سؤال بشأن راية الإخوان:

بالنسبة لراية الإخوان التي يرفعونها وعليها سيفان، أليس في هذا دلالة على العنف واستخدام السيف؟!

 

لصاحب هذا التساؤل.. أين هذا العنف من الإخوان، طوال أكثر من ثمانين عامًا من الوجود والحركة في المجتمع؟ وأين هذا العنف في كتاباتهم ورؤيتهم ومناهج تربيتهم؟

 

إن الواقع يُكَذِّب هذا الادعاء، بل هم من تحملوا العنف والظلم الواقع عليهم، ولم يردوا عليه بأي عنف كما فعل غيرهم.

 

إن العَلَمْ أو الراية يمثل شعارًا وعنوانًا، يُعَبِّر فيه صاحبه عن قضية أو مبدأ أو تعريف خاص به، لهذا نسأل صاحبه عما يقصده، لا أن نضع تفسيرًا من عندنا ثم نبني عليه الاتهام، فهذه دولة تضع سيفًا على علمها الرسمي، وهذه تضع أسدًا، فهل هي تهدد العالم بالحرب والقتال والسيطرة، وتقصد ذلك؟!

 

وعلمنا المصري وبعض أعلام الدول العربية فيها ألوان لها معنى ودلالة، فاللون الأسود مثلاً يمثل الاحتلال، واللون الأحمر يمثل المقاومة والتضحيات والدماء التي سالت في سبيل ذلك، فهل لأحد أن يَدَّعِي أن اللون الأحمر عدواني يشير إلى إراقة الدماء.

 

إن راية الإخوان تقول: إن دعوتنا والعمل لرفعة الأمة والشعب تقوم على مرجعيتها لكتاب الله، وإن هذا هو أساس المشروع الحضاري الذي تستهدفه، وإن القوة والإعداد لها لتحرير الوطن من الاستعمار، وكذلك حمايته من أي اعتداء خارجي، هو السبيل للحصول على حريتها واستقلالها، والمحافظة عليها، وقد سبق أن رفع شعبنا شعار "ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة"، واليوم وقد زال الاحتلال الأجنبي، لكن حماية الوطن والدولة يجب أن تقوم على الإعداد وأخذ كل وسائل القوة.

 

إن المشروع الإسلامي لتحقيق نهضة الأمة يقوم على: الدعوة والمرجعية لكتاب الله (وهي المرجعية الإسلامية)، وكذلك على تحرير الوطن وحمايته وإعداد القوة اللازمة لردع العدوان عليه، ونحن ندعو الأمة للتمسك بهذا المشروع، والقيام به، فهو ليس مقصورًا على جماعة الإخوان.

 

وقد طبَّق الإخوان عمليًّا هذا المفهوم، فشاركوا بفاعلية في حرب 1948م ضد الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، وشاركوا في القتال والجهاد ضد معسكرات الإنجليز في القنال، وسقط منهم العديد من الشهداء. وما زالت هذه الراية التاريخية بما عبرت عنه وما زالت تعبر عن ذلك المعنى الذي أشرنا إليه، نعتز بها ونوضح لمن أراد الاستيضاح.

 

سؤال بشأن معاهدة السلام: ما هو موقف الإخوان من معاهدة السلام (كامب ديفيد) خاصةً إذا شاركوا في حكومة أو شكلوا هم الحكومة؟

 

الجهة المعتمدة التي تعلن عن موقف الجماعة هو فضيلة المرشد، والمتحدث أو المتحدثون الإعلاميون، وبيانات الجماعة الصادرة عن مكتب الإرشاد، وفيها يتضح الموقف من معاهدة السلام.

 

وهذا يشكل الإطار العام الذي يحدد فهمي ورؤيتي لهذا الأمر الذي يريد فيه صاحب السؤال الوضوح والتفصيل. وهو يشمل هذه النقاط التالية (مكتملة ومجتمعة):

 

أولاً: قضية فلسطين ينظر إليها الإخوان على أنها قضيتهم الأساسية، بل هي قضية الإسلام الأولى في هذا العصر، ولما يمثله المشروع الصهيوني من خطر كبير على الأمة الإسلامية، وانطلاقًا من الأحكام الشرعية لا يُقِّر الإخوان باغتصاب أي شبر من أرض فلسطين، وهذه عقيدتنا الثابتة في هذا الشأن، وقد حددها الإمام الشهيد في حينها، وهي تستند إلى الضوابط والأحكام الشرعية الثابتة، وليس مجرد اجتهاد أفراد. فمعاهدة كامب ديفيد تُقِّر للمغتصب بشرعية اغتصابه، كما أنها تضيع حقوقًا للدولة المصرية، ولهذا رفضها الإخوان ودفعوا ثمنًا كبيرًا لهذا الرفض.

 

ثانيًا: بالنسبة للمعاهدات الدولية التي أبرمتها الدولة المصرية، من الجانب الشرعي والقانوني لها احترامها. والمعروف عن الإسلام احترامه للمواثيق وحرصه على الوفاء بالعهود.

 

 وإذا كان في أي معاهدة خلل في بنودها أو كيفية إبرامها، فإنها تراجع بالأسلوب المتعارف عليه قانونيًّا، ومن خلال المؤسسات الرسمية والدستورية.

 

ثالثًا: إن رأي الإخوان- وهم فصيل من الأمة- لا نفرضه على الشعب، حتى ولو شارك أفراد منَّا أو شكلوا الحكومة، وإنما الشعب من خلال مؤسساته المنتخبة وبإرادته الحرة، ومن خلال الاستفتاء، بعد الدراسة والتمحيص هو الذي يفرض نفسه ويلتزم به الجميع، بمن فيهم الإخوان، حتى ولو خالف ذلك رأيهم.

