"امشي في طريق الخير.. بلاش تروح النار.. إنت عارف ومتأكد أنهم أبرياء.. بلاش تاخد وزر وذنب 40... حتروح منهم فين يوم القيامة..؟! كفاية ظلم.. أشغالهم اتعطلت، وفلوسهم ضاعت، وأسر هم اتشتتت، وبرامج حياتهم انهارت.. لسه قدامك فرصة تعمل حاجة صحّ.. ما تسمعش كلام حد حتى لو هددوك بالأذى.. بلاش تظلم أهلنا.. بابا ما عملش حاجة غلط.. ساعات بحس إنك جنتل وساعات بحس إنك شرّير وححكم عليك بعد ما تحكم على بابا".

 

هذه رسائل قصيرها وبرقيات سريعة، بعثها أولاد 40 إصلاحيًّا مدنيًّا إلى قاضي المحكمة العسكرية قبل ساعات قليلة من جلسة النطق بالحكم في القضية العسكرية لقيادات الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم النائب الثاني للمرشد العام المهندس خيرت الشاطر، بعد مرور أكثر من عام على اعتقالهم، وبعد عناء وعذاب الأهالي والأطفال ورحلاتهم المكوكية، بين سجن مزرعة طرة وقاعات محاكم الجنايات في التجمع الخامس والقضاء الإداري وأخيرًا قاعة المحكمة العسكرية في طريق القاهرة إسماعيلية الصحراوي، وبعد العديد من المؤتمرات والنداءات والفعاليات التي تدافع عن حقِّ هؤلاء الشرفاء في الخروج من وراء القضبان، وحقهم في استعادة مكانتهم الاجتماعية ووظائفهم المرموقة وأموالهم السليبة.

 

وفي اللحظات الأخيرة قبل النطق بالحكم وَجَدَ الأطفال الصغار من أولاد المحالين للعسكرية  أن قلوبهم تحمل من الكلمات والمعاني ما يريدون أن يبلغ أسماع رئيس المحكمة.

 

الكلمات الرقيقة خرجت من قلوب الصغار قبل أن تخرج من أفواههم.. كلمات تحمل حكمةً تفوق أعمارَهم بأعمار، يدفعون الظلم عن آبائهم بأيديهم الصغيرة، ويعبِّرون بأحرف من نور عن الحق الذي يرونه ويشعرون به، يأخذون بيد المخطئ ويوجِّهونه ويحذِّرونه من مغبَّة الظلم.

 

لقد اختار الصغار أن يرسلوا رسائل مباشرة في لقائهم بـ(إخوان أون لاين) إلى رئيس المحكمة العسكرية، يناشدونه فيها تحرِّيَ الحق، مؤكدين أن قدرَ الله نافذٌ لا محالة في الحاكم والمحكوم، فيمن خلف القضبان ومن أمامها، يؤكدون أنهم اختاروا الجنة ويريدونها لآبائهم وحتى للآخرين.

 

الصغار تتراوح أعمارهم بين ستة أعوام واثني عشر عامًا، ولكنهم استطاعوا أن يقولوا ما لا يستطيع بعض الكبار قوله، ولسان حالهم جميعًا يقول: "اللهم بلَّغْنَا.. اللهم فأشهد".

 

 الصورة غير متاحة

معاذ أحمد شوشة

"امشي في طريق الخير.." هذه هي العبارة التي استهلَّ بها معاذ أحمد شوشة (11 سنة) رسالته إلى رئيس المحكمة، ثم تابع حديثه قائلاً: "بلاش تروح النار، أنا صحيح صغير لكن كل اللي كنت باسمعه في المحكمة من المحامين بيأكد أن بابا والناس اللي معاه معملوش حاجة غلط، كل كلمة معناها أنهم أبرياء من التهم اللي حبسوهم بسببها، وأنا متأكد أن أنت كمان يا سيادة القاضي عارف ومتأكد أنهم أبرياء، وبأتمنى أنك تكون عندك الشجاعة أنك تقول كلمة الحق وتحكم بالحق"، واستشهد بقول الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42)) (إبراهيم).

 

وناشد معاذ القاضي بقوله: "القضية دي اتظلم فيها 40 واحد، بلاش تاخد وزر وذنب الأربعين دول كلهم، ده انت لو ظلمت واحد بس ممكن ما تعرفش تنام بالليل، إمَّال لو ظلمت العدد ده كله حتهرب منهم فين يوم القيامة؟!".

 

كفاية ظلم

ويكمل: "كفاية ظلم السنة ونص اللي فاتوا، كفاية أشغالهم اللي اتعطلت، وفلوسهم اللي ضاعت، كفاية الأسر اللي اتشتتت، وبرامج حياتهم اللي انهارت، بلاش المسرحية السخيفة دي تطول أكتر من كده، وكفاية الإعلام اللي ظلمنا وقال علينا كلام كله ظلم وافترا".

