تاهت في دروب الغضب أحلام كنا قد أعلناها منذ لحظات بسيطة مرت بنا، وغامت أعيننا بسحابات من الدموع أبت إلا أن تعلن مشاركتها تضامنًا مع الحب الذي اهتز عرشه منذ دقائق معدودة، ومع ثقل الكلمات التي قيلت من كل طرف للآخر شق صفها كلمة أسكتت الألسنة وبحت معها الأصوات، وجف الحلق وتهافتت الدموع أيهما تسبق لتطفئ حريقًا في القلب نشب توًا "دعني وحدي فلن أستطيع أن أكمل معك سكتت كل الكلمات، وضاعت المشكلة البسيطة الأصلية واجتمعت كل الذكريات كي تقف حائلاً دون آلام الكبير الناتج عن تلك الصفعة الرهيبة.

 

ذكرى ارتباط جعله الله عز وجل مقدسًا بميثاق من عنده، ذكرى بسؤال وجواب: تقبليه زوجًا؟ نعم قبلته زوجًا ذكرى رعشة يدّ تحتضن يدًا أخرى، تشد عليها وتطمئنها بأنها اليوم في رحاب حياة جديدة وعش طالما حلما به معًا، وقلب طالما تضرع إلي الله أن يبلغه مراده وأن يزوجه من يختار، ونظرات دافئة تحمل في طياتها وعود بالسعادة والاحتواء وبذل العمر في إرضاء الزوج الحبيب.

 

ذكرى الالتقاء في أول ثمرة لزواج مبارك، ضحكات ملائكية بريئة وبكاء كالموسيقى، وعصفور ينمو بين أيدينا ويكبر يومًا بعد يوم، تضمه أحضاننا معًا، وتحمله قلوبنا معًا، وتحميه لمساتنا معًا، وتتلهف عليه أرواحنا حين يروح أو يجيء.

 

ذكرى ليال سهرناها معًا تألمت فيها القلوب لمرض أحدنا وأمنيات بأن يكون الآخر هو الذي يحمل المرض والألم والقلق عن الآخر حبًّا فيه وخوفًا عليه وتقديرًا له.

 

ذكرى حياة زاخرة عشناها معًا لحظة بلحظة بكل ما فيها من ضعف وقوة، ألم وأمل، فرح وحزن، ضحك وغضب، تقارب وتباعد ذكرى حنين وشوق وآلام ليال طوال اجتمعت في قلب مكلوم من سفر الرفيق يومًا، أو اضطراره للسهر بعيدًا عن رفيق دربه.

 

ذكريات تلو ذكريات تتوالى لتخفف من أثر صدمة الكلمات أو ربما لتزيدها ألمًا وحزنًا إذ كيف يجتمع كل هذا مع تلك الكلمة الصاعقة؟ كيف يطلب أحدهما من الآخر أن يبتعد ولو قليلاً؟ كيف يقدر على النطق بها وهو الملاذ له والمرجع؟ تسكت الكلمات وتتراجع وتنهمر الدموع وتتعالى دقات القلوب وتتوالى الذكريات؛ ليظهر في تلك اللحظة صوت جديد "الكرامة"، تطلبين مني الرحيل، أتركك وأبتعد؟ استطعتِ أن تنطقيها؟ ولماذا؟ وأي بيت بلا مشكلات؟ أليس واردًا جدًّا أن نختلف؟ ومن قال إن الاختلاف بين الزوجين يعني نهاية حياة؟ ومن قال إنَّ كل حجر عثرة يلاقينا يتطلب منا العودة من حيث أتينا؟ لماذا لا نتعاون معًا على إزاحته من طريقنا، لماذا لا تشدي على يدي كي نعبره معًا بأمان مع كثرة تلك الأحجار؟

 

إنَّ كل منحنى نحسبه حين نراه من بعيد طريقًا مغلقًا مع أنه في ذلك الانحناء ربما يكون المخرج والمعبر إلى بر الأمان.

 

تطلبين مني الرحيل؟ إذن فلك ما تريدين فكرامتي تأبى أن أتوسل إليك ألاَّ تفعلي، ورجولتي ليست للمهانة منك كل حين...

 

لا يا زوجي، لن أدعك بكلمة غاضبة مني أن تهدم صرحًا حلمنا به معًا وبنيناه معًا وتحملنا في سبيله معًا، لن أدعك ترحل عني وأنت تعلم أنك ستري وحصني، لن أدعك ترحل عني وأنت قلبي ونبضي وحياتي، لن أدعك ترحل وأنت تعلم أنني في هذه الدنيا بك أنت وأنني أبتغي رضا ربي بإسعادك وطاعتك، لن أدعك ترحل وأنت جنتي وناري وسبيلي للنجاة إن أنت رضيت عني، من قال إنك حين تعود قد مسست كرامتك؟ وكيف أمسها وهي كرامتي وحمايتي؟ من قال إن رجولتك تخدش حين تعود أو حين تنساب دموعك من أجلي؟ بل إنها الرجولة كلها والإنسانية كلها ومقتضي كمال النفس الإنسانية التي ميزها الله عن سائر المخلوقات بالرحمة والود والحب، من قال إنك حين تعود لن تجدني في انتظارك بكل الحب والشوق يغفر أحدنا للآخر ويعفو، خاصةً في تلك الأيام المباركة التي نطلب فيها العفو من الله عز وجل، فكيف لا يعفو أحدنا عن الآخر؟ ومن أولى بالعفو إن لم يكن الحبيب القريب؟ لن أبحث حين تعود من المخطئ ومن السبب ومن المظلوم ومن الظالم؟ فكلانا أخطأ في نفسه حين سمح للشيطان بالتدخل، وكلانا مصاب فلا غالب ولا مغلوب، كلانا مهزوم أمام تاريخه ونريد معًا أن نمحو تلك النقطة السوداء في طريقنا معًا، لن أسألك لم فعلت ولا تسألني .

 

حقك عليه "حقك عندي" حتى لو كان الحق لي، فمن أنا ومن أنت؟ وما أنا وما أنت إلا امتداد لواحد أوله عندك وآخره عندي، حقك عندي وحقي عندك دون أن نبحث ونعود لنسأل من السبب، فكلانا هو الآخر وكلانا يحمل للآخر حقًّا رغم كل المشكلات ورغم كل التساؤلات حقك عندي وفوق رأسي وفي قلبي وعقلي ولن أهنأ ولن أستريح إلا وأنت عائد إلى رحاب عشنا بقلب كالقلب الذي عرفته من قبل، قلب زوج محب يحفظ ود زوجته ويتقي فيها ربه سريع الرجوع سريع العفو.