أ. حسن زلط

ذهبوا إليه ليقبضوا عليه بعد منتصف الليل، هجموا هجوم اللصوص على بيته، لم يجدوه فأشاعوا هربه، والحقيقية أنه كان محجوزًا في معهد القلب لعمل قسطرة لشرايين القلب لتركيب دعامات للشرايين التالفة، ولمَّا عاد إلى بيته ذهبوا إليه مرةً أخرى قبل الفجر وجاءوا به إلى السجن، لم يرحموا الرجل المريض الأستاذ حسن زلط المصاب بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم وانسداد شرايين القلب مع احتشاء تضخُّم عضلة القلب، أضف لذلك إصابته بمرض الحمرة في رجليه.

 

وجاء إلينا في محبسنا في سجن مزرعة طرة وهو يحمل حقيبة ملأى بالأدوية المختلفة، دخل علينا وشغلتنا بسمته عن ألمه، وجلست معه أستوضح حالته الطبية، فعلمتُ كمَّ الآلام البدنية في جسده، ومن قوله شعرتُ بكمِّ الإيمان والرضا في قلبه.

 

وحانت ساعة الألم بعد منتصف الليل أيضًا، وقد غُلِّقت الزنازين ونام الجميع، ولكن أ. حسن لم ينم؛ فقد فاجأته أزمةٌ قلبيةٌ وأبى أن يزعج إخوانه لولا سؤال أحد إخوانه عنه حين رآه وهو لا يستطيع الحركة ولا الكلام ولا التنفس، فأخذ يصيح بأعلى صوته ويطرق الباب بكلتا يديه، واستيقظنا كلنا وشاركنا أخانا الصياح والطَّرْق حتى جاء الشاويش وفتح الأبواب بعد أن استغرق وقتًا في الاستئذان، واجتهدنا- نحن مجموعةَ الأطباء المعتقلين- في إعطائه بعض العقاقير حتى جاء طبيب السجن وتمَّ ترحيله إلى مستشفى المنيل الجامعي بإجراءاتٍ بالغة التعقيد، ولم يمكث الرجل معنا سوى ثلاثة أيام حفر بها في قلوبنا أثر ثلاثة قرون من الحب والاحترام.

 

وإن كانت ثلاثة أيام تكفي لتتعلَّم معنى الضمير والرضا أثناء مخالطتك للأستاذ حسن، وقد علمت الكثير عنه من رفيق عمله وحياته أ. أحمد أشرف المحبوس معنا، وكذلك من ابنه عمر زلط الذي يواظب على حضور جلسات المحكمة العسكرية لنرى فيه خلق والده؛ حيث الشهامة والرجولة والكرم.

 

والأستاذ حسن زلط هو رب أسرة حنون للغاية شديد الرفق بأبنائه وإخوانه سريع الرمح، يحكي لي عمر كيف أن أباه ربَّاهم في جوٍّ أسري يحب بعضهم بعضًا، وكيف أن أباه كان بارًّا بأمه لدرجة أنها أمرته أن يترك عمله في السعودية وينزل إلى مصر حتى لا تفتقده فاستجابَ لأمرها رغم أنه لم يكن لديه فرصة عمل في مصر آنذاك.

 

وقد كافح الأخ حسن منذ صغره للحصول على لقمةِ عيش حلال، وحينما استطاع من جهد حلال بناء بيتٍ له في قليوب، بنى أسفله مسجدًا لله جعله مركزًا لتحفيظ القرآن، ولكن أبت عليه شياطينُ الإنس أن يقوم برسالته وقد نَذَرَ نفسه لرسالة أخرى وهي مساعدة الشباب المقبل على الزواج؛ حيث مَن كان فقيرًا أعطاه مما أفاء الله عليه، ومَن كان معسرًا أقرضه قرضًا حسنًا، ثم هو يُوفِّق بين الراغبين في الزواج من الجنسين ويجمع الأثاث المستعمل ويُشرف على تجديده ليكون رحمةً للفقراء والمساكين.

 

إنَّ الأستاذ حسن في مستشفى المنيل الجامعي الآن يرقد في عنبر المعتقلين وقد دخل إلى غرفةِ الإنعاش عدة مرات، وفي إحداها طلبنا جميعًا من القاضي أن يخلي سبيل الرجل وهو على ذمة القضية، وخاصةً أنَّ طريحَ الفراش وحالته تزداد سوءًا.. فنظر الرجل ثم ابتسم ثم وعدنا خيرًا، ولا زلنا ننتظر، ولا يزال أ. حسن في غرفة الإنعاش.