الرأي السديد والفكر الثاقب

كلمة فضيلة الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام السابق
 

رحل عنا أخ حبيب ونموذج فريد من الرجال هو أخي الكبير السيد الأستاذ المستشار "محمد المأمون الهضيبي" المرشد العام للإخوان المسلمين.. كان يرحمه الله ملء السمع والبصر، يحمل في قلبه مبادئ الإسلام الواضحة في صدق وإخلاص، ويبشر بها في عزم وقوة.. موازينه الإسلامية واضحة تمام الوضوح أمام عينيه، لم أره في يوم من الأيام حادَ عنها لأي ظرف من الظروف، بل هو الحق الذي ينشده والهدف الذي يبتغيه، ابتغاء مرضاة الله ونيل ثوابه، يعلنه بقوة واحتساب دون المساس بمشاعر أحد، هذا هو المستشار "مأمون الهضيبي" الداعية صاحب الرأي السديد والفكر الثاقب والورع الشديد، نحسبه من الصالحين ولا نُزكي على الله أحدًا.. ما رأيته في يوم الأيام استأثر برأيه، لكنه كان شديدَ الحرص على مشاركة إخوانه في أي قضية مطروحة حتى يصل إلى أفضل ما يمكن، إحاطةً وشمولاً وعمقًا وموضوعيةً.. كان يناقش في إيجابية وينصت في اهتمام ثم يحسم في نهاية الأمر ما اجتمع عليه الرأي.

وإننا إذ ندعو الله سبحانه وتعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويجزيه عنا وعن الدعوة وعن الإسلام والأمة الإسلامية جمعاء خير الجزاء، نسأله تعالى أن يفسح له في جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، كما نرجو الله عز وجل أن يعيننا على استمرار المسيرة على نهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إمام الأنبياء وخاتم المرسلين.. صلى الله عليه وسلم.
 

سمت القاضي وروح الداعية

كلمة الأستاذ أبو الحمد ربيع - عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

وهكذا تمضي الحياة بالناس.. فلا خلود لأحد.. ولا بقاء لمخلوق، فالكل راحل، إلا أن هناك موتى أحياءً وأحياءً موتى، كما عبر عن ذلك شاعر عربي قائلاً:

ليس من مات فاستراح بميت   إنما الميت ميت الأحياء

إنما الميت من يعيش كئيبًا    كاسفًا باله قليل الرجاء

ومن النوع الأول أستاذنا ومرشدنا المستشار/ محمد المأمون الهضيبي، فهو وإن غيبه الثرى، وطويت صفحة في الدنيا، فهو حي باقٍ في نفوس الكثيرين، ممن عاشروه وشاركوه مسيرة الدعوة المباركة.. إذ رأوا فيه سمت القاضي، وخُلق الداعية، وبعد نظره، في شجاعته تدفعه إلى قبول الرأي الآخر، وإن كان مخالفًا لرأيه التزامًا بمبدأ الشورى؛ ليضرب المثل في القدوة، في ثباتٍ على الحق لا يتزلزل، وصبر على مسيرة الدعوة، رغم وعورة الطريق، وصعوبة المسالك.

إذ كان يذكِّر إخوانه دائمًا بأن طريق الدعوة هذا ليس مفروشًا بالورود والرياحين، ولكنه طريق مفروش بالأشواك.

رحم الله أستاذنا ومرشدنا، وتقبل الله مرشدينا السابقين، الذين كانوا معالم للهدى، ونسأل الله أن يحشرهم جميعًا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

هذا قضاء الله

كلمة الأستاذ لاشين أبو شنب - عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

جرى قضاء الله على فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين المستشار/ محمد المأمون الهضيبي، بعد حياةٍ حافلة بصور الجهاد في ميادين كثيرة، منها السياسية والاجتماعية والدينية والقانونية. وكان جهاده منصبًّا على دعائم ثابتة، أساسها كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- والسابقين الأولين من خلفاء النبيِّ- رضوان الله عليهم.

وظل ينافحُ ويكافحُ في بيان ما يجب على كل مسلم إزاءَ دينه ووطنه، ولقي في سبيل ذلك ألوانًا شتَّى من العنَت والادعاءات، لكنه ظل كالطود الراسخ، لا يخشى في الحق لومة لائم في تواضع جمٍّ، بإخلاص متين ومثالية في الخُلُق تجعله قريبًا من كل نفس، مقبولاً من كل إنسان.. وقد تعاملنا معه قبل أن يكون نائبًا للمرشد العام يوم أن كان مستشارًا لوزير الداخلية بالمملكة العربية السعودية، ثم تعاملنا معه نائبًا للمرشد العام في حياة الأستاذ/ محمد حامد أبو النصر، وفي حياة الأستاذ/ مصطفى مشهور- رحمهما الله.

تغيرت ملامح الصورة في أي فترة من الفترات؛ مما كان عليه وما عرف عنه، وكانت غيرته على الحق، وشدته في الأخذ بأقوم المثل من الأمور التي قد يصفها البعض- بناءً عليها- بأنه من المتشددين، لكن خبرتنا به أنه كان رفيقًا، ودودًا، عطوفًا، محبًا لإخوانه، رجاعًا إلى الحق حين تبين له الوجه الصحيح فيه، وكانت خبرته مهمة لكثير منا، وقد بدت هذه الخبرة ولمسناها عن قرب، حين عملنا معه مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين.

وكان ذا رأي صائب في أغلب الأحيان في القضايا التي تنشأ نتيجةً للصراعات الداخلية أو الخارجية في المجتمع، كما كان صاحبَ نظرة واعية فاحصة في المشكلات السياسية، سواء ما اتصل منها بأوضاعنا الداخلية أو الخارجية، وكم كات له بصماتٌ غائرة في أوجه الإصلاح المنشودة، حتى ولو بدت على عكس ما يظن الناس في شئون الحكم والسلطان، وكانت شدته في الحق تدفعه دائمًا إلى أن يجاهر برأيه ويسهم بتوجيهاته حتى لأقرب المقربين منه، على أن ذلك كان يقوي المودة، وإذا كانت دعوة الإخوان المسلمين قد تعرضت لقضاء الله فيه فإنها- والحمد لله- دعوة والدعوة لا تُعدم الرجال ولا تهزمها الأحداث، وقد أثبت التاريخ أن ما تعرضت وتتعرض له من نكبات لن يزيدها إلا إيمانًا بالحق واستعلاءً بالإيمان، وبذلاً وتضحيةً في سبيل الله، وإصرارًا على مواصلة الطريق مهما كانت تكاليف العمل ومشقات الصراع.

فإذا كنا قد فقدنا اليوم مرشدنا الراحل "محمد المأمون الهضيبي" فإنه ذهب لينضمَّ إلى الخالدين من مرشدينا "حسن البنا" و"حسن الهضيبي" و"عمر التلمساني" و"محمد حامد أبو النصر" و"مصطفى مشهور" الكوكبة المضيئة من الراحلين، الذين أفنوا عمرهم في دعوة الحق والقوة والحرية، حتى كانت ثمرتها اليانعة في جميع أنحاء العالم تحيي الأمل، وتوقظ الهمم، وتقرب من الغاية؛ حتى يتم نور الله، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم.

فقيدنا سار على الحنفية السمحة

كلمة الدكتور عبد الحميد الغزالي - أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة القاهرة

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد الله ونستهديه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا.

وأشهد أن لا اله ألا الله وحده القائل لرسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم-: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾، والقائل: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ﴾، وبعد..

فلقد رحل عنا فجأةً أستاذنا ومرشدنا فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ/ محمد المأمون الهضيبي، فكان صدمةً شديدةً، وخطبًا جللاً، ولكننا- رغم دمع العين وحزن القلب- لا نملك إلا أن نقول إلا ما يُرضي ربنا سبحانه: ﴿إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.

وعزاؤنا أن راحلنا الحبيب قد أدى الأمانة على أكمل وخير ما يكون بالالتزام الصادق والإيمان الخالص، والعزيمة التي لا تلين، وعلى مدى عمره لم يتغير، ولم يتبدل، طريقه واضح، وخطه مستقيم، من النَّبع الصافي- كتاب ربنا وسنة رسولنا- في سبيل إعلاء كلمة الله ونشر دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة بمسئولية إسلامية، وقوام فطري، وحنفية سمحاء، ولا نزكِّيه على الله تعالى، ونسأله- سبحانه- أن يتغمَّده بواسع رحمته.. ويحشره في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

وإننا- أبناء الصف الإخواني- لنؤكد أننا على الدرب سائرون، ووفق فقه دعوتنا ملتزمون، داعين المولى- عز وجل- أن يحفظ دعوتَنا، ويباركَ في قادتِنا..

وإذ نتذكر إخوتنا الأحبة الذين رحلوا عنا بصالح الدعاء لَنستصحب قول الحق تبارك وتعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ صدق الله العظيم.