 

ويوصي رئيس المحكمة بقوله: "عندك فرصة أنك تاخد ثواب رفع الظلم عن مظلوم، وعندك فرصة أنك تعمل الحاجة الصح اللي المفروض تعملها"، ويتابع معاذ: "القاضي شكله طيب، وعندي أمل كبير أنه يحكَّم ضميره ويدِّيهم كلهم براءة، ومهما كان الحكم إحنا كلنا صابرين ومحتسبين عند ربنا سبحانه وتعالى".

 

لو كنت مكانهم

 الصورة غير متاحة

أحمد ضياء فرحات

ويقرب أحمد ضياء فرحات (12 سنة) الصورة التي يعيشها الأهالي والمعتقلون من ذهن رئيس المحكمة بقوله: "لو كنت أنت يا سيادة القاضي اللي معتقل شعورك كان حيبقى إيه؟ وولادك إحساسهم إيه.. أما يكونوا محرومين منك؟! طاب لو أتحكم عليك بالسجن ظلم كنت حتتمنَّى إيه وحتدعي بإيه على اللي ظلمك؟!".

 

ويستطرد: "أنت بكلمة ممكن تحبس الناس دول كلهم وتحرم ولادهم منهم، وبكلمة ممكن تطلَّعهم، والكلمة دي أنت مش بتحكم عليهم هما بس بيها، لكن بتحكم على نفسك كمان، شوف انت عاوز الجنة ولا النار، وأعرف وأنت بتنطق الحكم إن الحكم ده أنت بتحكم بيه على نفسك قبل ما تكون بتحكم بيه عليهم".

 

ويصف أحمد رئيس المحكمة بقوله: "أما باشوفه باحس فيه بروح طيبة، وأنه مفيش في إيده حاجة يقدر يعملها، ولو كان هو فعلاً اللي بيحكم بحق وحقيق كان حيساهم في الإفراج عنهم مش حبسهم؛ لأني باحس أنه جوه قلبه مش عاوز يأذي".

 

وينصحه بقوله: "أنا بأنصحه أنه ما يسمعش كلام حد وحتى لو هددوه أنهم يأذوه برضه لازم يخاف على آخرته ويحضر لها أكتر من دنيته، عشان الدنيا كده كده حتخلص والآخرة جاية ومش حتخلص".

 

اتق الله

 الصورة غير متاحة

عاصم وعامر نجلا محمود المرسي

ونفس المعنى يؤكد عليه عاصم محمود المرسي (10 سنوات) والذي استهلَّ رسالته لرئيس المحكمة بقوله: "اتق الله".

 

ثم يتابع: "حرام عليك تظلم أهلنا، وبلاش تسمع كلام حد، مش مهم الدنيا، ومش مهم المنصب، المهم حسابك عند ربنا، أنا متأكد أنك عارف أنك لو حكمت عليهم تبقى بتعمل حاجة غلط، وأنا سمعت أنك سافرت عمرة أو حج، وده معناه أنك بتحب ربنا وبتخاف منه، بس أهم من العمرة والحج أنك ما تظلمش وما تأذيش، وإذا كان فيه حد ممكن يأذيك فكّر ربنا ممكن يعمل معاك إيه؟"!!.

 

عايز بابا

أما الصغير عامر محمود المرسي (6 سنوات) فقد اختصر طلبه من رئيس المحكمة في كلمات قليلة: "أنا عاوز بابا يخرج من الحبس، وما تأجلش الحكم كتير عشان يخرج بسرعة وأطمّن عليه".

 

وبنفس البساطة عبرت صفية محمود أبو زيد (10 سنوات) عما تودّ أن تقوله لرئيس المحكمة الذي تطلب منه ببراءة ما تريد بقولها: "بلاش تحبس بابا، عشان هو ما عملش حاجة غلط، وأنت شكلك طيب وأنا عارفة أنك مش عاوز تظلمنا أو تظلم بابانا".

 

بابا خارج خارج

أولاد جمال شعبان متأكدين من براءة والدهم، حتى إنهم يقولون لزملائهم في المدرسة طوال الوقت: "بابا خارج.. خارج" ويقول خالد (11 سنة): "إحنا خلاص عملنا حسابنا أن بابا حيخرج وحيرجعلنا يوم الخميس؛ لأنه مكانه الطبيعي معانا هنا في البيت، وإوعى يا قاضي ما تحكمش ببراءته أصحابنا كلهم عارفين أنه بريء وإننا مستنيينه يوم الخميس، احكم يا قاضي بحكم ربنا مش بحكم حد تاني".

 

بينما ردد عمرو (10 سنوات): "إحنا حاسين أننا كلنا حاجة واحدة، وأنا مش حاقبل أن بابا يخرج وحد تاني ما يخرجش، يا إما يخرجوا كلهم.. يا إما يقعدوا كلهم، وانت يا قاضي لو بابايا وأنا ابنك فأنا حأخاف عليك من الظلم وحأقولك نفذ شرع الله".

