زوجي الغالي.. هذا هو أول خطاب أكتبه إليك بعد أول زيارة لنا بمزرعة سجن طرة، والتي كانت أول مرة أخطوها حين أصبحت هناك.

 

أصدقك القول يا أغلى الناس خلال رحلة عودتي من الزيارة، لم يتوقف لساني وعقلي عن الدعاء لك ولكل إخواننا كثيرًا، ولأول مرة أشعر أن السماع يختلف عن الرؤية.

 

ولكن يكفيني أني علمت "منك" أن الله يعينكم ويثبتكم وأنك تستثمرون تلك المنحة؛ فكل مصيبة في غير دينك تهون، وكل مصيبة لها بالله سلوى.

 

كنت أظن يا زوجي في نفسي صبرًا وجلدًا، ولكن تجرّع الألم يكون على قدر القرب ودرجة الحب؛ فشريط الذكريات- منذ سمعت عنك وأنت في نفس مكانك هذا ثم خرجت وتزوَّجنا- يمر عليَّ ذلك الشريط حلقةً حلقةً كل يوم، ولي فيه سلوى، فلم تظلمني يومًا وأنت لذلك أهل، فأحببتُك ووجدتُ فيك خيرَ حبيب، فلندعُ الله معًا أن يجمع الله شملنا.

 

"وحشتني" كلمة قليلة لما أشعر به الآن؛ فأنت الآن فارسي بغير الحصان الأبيض، ولكن بالترينج الأبيض، فأنت النواة التي تدور حولها حياتي؛ فيا صاحبي في الطريق:

رفاق الدرب ما زلتم       بقلب القلبي أحبابًا

فإن غبتم وإن غبنا       فإن الحب ما غابا

هي التقوى تجمعنا       وحب الله قد طابا

رضا الرحمن غايتنا       وللفردوس طلابا

 

وقد كنت ركنتُ وإياك إلى الدعة وللدنيا بعض الشيء؛ حتى الدعوة رغم مشقتها كان يخالطها شيء من الهوى وسعادة في النفس فهي أحلى من العسل، فكما كنت تقول لي: "أن الأحلى من العسل أن يوافق الحق هواك".

 

ولقد علمت "أن الله إذا أحب عبدًا ابتلاه"، وكثيرًا ما تخوَّفت قبل هذه المحنة أن الله عز وجل يعجِّل لنا أجرَنا في الدنيا، وأننا سنُحرَم من نعيم الآخرة من كثرة ما نرفل فيه من نعيم الدنيا، وكنت أحسد نفسي ولا زلت أن الله أعطاني زوجًا صالحًا وحنونًا، ذا خلق حسن؛ فالحمد لله على هذه المنحة، فبعدها شعرت أن الله يدَّخر لنا عنده خيرًا كثيرًا في الآخرة، التي هي دار مقامتنا بإذن الله.

 

فالامتحان اليوم صعب؛ فلقد أقبلت الدنيا بوجهٍ غير الذي اعتدنا عليه، ولكن دائمًا أردِّد: الحمد لله أن المصاب لم يكن في ديننا ولم يكن أكبر.

 

اطمئن علينا، فأنا بك إن شاء الله أتقوَّى وأصبر وأحتسب لله، لا تقلق على عمل أو مالٍ أو عيال؛ فلقد وكلنا لذلك خير وكيل؛ فحسبك الله وهو نعم الوكيل.

 

لا أخفي عليك بأني صِرتُ أتقرَّب إلى الله وأدعوه بـ"يا من تعلم بأن زوجي محبوس فيك.. اقضِ لي كذا"، فيقضيه الله لي!.

 

أوصيك زوجي أن تدعو لنا في هذه الكربة أن يصلح لنا حال أولادنا "سمية ونسيبة وأبو بكر"، وأن يقر أعيننا بهم، وأن يرزقنا بعد خروجك فتحًا كبيرًا كفتح سيدنا يوسف عليه السلام بعد خروجه من سجنه، ولكن طبعًا أنتظر كلَّ هذه الفتوحات في كل شيء ولكن بعيدًا عن التعدُّد وصنف الحريم (أمازحك طبعًا)؛ فالغيرة طبع، وكيف لمثلي ألا تغار على من هو مثلك!!.

 

ولتعلم.. أن من خلقه الله للجنة لم تزل تأتيه هداياها من المكاره، ومن خلقه الله للنار لم تزل تأتيه هداياها من الشهوات، فاصبر لتكون الجنة لنا سويًّا.

 

وأخيرًا.. فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به.. صفقة رابحة إن شاء الله.

زوجتك

---------

* المعتقل يوم 20/2 على خلفية انتخابات المحليات.