مشاهد لها دلالات

كلمة الدكتور سناء أبوزيد - من رموز الإخوان المسلمين

تجمعت لي مواقف للأستاذ الهضيبي- رحمه الله - حكايةً عمن لا أتهمهم في خلقٍ ولا دين:

1- لقطة عبادية: تجمعت لي مواقف للإمام "الهضيبي"- رحمه الله- من حكاية من لا أتهمهم في خلُق ولا دين..

في لقاء حاشد ممتد، وفي يوم حار، والأستاذ "الهضيبي"- رحمه الله- هو الذي يرأَس الاجتماع، ويدير المناقشة، فلما كان المغرب قطع اللقاء للصلاة.. فغذا بأحد الحضور يلاحظه في ركن حجرة أخرى يتناول بعض الطعام على عجل؛ حتى يخرج للمشاركة في صلاة الجماعة، من غير أن يكشف سره هذا أحدٌ من خلق الله، ولم يكن أحد سواه-تقريبًا- صائمًا في ذلك اليوم، فهذه عبادةُ السر، وبها يستمدُّ العبد عونَ الله تعالى، وتوفيقَه.

2- لقطة اجتماعية: بعدما تزوج ابن الأستاذ "الهضيبي"- وهو يقيم معه- قال قريب زوجة الابن ووليها للأستاذ- رحمه الله- ستكون فلانة في خدمة زوجكم الكريمة، شفاها الله.. فإذا به يفاجئُه بقوله: أنا أولى بها..

فانظروا كيف يكون رجل بهذه المسئوليات الجسام والهموم الكبيرة مشمِّرًا إذا رجع إلى بيته في خدمة أهله، وما هذا إلا حال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا عجب أن يترسم الأستاذ- رحمه الله- خطاه، وهو الذي طالما هتفَ في حياته (الله غايتنا والرسول قدوتنا).

3- لقطة تفكُّرية: كان يجلس- رحمه الله- ذات مرة على شاطئ البحر، فاقترب منه أحد الإخوان وطلب منه خاطرةً جالت في نفسه من المنظر، فقال : استحضرت قول الله تعالى: ﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ (الكهف:109)، وقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (لقمان:27).

واستطرد: فانظر إلى هذا التمثيل البلاغي، فمَن مِن البشر يخطُر على بالِه مثلَ هذا، ولا شكَّ أن مظاهر الإعجاز القرآني تتنوع، ولكن من أعجبها مثل هذه المواضع التي لا يتصور أحد أن يصل إليها خيالُ بشر أو إدراكه..

وهذا يؤكد مع سائر صور الإعجاز أنَّه كلامه- عز وجل- الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..

رحمه الله رحمةً واسعةً، وتقبل جهاده، وأعلى درجته..

"الهضيبي" رجل المواقف الحاسمة

بقلم: د. عصام العريان - من قيادات الجماعة

عاصرت- حتى الآن- أربعة مرشدين لجماعة (الإخوان المسلمين)، هم: المرحوم الأستاذ "عمر التلمساني" المحامي، والسيد "محمد حامد أبو النصر" من الأعيان، والأستاذ "مصطفى مشهور" خبير الأرصاد الجوية، والمستشار "محمد المأمون الهضيبي" القاضي السابق، والذي رحل عن دنيانا ليلة الجمعة 9/1/2004 م، وذلك منذ منتصف السبعينيات وحتى اليوم.

كان لكلٍّ منهم بصمةٌ واضحة على مسيرة الإخوان، أكبر جماعة وهيئة إسلامية، وأقوى قوة سياسية الآن في مصر والعالم العربي، وشارك كلهم في قيادة جموع الإخوان.

لقد تحقق في مسيرة هؤلاء المرشدين من إنجاز ساهم فيه الجميع، وانتقلت الإخوان من مرحلة إلى مرحلة بسلاسة وهدوء، وما زال ينتظر الإخوان الكثير؛ حتى يحققوا أمل العرب والمسلمين في بناء دولة إسلامية مدنية عصرية، تحقق العدل، وتنفذ القانون والمساواة، وتطلق الحريات، وتطبق الشريعة الإسلامية تطبيقًا سليمًا، بعيدًا عن الغلو والإفراط، أو التجزئة والتقسيم، أو التفريط والتساهل.

