م. سعيد سعد

في إحصاءاتٍ دوليةٍ وُجد أن مصر من أكثر الدول فسادًا في العالم، ويُقصد بالفساد السياسي والمالي، وقد قامت أجهزة معنية في مصر بحصر هذا الفساد فحصروه ظلمًا في فساد الموظَّفين ولم يتحدَّثوا عن فساد الساسة وكبار رجال الأعمال، والغريب أن حملة الحكومة بعد هذه الإحصائيات لم تكن على الموظَّفين الفاسدين المرتشين، بل كانت حملتهم على الأمناء المخلصين، ومن هؤلاء الموظفين الأمناء المهندس سعيد سعد.

 

فالمهندس سعيد سعد هو مدير عام للمعدات بشركة الكراكات المصرية، وهو رغم منصبه ورغم ما يُعرَض عليه من إغراءاتٍ من المقاولين لاستلام بعض الأعمال بشركته، ورغم الفساد في بيع المعدات وإصلاحها؛ إلا أنه أبى إلا أن يكون موظَّفًا أمينًا يتقي الله في عمله، ولا يتكسَّب من وظيفته حرامًا، بل الأكثر من ذلك أنه وقف ضد فساد بعض رؤسائه؛ حيث تواطأ بعض رؤسائه مع بعض المقاولين لتوريد صخور ورمال غير مطابقة للمواصفات، وبالرشوة تمت الموافقة على ذلك، ولكنه أبى ذلك، ولم يقل كلمة بعض المصريين الشهيرة "وأنا مالي" بل تصدى لرؤسائه، وكان سببًا في منع وقائع فساد كبيرة.

 

والمهندس سعيد مهندس معدات ثقيلة قسم الكراكات كما ذكرت، ولكن إذا كان صوت الكراكات مزعجًا فإن المهندس سعيد يؤنسنا بصوته في الأذكار؛ حيث تجده قبيل المغرب من كل يوم جالسًا على كرسيه مناديًا على إخوانه رافعًا صوته بأذكار المساء، ويتكرَّر الأمر كل مساء وكل صباح.

 

رغم انشغال المهندس سعيد في عمله إلا أن ذلك لم يمنعه من خدمة إخوانه المهندسين؛ فترشَّح في نقابة المهندسين الفرعية بكفر الشيخ، ولأمانته المعروفة عنه اختاروه أمينًا لصندوق نقابة المهندسين الفرعية بكفر الشيخ.

 

والمهندس سعيد أبٌ لأربعة أولاد: ابنَيْن وبنتَيْن، وقد أحسن تربيتهم جميعًا، وأما بنتاه فأدَّبهما نِعْمَ الأدب، وقد أحسن تربيتهما، وأسأل الله أن تكونا عتقًا له من النار.

 

وإن كنت ذكرتُ سابقًا أن علاقتنا مع بعضنا قد تجاوزت العلاقات الفردية إلى العلاقات الأسرية؛ فصارت أسرنا مترابطة، ولكن بالنسبة للمهندس سعيد فإن الأمر لم يقتصر على أسرته، بل امتدَّ إلى إخوته، ومن إخوة المهندس سعيد من نشعر وكأنه أخ أكبر لنا، رغم أنه لا يكبر المهندس سعيد كثيرًا؛ فهو من صلاحه وتقواه وكرمه وحسن أدبه يحضر يوم إجازته الأسبوعية ليزور أخاه في السجن، ويصر على الحضور مبكرًا ليحضر معه إفطارًا لأخيه ولنا جميعًا.. صرنا ننتظره ونشتهي ما يأتي به؛ لأننا نجد فيه الحب والألفة، وقد أسرنا الأخ بخلقه وحنوِّه، حتى إنني أنتظر يوم خروجي- إن شاء الله- لأرد إليه بعض جميله؛ وذلك إلى جانب دعائنا جميعًا له.

 

لقد أراد الله أن يدخل م. سعيد السجن وهو المدير العام الأمين الذي لم يقبل رشوةً ولم يسكت عن فسادٍ، ولكن النظام كافأه لأمانته فأحاله للمحاكمة العسكرية!!.