روى البخاري بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمَّتهم المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟!" ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايمُ الله لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها".

قضية رأي عام

قضية شغلت الرأي العام آنذاك "قريش أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت"، وقريش تجمع بطونًا وقبائل وفروعًا ذات اتصال بالأنساب، وأم رومان أم السيدة عائشة مخزومية، وعمة المرأة التي سرقت أم سلمة وهي مخزومية، وخالد بن الوليد كان مخزوميًّا، وهذا الامتداد والتشابه مع بقية بطون وأفخاذ القبائل يبين مدى سيطرة هذا الحدث وانشغال الناس به، وما كان سعيهم إلا إلى دفع عار السرقة؛ لأن إقامة الحد ختمٌ على المرأة وشهادةٌ بقيامها بجريمة من أشنع الجرائم.

السيادة لمكارم الأخلاق

وانشغال قريش بفعلة المرأة المخزومية هو دليل سيادة مكارم الأخلاق، وإلا ما حاولوا درء الحد عنها بالشفاعة: "من يكلم فيها رسول الله؟".. هذه الجملة استخلصها الراوي (عائشة رضي الله عنها) أصابت المعنى الذي ساقت من أجله الجمل والألفاظ، وخلَّصت المعاني مما لا حاجة إليه، وانتقت الكلام للمعنى المراد من بين ثنايا أقاويل كثيرة، وأوجزته من حوارات تشعَّبت وامتدت فيها ما يتعلق بالسياق، ومنها ما يُعدُّ حواشيَ حوله، فسكتت عما لا يخص ما أرادت تسليط الضوء عليه، وما فُهِمَ من فحوى الخطاب إشارةً.

والجملة الاستفهامية كشفت حيرة القوم وذهولهم واستحياءهم من فعلتها، فعجزوا عن إيجاد مدخل أو وسيلة يتواصلون بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم راجين درء الحد.

وليس الاستفهام لاستبعاد أن يكلم أحدٌ رسول الله في هذا، وإلا ما جاء السياق "ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!"؛ فالجملة الثانية تدل على أنهم كانوا في حال بحث وتنقيب عن المناسب لمحادثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر العظيم الذي داهمهم، والاستفهام الأول "من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" يدل على استعظام المشكلة واستفحالها.
( يجترئ عليه: أي يجرؤ على مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر).

من بلاغة السرد

والقصر في الجملة "ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله؟!" قصر إفراد مصحوب بوصفية تعليلية تفسيرية "حِبُّ رسول الله"؛ فيها حيثية ترشيح المخاطب؛ لمنزلته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدى حب رسول الله له.

وهنا كلام مسكوت عنه؛ فالسياق طُوِيَت فيه جمل دلَّ عليها الخطاب: "فذهبوا إلى أسامة فأخبروه بالأمر ورجَوا منه أن يشفع عند رسول الله، وما زالوا به حتى قَبِل بعد تحرُّجٍ منه، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه"، والربط بين الجمل (بالفاء) يدل على أن السياق جاء في نسق حدث واحد، وهو الشفاعة للمرأة المخزومية التي سرقت، وتعثُّر القوم في حل هذه المشكلة وعجزهم عن العثور عمن ينهض بالأمر.

مجتمع يظلله الالتزام

واللافت للانتباه أن الكثيرين لم يتقدموا للشفاعة امتثالاً لأمر الله، وتقدم حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة؛ ليس جرأةً على حدود الله، حاشا لأسامة، ولكن ربما سوَّغ له أهلها أن الأمر يشترك فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهي قد سرقت قطيفة من بيته صلى الله عليه وسلم عام الفتح، كما ورد في السِّيَر؛ ولعل هذا هو ما أطمعهم في عفو رسول الله؛ إذ الأمر يتعلق به شخصيًّا، لكنه صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ أن الأمر غير ذلك.

ويُفهم من فحوى الخطاب "من يكلم فيها رسول الله؟!" بعد "أن قريشًا أهمَّتهم المرأة المخزومية" أن تحرُّكًا ذا طابع قبلي كان يتململ خوفَ إقامة الحد عليها، وإذًا.. كان رفض الشفاعة من أسامة وَأْدًا لأية قيمة جاهلية تطلُّ برأسها في ظل مجتمع إسلامي تسوده شريعة الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان رفض الشفاعة بالدرجة الأولى إعلانًا لسيادة حكم الله ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ﴾ (المائدة: من الآية 50)، ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ (الأحزاب: من الآية 36)، ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)﴾ (النساء).

والحدود: جزءٌ من قانون جنائي؛ تحمي المجتمع كله؛ ماله وعِرضه ودمه وعقله، وقبل كل هذا دينه.

استشفاعٌ يأباه رسول الله

لذلك استنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعة أسامة؛ فالاستفهام فحواه: لا ينبغي أن يكون ذلك منك، ولا ينبغي لك لأنه أمر جَلِيٌّ فيه حكم الله؛ فالمرأة ثبت عليها ما يستوجب الحد، فأنَّى لك يا أسامة أن تفكِّر في الشفاعة لمن انتهكت حدًّا من حدود الله تعالى، وأنت لك من الفهم والوقوف على حدود الله ما يمنعك من ذلك؟! وإذا كان هذا ما قوبل به أسامة الذي رشَّحه الناس "حِبّ رسول الله" للشفاعة؛ فالخطاب عام، فلا أنت يا أسامة ولا غيرك ينبغي له أن يشفع في حدٍّ من حدود الله.

أسامة يلوذ بالاستغفار

فاستشعر أسامة الذنب فقال: استغفر الله لي يا رسول الله؛ فالشفاعة مردودة مرفوضة لأنها مصحوبة بدليل رفضها، وهو أنها في "حدٍّ من حدود الله"، وكلمة حدود الله في القرآن الكريم دائمًا تَعقُب قضايا تمسّ أمن الفرد والمجتمع والأمة.

ولما استعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أقدم عليه أسامة، وما كان إقبال أسامة شافعًا للمرأة إلا اختزالاً لما عليه كثيرٌ من الناس تجاهها؛ فالأمر يتجاوز الفردية؛ لذلك صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر واختطب الناس.

الرسول يُوَجِّه الأمة

"ثم قام فاختطب ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه".. اختطب: تهيَّأ للخطبة وهيَّأ الناس، فكان التفاعل في ذروته، ثم بدأ الخطبة بما عُهِدَ افتتاحًا وثناءً على الله تعالى، واختطب: افتعل.. الصيغة هذه تدل على تجمُّع الناس وأنهم كانوا يتوافدون سِراعًا؛ لسماع ما يرسيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناء الأمة الوليدة وما يلقيه من أحكام يسعدون بها دنيا وآخرة.

وبيْن "ثم قام فاختطب" و"ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم" المسافة الزمانية بين (ثم) الأولى، والثانية توحي بأنه صلى الله عليه وسلم ربما شرع في بيان بعض الأمور يمهِّد بها للقضية (الشفاعة في حد السرقة)؛ فإذا ما اجتمع الناس وتهيؤا قال: "إنما أهلك الذين قبلكم" وهنا قصر مجازيٌّ؛ حيث حصر الموصوف (هلاك الذين قبلكم) على الصفة "التجاوز عن السارق إذا كان شريفًا"، والمجاز تنزيلي؛ حيث إن هلاك الأمم لا يكون بالتجاوز عن الأشراف حال جرمهم فقط؛ بل هناك صفات أخرى تتعاضد فيما بينها فتُودي بالأمم، ولكن أُنزِلت كل هذه الصفات والعوامل منزلة المعدوم، وأُبرزت هذه وخُصَّت دون سواها لخطورتها ولاهتمام المتكلم صلى عليه وسلم بها؛ حيث إنها مناط الحديث؛ ذلك لأنها آفة يُخشى على المجتمع الوليد أن تستشري فيه فتهلكه.

التحذير من مَهلكة وسوء مصير

والإخبار يطوي التعريض إلى سوء المصير، ويحوي جملاً ذات ديناميكية خاصة "القصر"؛ إنما.. التعبير بالماضي في (أهلك)، والظرفية الزمانية ذات الامتداد التواصلي (قبل)، والإضافة التي تُوحي بإلحاق العقاب بهم كما لحق بمن قبلهم، (وإنما) أفادت التعريض؛ أي إذا فعلتم ما فعله من قبلكم فستؤول عاقبتكم إلى مثل ما آلت إليه عاقبتهم فاحذروا وارتدعوا، تقديم نتيجة الظلم والتفرقة الطبقية على سببها.. "أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه".

ويمكن التعبير أن يكون "هلاك الذين قبلكم لكونهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه"، ولكن جوامع الكلم من أفصح البشر صلى الله عليه وسلم تسوق الجمل والألفاظ في أبلغ صورها، وجملة "لأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف" تعليلية تفسيرية، تبيِّن سبب هلاكهم، وحوى خبر المبتدأ الشرط "إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".

فهاتان الجملتان الشرطيتان بينهما مقابلة؛ تبيِّن شناعة ما عليه القوم من جور وعسف، وبين الشريف والضعيف طباق يوحي بطبقية يأباها الإسلام؛ لأنها تمثل خنوعًا وقبولاً بالاستبداد ورضا بالقهر، فلولا وجود الضعفاء المستبَدّ بهم ما كان السادة المستبدون، وهذا يُضاد مقتضيات كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، ودلالة التوحيد طرح كل ألوهية، وإعلان العبودية لله وحده؛ لذلك كانت المساواة أساس المجتمع الإسلامي؛ لأن الكل أمام الله عبيد.

تقسيم طبقي مُهلك

وبين "تركوه" و"أقاموا عليه الحد" مقابلة تثير السخط والغضب؛ فحينما يسرق السادة يُعفَى عنهم.. ﴿واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ﴾ (يوسف: من الآية 29)، أما الضعفاء فترى الحركة الملتفة حولهم، وجملة "أقاموا عليه الحد" جملة مصورة؛ تشخِّص الموقف حالَ إقامة الحد، والفعل (أقاموا) له دلالة الهِمَّة والجِدية والعزم، والجملة توحي بإحكام القبضة على الضعيف وعدم إفلاته، أما الشريف فالفعل (تركوه) أوحى بعدم التعرض له وعدم المساس به، فيمضي في حياته كيفما شاء، وهذا منتهى الكبر والتألُّه من دون الله، فتنشأ طبقة الطغاة كالتي في زماننا هذا؛ حيث السلب والنهب، ولا أحد يواجههم بما اقترفت أيديهم، بل يتقلبون في البلاد طغاةً باطشين بالأحرار.

واللافت أن مرجع الضمير في الفعلين واحد (تركوه- أقاموا) الذين قبلكم، وهو ضمير ذو امتداد مع كل من يتصف بنفس صفاتهم، مما يبين أنهم مناط الإفساد أو الإصلاح، مما يعظم التبعة والمسئولية، وضمير الجمع هو الغالب في السياق، والألفاظ ذات معنى الجمع (قبلكم- كانوا- فيهم- أقاموا- الذين) والفرد (الشريف- الضعيف) وهو مناط التفرقة، فسكوت الجمع ورضوخه للواقع المفروض عليه إيذان بهلاك محقق.

السكوت عن الظلم يُودِي إلى الدمار

فامتداد الظلم وتماديه مَهلكةُ الأمم، وما أهلك السابقين يُهلك اللاحقين، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

والأمة التي ترضى بوقوع الظلم فيما بينها ولا تدفعه أمة تُودِّع منها، وأفراد الأمة عندما يُرَبَّوْنَ على إقامة شرع الله ويعايشون نبض رد الحقوق لأهلها؛ تترسَّخ في نفوسهم عقيدة الذود عن الحياض وبذل الأرواح فداءَ الدين والوطن.

أما إذا اعتادت التخاذل وعدم إقامة شرع الله ألفت الهزائم في كافة الميادين، ولعل هذه الحياة التي يعتادها أفراد الأمة إذ يمتثلون شرع الله وحدوده من معاني قوله تعالى ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ (البقرة: من الآية 179)؛ فالأمة حال التزامها بالشرع تحيا وتلوذ بحمى ربها، أما إذا ما فرَّطت هانت على أخسِّ خلق الله، وما واقعنا إلا تصديق لهذا.

أمةٌ ألِفت الاستعباد

أمة ألفت سماع مسوغات هزائمها، بل وتستعذب ترنُّم الشادي الذي يصدح بنصر زائف، وتصنع الأجهزة الإعلامية (سحرة فرعون) أبطالاً وزعماءَ؛ هم في الحقيقة عملاء وربائب الاستعمار، صنعهم على عينه لينوبوا عنه في تنفيذ مخططاته ومآربه.

