بقلم: خالد حمدي

ابحث عن بعض الأتقياء الأخفياء الذين يجددون لك إيمانك، وينفُضون عنك بعض غبار الدنيا.. فالإيمان يتحصل من الساجد قبل المساجد.. والأصل أن يكون لكل واحد منا صالح يأوي إليه فتهدأ روحه ويطمئن قلبه.

كان أبوبكر وعمر يذهبان كل حين إلى أم أيمن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يتنسَّمان عندها عبير النبوة، ويتذكران رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان كثير الزيارة لها.

وكان ابن المبارك يأتي إلى محمد بن واسع فيجالسه ساعة يرق بها قلبه شهرًا، كما قال هو بنفسه رحمه الله.

وكان ابن سيرين يحب زيارة صفوان بن سليم وكلامه، ويعتبره من بقية الخير في الأرض، رغم أن ابن سيرين كان أغزر منه علمًا وأكثر شهرة.

وكنت أنا وأخي محمد الصواف نزور امرأة من الأمهات الصالحات - رحمها الله - فنعود من عندها خيرًا مما أتينا، وكانت قد ابتليت في آخر عهدها بعدة سرطانات، كان آخرها سرطان الجلد، فكانت رحمها الله تستحي من الله أنها لا تستطيع أن تختم القرآن إلا كل أسبوعين مع أن المرض ينهشها نهشًا!! وكم أحببت سورة الناس منها بعد أن كانت تقول لنا: كلما آلمني المرض ناجيت ربي بسورة الناس فأستريح!!

ولا يشترط في ذلك الصالح كثرة علمه أو وفرة مريديه، فكم في الأرض من أتقياء أخفياء مجهولين في الأرض معروفين في السماء، فللإيمان أثر، وكلما كان صاحبه قريبًا من ربه كانت تأثرك به أشد وأقرب.

سيقول لك أحدهم: وأين هؤلاء وقد ملأ الأرض فساقها وفجارها؟!

فقل لهم: ما كان الله ليحرم الأرض من أهله وواصليه، ولو بحثت لوجدت، فإن لم تجد فكن أنت، يوفد الله قلوب الخلائق إليك.

والقلوب القاسية يا إخواني تحتاج لغِزَار الدمعة بِشاش الوجوه عاطري الألسن بالذكر عامري القلب بالخشية.

لي أحبة من مثل هؤلاء أهرب من هجير الدنيا إلى ظلال مجالسهم، فأستَروِح وأعود إلى أهلي بوجه غير الوجه، وأقول في نفسي: لو لم يكن في الدنيا إلا هذه الساعة مع هؤلاء لكفى.

عند هؤلاء يُجدد الإيمان، وتَعذُب وتبرد الحياة.. فاجعلوا لكم من مجالسهم نصيبًا.. فلو لم يكن لمثل هذه المجالس المنيرة أثر.. ما أعد الله لمثلها الأرائك في الجنة.