 

رابعًا: الإخوان ليسوا في حالة عداء شخصي أو حرب مع من ينتمي للديانة أو الجنسية اليهودية، فهؤلاء عاملهم الإسلام معاملة حسنة كأهل كتاب، وأباح طعامهم، والزواج منهم، والإحسان إليهم، واستوعبهم داخل دولته كأهل ذمة لهم حق المواطنة كاملاً، وإنما الإخوان يرفضون احتلال أراضي المسلمين، واغتصاب حقوقهم، والاعتداء عليهم من أي جهة كانت، سواء كانت يهودًا أو غير ذلك.

 

خامسًا: الأحكام الشرعية الإسلامية من حيث واقع التنفيذ والخاصة بالمجال المجتمعي والسياسي، تحكمها ضوابط ومصالح شرعية معتبرة، مثل: دفع الضرر والمفسدة مقدم على جلب المصلحة، ومثل احتمال أخف الضررين، وتفويت أدنى المصلحتين.. إلخ، وكذلك هناك ضوابط لفقه الأولويات.

 

- فهل من مصلحة الدولة الآن إلغاء معاهدة السلام والدخول في حرب مع "إسرائيل"؟

 

- وهل ذلك من الأولويات التي يجب تنفيذها فورًٍا؟ أم أن بناء الدولة المصرية وتقدمها وحيازتها كل أسباب القوة هو الذي له الأولوية، مع عدم نسيان المبادئ والمواقف الثابتة؟

 

- وهل تحرير الأرض المغتصبة يكون بالقرارات والشعارات؟ أم بالإعداد وحسن الترتيب؟

 

- وهل الوصول لتحقيق الأهداف المطلوبة يكون فقط بالحرب، أم أن هناك وسائل أخرى قد تحققها أو تساعد على تحقيقها مطلوب تحصيلها والاستفادة منها؟

 

سادسًا: نرى أنه من حق مصر أن تطالب بمراجعة وتعديل معاهدة كامب ديفيد (معاهدة السلام)، وذلك وفقًا للإجراءات المعتمدة في القانون الدولي، حتى لو رأت الدولة السكوت مؤقتًا عن كامب ديفيد وأن فيه مصلحة مؤقتة لمصر.

 

 إن رؤية الإخوان من العمق والشمول والإدراك للواقع واضحة في هذا الموضوع، تحكمها ضوابط وموازين، لا تجري وراء العواطف، وإنما تضبطها بأشعة العقول. لكننا حتى في هذا لا نفرض على الشعب أو ننزع حق الأمة في تحديد موقفها.

 

ويرى الإخوان- بناءً على حقائق ووقائع ثابتة- أن المشروع الصهيونى ليس خطرًا على فلسطين فقط، ولكنه خطر على مصر والأمة العربية كلها، فهو مشروع معادٍ في توجهه وأهدافه ومساره الحالي، ونرفض كل مظاهر التطبيع التي تتخذ منه ستارًا ومسارًا لتحقيق أهدافهم في المنطقة.

 

كما نرى أن بنود الاتفاقية الأمنية في سيناء مرفوضة جملةً وتفصيلاً، ويجب إلغاؤها أو تعديلها فورًا.

 

كما نرى أن سحب السفير المصري وطرد السفير الصهيوني من مصر وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى أدنى مستوى له؛ أصبح مطلبًا جماهيريًّا تنادي به الأمة كلها، وفي مقدمتها الإخوان؛ وذلك نتيجة لجرائم الصهاينة المتعددة.

 

سابعًا: في مسألة أن الدولة المصرية قد وقعت معاهدة سلام مع الصهاينة وتتعامل معها، فهل الإخوان سيتعاملون مع هذه الدولة من هذا المنطلق؟ نقول بوضوح إن هذا شأن الحكومة، وما عليها من تَبِعات وقواعد تحكم تصرفاتها وتصرفات أفرادها. أما جماعة الإخوان فليست هي الحكومة.

 

 وفي رؤيتنا أنه ليس على أي جماعة أن تتواصل مع أية دولة خارجية إلا عبر الحكومة ووزارة الخارجية، هذه نقطة..

 

والنقطة الأخرى.. أنه وفق القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة يعتبر الكيان الصهيوني- حتى وقتنا الحالي- مغتصبًا ومحتلاًّ لأراضي دولة أخرى، فحسب قرار مجلس الأمن الصادر في نوفمبر 1947م والذي قسم أرض فلسطين العربية إلى دولتين (عربية وصهيونية) لكن استولى الكيان على جزء كبير، ثم في حرب 5 يونيو 1967م استولى على مساحة أكبر، والقانون الدولي ومبادئ الحرية والعدل ترفض هذا الاعتداء، وفرض الأمر الواقع بالقوة، ليس فقط على أراضي 1967م، وإنما على ما استولى عليه عام 1948م.

 

 كما أن هذا القانون يُعطي شرعيةً لمقاومة لهذا المحتل الغاصب بكل وسائل المقاومة، ولا تعتبر إرهابًا كما يدعون كذبًا، وإنما مقاومة مشروعة، والإرهاب هو ما يمارسه العدو المحتل ضدهم، هذه هي مبادئ القانون الدولي.

 

ثم إن ممارسات الكيان الصهيوني المستمرة تجاه الشعب الفلسطيني من قتل وضرب وإبادة واعتقال وتشريد وحصار، يمثل جرائم حرب، ولهذا لا يمكن للإخوان أن تتواصل أو تتحاور مع أي فرد يمثل هذا الكيان الغاصب أو تلتقي به وتتعامل معه في أي مجال أو نشاط، وهذا الموقف يتماشى تمامًا مع مقتضيات القانون الدولي.

 

-------

* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين.