تبدو المفارقة مثيرة للغاية أن يستضيف النظام المصري وفوداً من المانحين، يتسول منهم ما يزعم أنه لتحقيق تنمية في مصر، على أرض سيناء التي يمارس ضدها النظام ذاته حرب تهجير وتدمير، ويفرض عليها قحطاً في التنمية، منذ سقطت القاهرة في فخ التسوية مع الصهاينة، بالأمر الأميركي المباشر.


كانت شرم الشيخ طوال فترة وجود حسني مبارك حاكماً لمصر، برتبة كنز استراتيجي لإسرائيل، العاصمة السياسية الفعلية لمصر، عاصمة بلا مواطنين، وبلا أي تصور لصناعة مجتمع حقيقي فيها، فقط فندقاً كبيراً للوفود السياحية والسياسية، تحدّه مجموعة من القصور لمبارك والعائلة.


كانت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 اللحظة التي شعر الناس معها بعودة القاهرة، عاصمة لمصر والعرب، وأذكر أني قلت وقتها إن ميدان التحرير هو عنوان المستقبل الجميل، وشرم الشيخ هي عنوان الماضي الكئيب.


قبل ثورة يناير بأربعة أيام، علقت على تساؤل قادم من لبنان، حين كان يواجه واحدة من أزماته الطائفية/الإقليمية الطاحنة: أين مصر؟ وكتبت، وقتها، لمن يسألون عن مصر إنها موجودة، لكنها هربت من بيتها وتاريخها، واستقرت هناك في شرم الشيخ، تركت البيت واستقرت في الشاليه، هجرت السياسة واختارت السياحة.


باختصار: مصر ضجت من دورها وحجمها ووزنها، وقررت أن تعيش لنفسها فقط، تعيش اللحظة وحسب، غير مهتمة بالنظر إلى الوراء، فتخجل من تاريخها وإرثها، وغير راغبة في النظر إلى الأمام، فتنشغل عن الاستمتاع باللحظة. ولأنها استبدلت ببراح بيتها الدافئ الواسع ذي السقف العالي، هذا الشاليه المكشوف البارد الضيق ذا السقف المنخفض، فقد انخفض سقف أحلامها، وهبط حجم علاقاتها، وتضاءل تأثيرها في ما يجري حولها، وطلبت من صديقي اللبناني الذي سأل أن ينقل اعتذار الشعب المصري للأشقاء اللبنانيين، مع وعد بالاتصال بهم فور عودة مصر من شرم الشيخ.


والآن، تعاود مصر الرحيل إلى "شرم الشيخ مبارك"، تعرض نفسها مجدداً على النظام الدولي، كمحطة سياحية استثمارية، لا سياسية، تقدم نفسها ملعباً، لا لاعباً أو فاعلاً، تفتح درجها، وتنتظر من كل زائر أن يلقي لها بما يجود به. وعلى بعد خطوات من المهرجان الدولي للأرز، بجميع أنواعه، تتعرض مناطق سيناء للقصف والتهجير والمحو من الوجود، تهدم البيوت على رأس أصحابها، ويعود مصريو سيناء إلى التصنيف الطبقي العنصري المقيت "بدو سيناء"، ثم بعد ذلك يتساءلون في بلادة عن الإرهاب، على الرغم من أنهم يصنعونه، وينتهجون كل السياسات والإجراءات الغبية، الكفيلة بتنمية العنف، وتغذية التطرف.


من شرم الشيخ قالها وزير الخارجية الأميركي عفو الخاطر" يجب أن نعمل جميعاً من أجل مستقبل إسرائيل"، قبل أن يستدرك متذكراً أن الاجتماع مخصص لمساعدة نظام الحكم المصري الذي يعيش في كنف الرضا الإسرائيلي، مفاخراً بأنه على تواصل وتشاور مستمرين مع رئيس حكومة الكيان الصهيوني، بل إن رأس النظام كان قد ذهب أبعد من "غفوة جون كيري"، وأعلن، وهو في كامل استفاقته قبل شهور، حرصه على أمن إسرائيل، ثم مضى بعدها مظهراً كل العداء وكل الكراهية لمن يقاومون إسرائيل.


يعرف صاحب الدعوة جيداً ماذا يحب أن يسمع المدعوون، يغنّي لهم نشيد "الحرب على الإرهاب"، ويطمئنهم على سلامة إسرائيل، وهو موقن أنه بالإمكان أن يحصل على الهدايا والعطايا في أغرب احتفالية دولية بمن نفذ جريمة ضد الديمقراطية وضد الإنسانية، وضد التنمية، بوصفها نشاطاً يستهدف تحسين حياة البشر، لا قتلهم وحرقهم.

---------

*    نقلاً عن العربي الجديد