(المشكلات الحقيقية.. الدوامة الحياتية.. الضغوط اليومية.. كلمات غير مقصودة).

 

كل ذلك وغيره يدفع بالحياة الزوجية إلى طريق ٍآخر غير طريق السعادة ثم يقف كلا الطرفين ينتظر من الآخر أن يقوم بدوره في إيجاد السعادة لهما، أو أن يحاولا أن يشتركا معًا في البحث عنها إلا أن مشاركتنا في إيجاد السعادة تبدأ بأن يتعلم كل منا كيف يسعد هو نفسه أولاً.
اليوم نريد أن نرسم طريقًا للسعادة الزوجية بعلامتين إرشاديتين هما: الامتنان وحرف النون.

 

أنا ممتن

إن الامتنان لشخصٍ ما يجعلك تغفر له الكثير من زلاته بشكلٍ طبيعي وغير متكلف ثم هو يجعلك تراه أجمل وأقرب، ويدفعك إلى أن تجمع له رصيدًا عندك.

 

"بسمة- كلمة- هدية- مساعدة- اهتمام- تكيف- مراعاة" تبدو أمورًا بسيطةً، وتُحدث كثيرًا ولكننا لا نراها ولا نسمح لها بامتناننا أن تصنع للطرف الآخر رصيدًا عندنا.

 

"اعتماد الرميكية" الجارية التي أنعم عليها "المعتمد محمد بن عباد "بأن تكون ملكةً بعد أن كانت جاريةً، وكان لا يرد لها طلبًا حتى إنها اشتهت أن تخوض في الطين مع بناتها فأمر فصنع لها طين من المسك والكافور والعنبر، ثم تشاجرا يومًا فقالت له: "لم أرَ منك خيرًا قط"!! فأُسقط في يده ثم قال لها: "ولا يوم الطين؟" فقالت: "إلا يوم الطين"!! متناسيةً أكبر إكرامٍ لها بجعلها ملكة وغير ذلك كثير.

 

لندون كل امتنان لنا في كشكولٍ صغير من ذلك الذي يمكن حمله في الجيب.. فندون 3 أمور نمتن فيها لأزواجنا يوميًّا على الأقل، ولندون كل الأمور ولو كانت بسيطةً، وعلينا أن نكتب مشاعرنا باختصار تجاهها، مثلاً: "سعدت جدًّا حين فعلت زوجتي كذا"، أو "شعرت بمساندة زوجي فعلاً حين فعل كذا".

 

الأيام ستجمع رصيدًا أكثر من رائع لحياتنا الزوجية سنستخدمه حال احتياجنا له إذا اختلفنا، أو غضبنا من بعضنا، أو قصرنا في حقوق بعضنا، أو تغيرت بنا الظروف فضاقت، أو باعدتنا عن بعضنا البعض، فنعود وقتها للاستعانة بكشكولنا الصغير فنسمح له أن يثير فينا مشاعر الامتنان والرضا عن الطرف الآخر، وعن حياتنا معًا، وأن يمنعنا من أن نكون كاعتماد الجارية.

 

ستمر أحيانًا أيام من تلك التي يمكن أن نطلق عليها "دوامة" فلا نغفل أن نكتب أي شيء في الكشكول، ولو "لقد اهتم أن يودعني بود، وهو ذاهب للعمل رغم تأخره"، أو "ظلت على مقربة مني لتتفقد إن احتجت إليها في أمر ما".. إن مَن لم يشكر الناس لم يشكر الله، فما بالنا بأقرب وأخص الناس؟! وما بالنا بشكر المعروف طوال العمر؟! وكيف بشكرٍ يرفع الهم، ويدفع الغضب ويحيي السعادة في حياتنا؟!!

 

حين نعود للاستعانة بالكشكول سنجد روحًا من الرضا، والود تعم نفوسنا وتحرك قلوبنا لتدخل السعادة عنوة علينا، وبالتالي على حياتنا الزوجية.

 

ولئن كان الامتنان هو نصف طريق السعادة فالنصف الآخر ما يكمن في حرف النون!!!

 

بالنون نسعد

التهوين لا التهويل؛ لأن التهويل محبب إلى النفس لأنه يُشعرها بالظلم والاضطهاد ويرفع عنها حرج المحاولة والمجاهدة، ويعطيها مادةً ثريةً للإثارة والجدل، أما التهوين فهو رؤية وإرادة وتمرين.

 

موقف.. لقد أخطأ الطرف الآخر أو هكذا أرى.. أعاني المشاعر السلبية.. حزنًا كانت أو غضبًا أو غيرها.. هناك ثلاثة خيارات أمامي:

 

1- الانفعال بهذه المشاعر السلبية والتعبير عنها كما هي.... بما غالبًا يؤدي إلى دوامة ومشكلة أكبر.

 

2- أتغاضى عنها تمامًا كالحمل الطيب الوديع، بما غالبًا يؤدي إلى انفجار مضاعف عند أول مشكلة لا تستحق.

 

3- تهوين هذا الحدث في نفسي، والتعامل معه بشكل إيجابي من خلال عدة أسئلة:

 

ما الذي أغضبني؟، مثلا: لأن زوجتي لم تفعل شيئًا مهمًّا طلبته منها.

لماذا أنا غاضب "بالتفصيل"؟، لأني أعتبر ذلك عدم اهتمام وعدم تقدير.

 

هل تستحق الأمور كل هذا الانفعال؟ فعلاً!؟

 

ما الذي أستطيع أن أفعله لأصحح الأمور؟... سأخبرها بما أشعر وسأخبرها بما يمكن أن تفعل حتى...

 

إن استخدام طريقة التهوين وإن كانت تحتاج إلى تمرين ومجاهدة لأنه يتعامل مع النفس بشكل مباشر، فهو يلجم مشاعر الغضب بغلاف من العقل عن طريق التوجيه الإيجابي للتفكير وإيجاد الحلول بدلاً من الثورة على الخطأ، ولئن كان ذلك صعبًا إلا أن أثره مرضٍ ومبهر بشكل غير عادي، فهذا الأسلوب يشعرنا بأننا نملك زمام أمور حياتنا عوضًا عن التخبط في الأزمة، والغرق في عمقها وسوئها، كما أنه يعودنا الإيجابية في التعامل مع مشاعرنا أولاً ثم التعامل مع الطرف الآخر بغير انفعال، كما أنه سيحول طاقة المشاعر السلبية إلى محاولة للتهدئة، والوصول إلى حلول مرضية.

 

ولا ننسي أن:

"إذا كنا قد اتفقنا على أنه ليس من حق إنسان أن ينفق مالاً لم يكسبه، فليس من حقه أن ينعم بسعادة لم يشارك في إيجادها"*.

------------

*برنارد شو