خرج الإخوان من السجون وقد حسموا قضايا هامة، مثل: الموقف من التكفير، وهذه فتنة حدثت داخل السجون بسبب التعذيب الرهيب، وكان كتاب (دعاة لا قضاة) هو الكلمة الفصل، وكان للـ"هضيبي" الأب (المستشار "حسن"، والابن المستشار "المأمون") دور كبير في إعداد البحوث، وإخراج الكتاب، وإقناع الإخوان بضرورة الالتزام بما قرره الإمام "البنا"- المؤسس- من قواعد فقهية، وعدم الجري وراء تأويلات خاطئة لكلام الشهيد "سيد قطب"، قام بها بعض الشباب، وأهمية أن يجري تفسير وتأويل كلام "قطب" في ضوء التزامه بجماعة الإخوان طوال حياته، وفصل الإخوان على ذلك مجموعة من الشباب، أصروا على تأويلاتهم ومواقفهم، وعرفوا فيما بعد باسم (القطبيين)، بينما التزم الإخوان الاعتدال.

    الموقف من العنف تمَّ حسْمُه بوضوح، وهذا ما سمعته من المرحوم "التلمساني"، وما أوضحه "أبو النصر"، والتزم به "مشهور"، وأعلنه بجلاء "المأمون الهضيبي"، حتى قال عن جرائم العنف في مصر وغيرها: "إنها لا تقرها شريعة ولا خلق، ولا إنسانية ولا عقل"، وبذلك عُرفت جماعة الإخوان بأنها جماعة سلمية؛ تسلك الطرق الشرعية، وتلتزم القانون.

الإصرار على إبقاء الجماعة وتنظيمها ورصِّ صفوفها، وضم شباب جديد إليها، يكون بمثابة دماء تتدفق في شرايينها كان همُّ الإخوان الأول، وهذا ما نشأ بسبب فتنة التأييد داخل السجون ، وهي فتنة تسبب فيها الإيذاء الشديد والضغوط الرهيبة على السجناء، وعلى أسرهم وعوائلهم؛ وهو ما دفع البعض إلى تأييد نظام "عبد الناصر"، والوصول أحيانًا إلى التجسس على إخوانهم، وحرص "عبد الناصر" على استقطاب رموز من كبار الإخوان واستوزرهم، وانطلق البعض من المؤيدين بعد الإفراج عنهم إلى النشاط في إطار جمعيات خيرية، أو أخرى إسلامية، يفرغون فيها طاقاتهم، بينما انسحب غالبية المؤيدين إلى شئونهم الخاصة، وأغلقوا عليهم دورهم، وذابوا في المجتمع؛ وهو ما هدد كيان الجماعة.

    حقق الإخوان خلال الثلاثين عامًا الماضية كثيرًا من الإنجازات على مستوى التنظيم، وعلى مستوى الجهد الشعبي، وعلى مستوى النشاط السياسي والفكري، وعلى مستوى الوجود الدولي، وما زال أمامهم إكمال المسيرة؛ لتحقيق بقية أهدافهم على مستوى الحكم والدولة؛ لأن مهمتهم أكبر بكثير من أن يحققها جيل واحد من أجيال هذه الدعوة.

وقد نجح الإخوان في إعادة تنظيم الجماعة في مصر ، وبناء تنظيم دولي مناسب، ونجح الإخوان في صياغة لوائح مناسبة لتنظيم سير العمل وتجديدها مع الوقت؛ لتناسب اتساع العمل وحجم النشاط.

ونجح الإخوان في إزالة ما ألصقه بهم النظام "الناصري" من تهم باطلة، وقدموا الجماعة على أنها جماعة سلمية معتدلة، تقبل بالحوار، وتتعاون مع الآخرين، وتقدم إسلاما يستند إلى القواعد الشرعية القطعية، وفي الوقت نفسه قادرة على التعاطي مع مستجدات العصر.

واستطاع الإخوان جذب آلاف من الشباب إلى صفوف الجماعة، رغم بريق الشهرة الذي كان يحيط بالكثير منهم، وهؤلاء رضوا أن يكونوا جنودًا في جماعة قديرة وكبيرة وعريقة، بدلاً من أن يكونوا زعماء وقادة في جماعات جديدة ينشئونها هم، وكان ذلك قرارًا صائبًا، أثبتت الأحداث صوابه.

واجتهد الإخوان في إشاعة المفاهيم السليمة والصحيحة عن الإسلام ، وإعادة الاعتبار إلى هوية الأمَّة، وانتشر مفهوم "الصحوة الإسلامية" والنهضة الإسلامية على المستوى الشعبي، واستقرت في أذهان غالبية الشعوب حقيقة أن الإسلام نظام للحياة، ودين ودولة، وأن الشريعة الإسلامية صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وأنَّ السياسة جزءٌ من الإسلام لابد أن تنضبط بضوابطه.

