بقلم: عبده مصطفى دسوقي*

حلَّ شهر نوفمبر على العالم الإسلامي وسط أحداث عظيمة، وتطورات خطيرة، ومتغيرات شهدتها ربوع العالم الإسلامي.

 

فبعد السُّعَار والهجوم الشديد من دول الغرب على العالم الإسلامي والإسلام، ومحاولة وقف الزحف الإسلامي الذي بدأ يجتاح كل مناطق العالم.. في زخم كل هذه الظروف لا ننسى دعاةً وقادةً أبلَوا في سبيل الإسلام، وضَحَّوا بكل غالٍ ورخيصٍ من أجل إعلاء كلمة الحق المبين، ومن هؤلاء العظام الذين رحلوا عنا في شهر نوفمبر المجاهد الصبور المستشار حسن الهضيبي، والشيخ عبد الحليم محمود، والأساتذة عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، ويوسف طلعت، وإبراهيم الطيب، وهنداوي دوير، ومحمود عبد اللطيف، وغيرهم الكثير..

 

وفي هذه التطوافة نعيش مع بعض ما قدموه في خدمة الإسلام والمسلمين:

المستشار حسن الهضيبي

 الصورة غير متاحة

 المستشار حسن الهضيبي

ولد الأستاذ حسن الهضيبي عام 1891م= 1309هـ في قرية عرب الصوالحة، مركز شبين القناطر، وحفظ القرآن وهو صغير، والتحق بالأزهر ثم تركه، والتحق بالمدارس المدنية ثم بالمدرسة الخديوية الثانوية، وحصل على شهادة البكالوريا عام 1911م، ثم التحق بكلية الحقوق- وكان شديد الحبِّ لمصطفى كامل- وبعد تخرُّجِه عام 1915م عمل محاميًا، وظلَّ كذلك حتى التحق بالسلك القضائي عام 1924م، وتنقَّل من مكان إلى آخر، فعمل بقنا 1933م، ولقد تدرَّج في المناصب القضائية، من مدير إدارة النيابات، إلى رئيس التفتيش القضائي، فمستشارًا بمحكمة الاستئناف، ثم مستشارًا بمحكمة النقض، وظل بها حتى استقال عام 1951م، عندما اختير مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين في 17 أكتوبر 1951م، وتعرَّض بعدها للمِحَن وظل ثابتًا على دينه حتى لقِيَ ربه راضيًا مرضيًّا يوم 14 شوال 1393هـ= الموافق 11 نوفمبر 1973م، تغمَّده الله بواسع رحمته.

 

عمل مستشارًا خاصًّا للأستاذ حسن البنا، وكان لا يعرفه سوى خاصة الخاصة من الإخوان المسلمين؛ حيث كان منصبه في القضاء يحرِّم عليه العمل في السياسة، لكن لم يحرمه ذلك من دعم الجماعة ومساهمته في شراء دار المركز العام، كما أنه أوْعَز إلى عشيرته بإنشاء شعبة للإخوان المسلمين في قريتهم بعرب الصوالحة وما جاورها من القرى، وكان له في العناية بأُسَر المعتقلين جهودًا مُضنيةً، وكان قلبه يحترق وهو يرى مدَى العنَت والاضطهاد الذي وقع على إخوانه- خاصةً بعد حلِّ الجماعة في ديسمبر 1948م- فعمد إلى الاعتناء بأسرهم.

 

وقد دافع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، كما اعترض على مشروع تنقيح القانون المدني المصري عام 1945م، وسجَّل مقولته: "لأن هذا المشروع لم يقُم أساسًا على الكتاب والسنة.. كما أنه طالب بتطبيق الشريعة عام 1947م" (الإسلام والداعية- مرجع سابق صـ15: 18).

 

وقد ذكر مصطفى أمين تحت عنوان (فكرة) قوله: "ولاحظت وأنا أتحدث إلى الهضيبي أنه رجل قليل الكلام، تتوهَّم أنه صارم بينما هو رجل رقيق هادئ، فيه طيبة ممتزجة بالذكاء الحادّ قويّ الملاحظة.." (الأخبار العدد 10630 السنة 34- 6 شوال 1406هـ= الموافق 12/6/1986م) تعرض وأهله للاعتقال والتعذيب بعد حادث المنشية عام 1954م، وحُكم عليه بالإعدام ثم خُفِّف عنه الحكم وظل صابرًا محتسبًا راجيًا رضا الله، وعندما سئل بعد تخفيف الحكم عليه عن شعوره قال: "شعوري كرجل قام من حجرة الجلوس ليذهب إلى حجرة النوم" ولا ننسى موقفه عندما تصدَّى لفكر التكفير الذي نشأ من جرَّاء التعذيب الشديد داخل سجون عبد الناصر وأخرج كتاب (دعاة لا قضاة).

 

وفي 15 أكتوبر 1971م أُفرج عنه وظل ثابتًا على طريق دعوته حتى وافته المنية في 14 شوال 1393هـ= 11 نوفمبر 1973