كشف تقرير جديد أصدرته منظمة “العفو الدولية“، اليوم الخميس، عن كيفية استخدام السلطات السعودية للمحكمة الجزائية المتخصصة – برغم كل خطابها الإصلاحي – كسلاح للإسكات الممنهج لأصوات المعارضة.

وتطلق المنظمة أيضاً إلى جانب التقرير حملة تدعو إلى الإفراج فوراً، ودون قيد أو شرط، عن جميع المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم.

وفي التقرير الذي يحمل عنوان: “تكميم الأفواه المعارضة: المحاكمات المسيّسة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية”، توثق المنظمة التأثير المروّع لعمليات المقاضاة أمام المحكمة الجزائية المتخصصة للمدافعين عن حقوق الإنسان، والكتّاب، والخبراء الاقتصاديين، والصحفيين، ورجال الدين، ودعاة الإصلاح.

وكذلك النشطاء السياسيين ومن بينهم الأقلية الشيعية في المملكة العربية السعودية التي عانى أبناؤها محاكمات بالغة الجور أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، وصدرت بحقهم أحكام قاسية اشتملت على عقوبة الإعدام بناءً على أنظمة فضفاضة لمكافحة جرائم الإرهاب والجرائم المعلوماتية.

وقد تضمن التقرير التفحص الواسع لوثائق المحكمة، والبيانات الحكومية، والتشريعات الوطنية، علاوة على المقابلات مع النشطاء والمحامين، والأشخاص الذين لهم صلة وثيقة بالحالات الموثقة.

وقالت “هبة مرايف” – المديرة الإقليمية للمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية -: “إن الحكومة السعودية تستغل المحكمة الجزائية المتخصصة لإضفاء هالة خاطئة من المشروعية على إساءة استخدامها لنظام جرائم الإرهاب لإسكات صوت معارضيها؛ فكل مرحلة من مراحل العملية القضائية في هذه المحكمة مشوبة بانتهاكات حقوق الإنسان، بدءاً بالحرمان من حق الاستعانة بمحامٍ، مروراً بالاعتقال بمعزل عن العالم الخارجي، وانتهاء بالإدانات المبنية حصراً على ما يسمى “باعترافات” تُنتزع تحت وطأة التعذيب”.

وأضافت “وتُكذّب البحوث التي أجريناها الصورةَ الإصلاحية الجديدة البراقة التي تحاول السعودية خلقها، وتفضح كيفية استخدام الحكومة لمحكمة مثل المحكمة الجزائية المتخصصة كأداة قمع قاسية لأولئك الذي يتمتّعون بالشجاعة الكافية للتعبير عن معارضتهم أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو المطالبة بإصلاحات مجدية”. وخطابات الحكومات حول الإصلاحات، التي زادت بعد تعيين ولي العهد محمد بن سلمان، تتعارض بشكل صارخ مع حقيقة وضع حقوق الإنسان في البلاد”.

ويوثق تقرير منظمة العفو الدولية حالات 95 شخصاً، معظمهم من الرجال الذين حوكموا أو صدرت عليهم أحكام، أو تستمر محاكمتهم أمام المحكمة الجزائية المتخصصة، بين عامي 2011 و2019.

وتتواصل أمام هذه المحكمة حتى يومنا هذا محاكمة ما لا يقل عن أحد عشر شخصاً اعتُقلوا بسبب تعبيرهم السلمي وتكوينهم للجمعيات أو الانضمام إليها.

ويقضي الآن حوالي 52 شخصاً عقوبات مطولة في السجن تتراوح مددها بين خمس سنوات وثلاثين سنة.

ويتعرض عدد من الشيعة في السعودية – بينهم شبان حوكموا على “جرائم” اتهموا بارتكابها عندما كانوا دون سن الثامنة عشرة – لخطر الإعدام الوشيك في أعقاب محاكمات بالغة الجور أمام المحكمة الجزائية المتخصصة. وقد أعدم ما لا يقل عن 28 سعودياً ينتمون إلى الأقلية الشيعية منذ عام 2016، بينهم كثيرون حكمت عليهم هذه المحكمة بالإعدام استناداً فقط إلى “اعترافات” يشوبها التعذيب.

ويقبع تقريباً كافة أصحاب الأصوات السعودية المستقلة خلف القضبان ومنهم المدافعون عن حقوق الإنسان، والكتّاب، ورجال الدين، حيث يقضون عقوبات مطولة أنزلتها بهم المحكمة الجزائية المتخصصة وغيرها من المحاكم منذ عام 2011 أو تتواصل محاكمتهم بتهم تتعلق بتعبيرهم عن رأيهم أو نضالهم السلميين.

وتدعو منظمة العفو الدولية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع سجناء الرأي، وإلى إجراء إصلاحات جوهرية في المحكمة الجزائية المتخصصة، بما يضمن إمكانية إجرائها محاكمات عادلة وحماية المتهمين من الاعتقال التعسفي، والتعذيب، وغيرهما من ضروب المعاملة السيئة.

كذلك يجب إجراء تحقيقات مستقلة في مزاعم التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة في الحجز، وتقديم تعويضات كاملة لجميع ضحايا التعذيب وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الموظفون الرسميون، أو الذين يتصرفون نيابة عنهم.

واختتمت “هبة مرايف” قائلةً: “وإذا أراد الملك وولي عهده أن يبرهنا أنهما جادان في مسألة الإصلاحات، فيجب عليهما كخطوة أولى أن يطلقا سراح جميع سجناء الرأي فوراً ودون قيد أو شرط، وأن يضمنا إسقاط إداناتهم والأحكام الصادرة عليهم، وأن يعلنا وقفاً رسمياً لتنفيذ جميع الإعدامات كمقدمة لإلغاء عقوبة الإعدام”.

وفي مارس وسبتمبر 2019، تبنّى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بيانات مشتركة غير مسبوقة بشأن السعودية تحدّد عدداً من المعايير للإصلاحات العاجلة لحقوق الإنسان. ولم يتم الوفاء بأي منها، وينبغي على أعضاء المجلس أن يضمنوا إجراء التدقيق المتواصل في المجلس، وذلك بدعم إنشاء آلية للرصد، ورفع التقارير بشأن أوضاع حقوق الإنسان إلى المجلس.