رسول الله يقرر حُكمًا

ثم يُقْسِم رسول الله ليقرر حقيقةً وحكمًا "وايم الله؛ لو أن فاطمة ابنة محمد سرقت لقطعت يدها" والقسم من الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وهو الذي لم يكذب قط (الصادق الأمين) فالقَسَمُ له عِظَمُهُ، والمُقسَمُ به هو الله رب العالمين الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ إذن الأمر جلل.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بقسمه يُزيل من الأذهان أية ذرة فكْر يتسرَّب إليها تراجع عن تنفيذ حكم الله، ويضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً بابنته فاطمة، وهي التي يستحيل في حقها السرقة أو أي خُلق مشين؛ لأنها ابنة رسول، والرسل معصومون حتى في أهليهم، ومعلوم أن خيانة امرأة نوح ولوط كانت في عدم الإيمان والبوح ببعض الأسرار كما صدر من امرأة لوط، وكفر ولد نوح دليلٌ على أن رسول الله نوحًا لم يقهر ابنه على اتباعه ولم يقهر زوجه، كما فعل ذلك فرعون عندما قتل امرأته لأنها آمنت بالله.

فكفر زوجتي نبيِّين (نوح ولوط) وابن نوح دليلٌ على مدى الحرية التي وَسِعَت هؤلاء في اختيار معتقدهم؛ أما الطغاة فلم يعرفوا غير السجن والقتل والطرد لمخالفيهم ﴿لأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ﴾ (طه: من الآية 71)، ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآية 56).

رسول الله.. مُشَرِّعًا

رسول الله صلى الله عليه وسلم حال توعّده بقطع يد فاطمة لو سرقت، ساق الخبر فرضًا؛ بوصفه أبًا وقعت ابنته لحظة ضعف بشري في خطأ، فهو صلى الله عليه وسلم هنا فردٌ من الأمة؛ فلذلك قال (تجريدًا) فاطمة بنت محمد؛ بوصفه فردًا من الأمة، شمله عمومها، ثم عادت شخصيته صلى الله عليه وسلم بوصفه نبيًّا وقائدًا يطبِّق حدود الله ومسئولاً عن أمن الأمة كلها فظهرت شخصية القائد المنفذ لأحكام ربه "لقطعت يدها".

فهذه فرضية استدلالية لدفع أي توهّم يحُول دون تطبيق شرع الله، فكان (التجريد) لامتثال الشرع وتنفيذه بلا محاباة، وهنا يتجلى مدى الامتثال للشرع مبالغةً في الإصرار على إنفاذ الحد، وهنا سِيق فعلا الشرط بصيغة الماضي (سرقَتْ- قطعْتُ) وهي لم تقُم بالفعل بالسرقة، ولكنه سِيق بصيغة الماضي للتأكيد والحزم بوقوع العقاب إذا اقترفت ما يستوجب الحد، وجواب الشرط يستلزم المستقبل؛ أي سأقطع، ولكنه تحقيقًا في وقوع لازم الفعل سِيق ما يؤكد عقابه إذا استوجبه استحقاقًا وفق شرع الله.

وعندما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة كانت هذه إيماءةَ تواصل مع فاطمة المخزومية (التي سرقت)؛ فرسول الله أبٌ للجميع، وليست إقامة الحد بترًا للعلائق أو انتقامًا شخصيًّا، بل هي تطهير لمن ارتكب ما يستوجب الحد، وسياق الأحداث يؤكد تواصل فاطمة المخزومية بعد إقامة الحد عليها، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن معاملتها بعد توبتها كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها.

فأي عدل هذا وأي مساواة؟! الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم وأهله ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الأحزاب: من الآية 33) يُنَزِّلُ ابنته هذه المنزلة لتكون نموذجًا لو صدر منه ما يستوجب الحد لأقامه، وتواصل الرسول صلى الله عليه وسلم معها دليل رحمة وعفو.

والآن.. أين نحن؟!

انظر ما عليه مترفو أهل زماننا وأصحاب رؤوس الأموال التي لا تعرف حرامًا ولا حلالاً، فشغلهم الشاغل اكتناز الثروات وتكديسها في بنوك الخارج، (أكثر من ألف تريليون دولار في بنوك أمريكا وأوروبا للعرب)، وما تقدمت الأمة نحوهم بسؤال: من أين؟ وإلى أين؟

إن أمةً تجبن عن سؤال ناهبيها وإيقافهم لأمةٌ ميتة؛ جديرة بعقاب ٍلا يُصيبنَّ الذين ظلموا منها خاصةً.