حقق الإخوان الكثير على المستوى السياسي، فأصبحت أرصدتهم في الشارع السياسي أكبر من أرصدة معظم القوى السياسية الأخرى مجتمعةً، ولولا تزوير الانتخابات لكان هناك اختيار آخر للإخوان على المستوى الحكومي والإداري؛ لأنهم قادرون على المشاركة في حكومات ائتلافية في أكثر من بلد، أو تشكيل حكومة في بلاد أخرى.. لقد ساهمت جموع الإخوان وقادتها ومفكروها ومرشدوها في تحقيق كل تلك الإنجازات، وكان لكل مرشد دوره (1928 م- 2004 م).

ورغم أن المستشار "الهضيبي" خرج من السجون عام 1971 م، ثم انتقل للعمل في السعوية، حتى عاد قبيل وفاة المرحوم "التلمساني" عام 1984 م؛ أي أن دوره كان من عام 1984 م حتى 2004 م، فإنَّ بصمته لم تختلف رغم أنه لم يتولَّ الدور الأول إلا أربعة عشر شهرًا، وكان المتحدث الرسمي للإخوان طوال عهد "أبو النصر"، ثمَّ نائبًا للمرشد في فترة "مشهور"، حتى أصبح مُرشدًا عامًّا في نوفمبر (رمضان) 2002 م، وشغل موقع الناطق باسم كتلة الإخوان في البرلمان المصري (1987 م – 1990 م)؛ أي أنَّ تأثيره امتد من عام 1987 م إلى 2004 م.

أحببناه عندما رأيناه

خالد محمد مختار

محمد أسامة فؤاد

شعبان محمد كامل

هل رأيت يومًا رجلاً، وانشرح صدرُك لرؤيته، وامتلأت جوانبُك بحبه، وتريد أن تراه ولا تريد أن تبتعد عنه، وتحب أن تتكلم معه لكي تراه وتسمع منه.. إنه المستشار "محمد المأمون الهضيبي"- المرشد العام للإخوان المسلمين- الذى إذا نظرت إلى وجهه يرتاح قلبك، وإذا سمعت كلامه مُلئتَ حبًا له ولكل الناس، وأيقنت أن الله هو الذي يختار رجال هذه الدعوة المباركة الودود الولود..

لم نجدْه يومًا غيرَ مبتسمٍ، حتى حينما يتعرض لهجوم من هنا أو من هناك، أو يوصف بوصف مناقض للحقيقة.. ولم نرَه مهمومًا إلا عندما يسمع عن اعتقال أحد من الإخوان فيظهر الحزنُ على وجهه- يرحمه الله- وكان أشد حزنًا عندما سمع باستشهاد الأخ "مسعد قطب" من أثر التعذيب بأمن الدولة، وكان حريصًا دائمًا على أن لا ينال أخٌ أيَّ أذى..

وكان دائم الاتصال بأُسر المعتقلين في الأعياد وتهنئتهم بالعيد.. وإرسال برقيات التهنئة بالعيد.. في كل المناسبات للجميع.. وكان يكلفنا ويتابعنا في إرسال هذه البرقيات.. حتى آخر يوم رأيته فيه كان يطمئن مني على إرسال برقيات التهنئة بالعيد للإخوة الأقباط، ولم يهدأ حتى أخبرناه أننا قد أرسلناها.. وكان حريصًا كل الحرص على تهنئتهم..

جمعني به يوم عمل شاق.. وفي زحمة العمل ناداني، وقال لي: "أريد أن أراجع الورد القرآني.. فأمسك لي المصحف حتى أقرأ عليك".. فكان يقرأ وكنت أستمع إليه، وكأنه يستجمع معاني الكلمات والآيات.. فقرأ أكثر من الجزء، فقال لي الآن أستطيع أن أنام..

كان أستاذًا في تفسير الآيات، وفي شرح حديث رسول الله، وفي الفقه، وفي السياسة.. كان جميل المنطق.. عذب الكلمات.. يفكر في كل كلمة قبل أن يقولها.. ولا يملُّ من توضيح ما استعصى علينا فهمه وعلى غيرنا من الإعلاميين والباحثين.

عليكَ رحمةُ الله تعالى، وأسكنك فسيح جناته، وأن يجزيك عما قدمت للإسلام والمسلمين خير الجزاء.. وأن يلحقك بمن سبقك من المرشدين ومن الإخوان في الفردوس الأعلى، إن شاء الله.