر.

 

كما سيؤدي تضرر دول الخليج إلى انخفاض المعونات التي يقدمونها للدول الأخرى ومنها مصر، مما أدى إلى الاتجاه لطرح سندات مصرية بالأسواق الخارجية بنحو مليار ونصف المليار دولار مما يزيد من الدين الخارجي المصري، كما يشجع انخفاض سعر الوقود كثير من السفن على سلوك طريق رأس الرجاء الصالح، بدلاً من عبور قناة السويس.

 

ولقد شهدنا تأثير انخفاض سعر البترول على روسيا وتراجع سعر صرف الروبل الروسي، مما أدى لتراجع أعداد السياح الروس القادمين لمصر، خاصة وأن السياح الروس يمثلون حوالي ثلث عدد السياح القادمين لمصر، مما يقلل الإيرادات السياحية المصرية، وهو ما ينطبق أيضًا على السياحة القادمة لمصر من دول الخليج العربي.

 

كما يمكن أن يؤدي العجز في موازنات بعض الدول الخليجية، إلى تأثر أجور المصريين العاملين بتلك لدول مما يقلل من قيمة تحويلاتهم لمصر، كما يؤثر على إمكانية استقدام عمالة مصرية جديدة، ولعل النموذج الليبي يمثل دليلاً عمليًّا.

 

وهكذا يؤدي انخفاض الموارد من العملات الأجنبية، من الصادرات البترولية والاستثمار الأجنبي والمعونات والسياحة، إلى انخفاض الاحتياطيات من النقد الأجنبي، والضغط على سعر صرف الجنيه المصري، مما يقلل من قيمته أمام الدولار الأمريكي، الأمر الذي يزيد من تكلفة الواردات السلعية وزيادة معدلات التضخم محليًّا.

 

أما بالنسبة لانخفاض قيمة دعم المنتجات البترولية نتيجة انخفاض سعر البترول، فإن هذا يقابله انخفاض الإيرادات الضريبية من شركات البترول ومن شركات السياحة، وزيادة أعباء الدين الخارجي من فوائد وأقساط.

 

وانخفاض المنح الخليجية نتيجة ظروف الدول الخليجية وهي المنح التي كانت قد بلغت حوالي 96 مليار جنيه بالعام المالي الماضي، ولم تتكرر خلال الشهور الخمسة الأولى من العام المالي الحالي، ولا يتوقع تكرارها في باقي شهور العام المالى الحالي.