 

 الصورة غير متاحة

سارة أيمن وإشارة بعلامة النصر

أما إسراء (14 سنة) فتقول: "إحنا عايشيين في إسكندرية ومش بنقدر نزور بابا كتير، فكفاية علينا كده بقى يا قاضي وخاف ربنا وأحكم بالبراءة".

 

واقتصر طلب سارة أيمن عبد الغني (9 سنوات) على ترديد كلمة "أنا عاوزة بابا يخرج.. أنا عاوزة بابا يخرج" وبعد أن رددتها مرارًا أضافت: "بابا بقاله كتير بعيد عننا، وهو وحشنا أوي وعاوزينه يرجع يعيش تاني معانا".

 

بينما أكد حمزة حفيد المهندس خيرت الشاطر (5 سنوات) أنه يرفض أن يخرج "للفسحة" بدون جده، يقول حمزة: "أنا عاوز جدو وعمو أيمن يخرجوا عشان نعرف نتفسح معاهم، عشان إحنا مش بنكون مبسوطين لما بنخرج من غيرهم، أنا عاوزهم يخرجوا بكرة على طول وأتفسح تاني معاهم، أنا بانبسط بس لما بيكونوا معانا".

 

 الصورة غير متاحة

ولاء وإيمان في انتظار والدهما

وبدأت ولاء أحمد أشرف (8 سنوات) كلماتها للقاضي بعبارة كبيرة على سنها فقد قالت: "يا قاضي.. كما تُدين.. تُدان" ثم تابعت: "أنت لو حبست بابا واللي معاه مش حتستفيد حاجة، وإذا عاقبتهم عقاب ربنا ليك حيكون شديد".

 

أما توأمتها إيمان فقالت: "أيها القاضي.. أرجوك رجع أبي، وبلاش تُحاكم أمام الله".

 

وهو ما وافقتهم عليه سارة محمد حافظ (8 سنوات) والتي قالت:"ربنا شايفك.. ولازم تقول الحق.. الظلم غلط.. وحرام تظلم من غير دليل".

 

أما الصغير محمود محمد حافظ (5 سنوات) فقد قال لرئيس المحكمة: "لو ما سبتش بابا حتروح النار، عشان بابا ما عملش حاجة غلط".

 

وجاءت كلمات يوسف سعيد سعد (6 سنوات) أكثر قوةً عندما قال: "يا قاضي.. أنت مش بإيدك حاجة، وما تقدرش تأذي بابا عشان ربنا هو اللي بيحفظه، وأنا مش باخاف منك، بس أنا كمان مش باحبك، وعاوز بابا يخرج من الحبس ويعيش معانا زي زمان".

 

حاسب نفسك

 الصورة غير متاحة

 يا رب فك الكرب.. أروى تدعو لعمها ضياء فرحات

أروى فرحات (10 سنوات) تتحدث بلغة ونضج أكبر من سنها بكثير عندما تخاطب رئيس المحكمة بقولها: "أنت لو حتحكم حكم عادل وواثق أنه الحق وأنه يرضي ربنا، ربنا حيوفقك، أعمل اللي جوّه قلبك وأشهد بالحق اللي أنت شايفه قدامك، وحاسب نفسك، واتأكد قبل ما تنطق بكلمة واحدة.. أنت مصدق الحكم ده ولا ده من الورقة اللي قدامك؟!".

 

ولم يقتصر طلب عائشة حسن مالك (10 سنوات) على والدها أو ما يخصها، ولكنها طلبت البراءة لكل المعتقلين.. تقول عائشة: "يا قاضي.. هاتلنا العدالة كلنا وما تظلمش حد، ولازم تعرف أنك لو حكمت على حد بالبراءة وحد تاني حبسته، اللي حيخرج ده عمره ما حيكون فرحان أنه خرج؛ لأنه عاوز الباقيين كلهم يخرجوا زيه، فمن فضلك فرَّحنا كلنا ورجَّعلنا آباءنا، ولازم كل يوم ترجع فيه البيت وتشوف ولادك وتشوف فرحتهم بيك، تفكر في كل الأولاد اللي اتحرموا من باباهم ومستنيينهم يرجعوا".

 

 الصورة غير متاحة

عائشة حسن مالك تهتف ضد الظلم

ولكن أخاها أنس حسن مالك (11 سنة) كان أكثر واقعيةً، وأقلَّ تفاؤلاً عندما قال: "يا قاضي أنا نفسي أنك تديهم كلهم براءة.. بس لو مش حينفع ولازم تحكم عليهم.. عشان خاطري أحكم حكم خفيف، أنا ساعات كتير باحس أنك "جنتل" وساعات باحس أنك شرير جدًّا بس الأكتر باحس أنك شرير، وحأعرف شخصيتك الحقيقية بعد الحكم"!!.