مقدمة

منذ أكثر من ثلاث سنوات والنظام يعلن ويؤكد عزمَه إجراءَ تعديلاتٍ في بعض مواد الدستور المصري؛ لتحقيق إصلاحات في المجال السياسي كما يزعم، وذلك من أجل التوافق والملاءمة مع الواقع الداخلي والخارجي الذي تغيَّر كثيرًا منذ 1971م وحتى الآن، خاصةً أن بعض مواد الدستور التي أُعِدَّت منذ أكثر من 35 عامًا لم تَعُد صالحةً للتعامل مع الواقع الجديد.

 

وقد جرى تعديلٌ محدودٌ على الدستور عام 2005م عندما طُرح مقترحٌ للتعديل على مجلس الشعب في 26 فبراير 2005م، وتم إقرار تعديل المادة 76 من الدستور في 25 مايو من نفس العام، وقد صاحبت ذلك حركةٌ شعبيةٌ كبيرةٌ للاعتراض على التعديل المقترَح، الذي كان يهدف إلى ضمان إعادة انتخاب رئيس الجمهورية.

 

ورغم الأحداث التي صاحبت التعديل إلا أن النظام لم يتراجع عن مقترحه، وتم إقراره بعد الاستفتاء الشعبي عليه، وأُجريت الانتخابات الرئاسية في سبتمبر من نفس العام وتحقَّق للنظام ما أراد، وأُعيد انتخاب الرئيس لتمتد فترةُ حكمه بنهاية هذه المدة إلى 30 عامًا، وعلى الرغم من هذا الإصرار من النظام إلا أن التفاعل الشعبي مع الحدث- وخاصةً من قِبَل الجماعة- ترك أثرًا إيجابيًّا كبيرًا على المجتمع؛ من حيث الوعي والالتفاف حول رموز الجماعة، وقد ظهر ذلك جليًّا في انتخابات مجلس الشعب التي تمت في نوفمبر 2005م، ونجح للجماعة 88 عضوًا في المجلس (حوالي 20% من إجمالي أعضاء المجلس)، ومنذ ذلك التاريخ والنظام لا يهدأ له بالٌ ولا تقرُّ له عين، وكذلك القوى الكبرى العالمية المُعادية لشعوب المنطقة، وقد ظهر ذلك واضحًا في الحملات الأمنية الهجومية المستمرة على الجماعة؛ وذلك للعودة بها إلى المربع الصفري من وجهة نظر النظام.

 

 الصورة غير متاحة
 
وكانت قمةُ هذه الهجمات ما وقع مؤخرًا من اعتقال نائب المرشد العام وعدد من القيادات المعروفة والطلاب وغيرهم، فيما عُرف بأحداث جامعة الأزهر2006م، ثم وصلت حركةُ النظام المعادية للجماعة في الاقتراحات الأخيرة إلى إجراء تعديلات على 34 مادةً من الدستور في محاولةٍ لتقنين تصرفاته المفضوحة ضد الجماعة لمنعِها من الظهور والتواجد على الساحة المجتمعية العامة، وفي المؤسسات الشعبية والنيابية ذات الأثر في المجتمع، وعلى رأسها مجلس الشعب، ويضع النظام عينَه في ذلك على انتخابات مجلس الشورى، التي من المفترَض أن تُجرى في يونيو القادم 2007م (المفترض أن يتم فتح باب الترشيح لها في 24 أبريل 2007م) وكذلك انتخابات المحليات المؤجَّلة والمتوقَّع إجراؤها في أبريل 2008م، وانتخابات مجلس الشورى والشعب في عام 2010م، وربما يفكِّر النظام أيضًا في انتخابات الرئاسة التي يفترض أن تتم عام 2011م إن اكتملت هذه الفترة الرئاسية حتى نهايتها، على الرغم من أن الجماعة لا تفكِّر في هذه الأخيرة والنظام يعلم ذلك جيدًا لأسباب كثيرة وواضحة.

 

وتأتي هذه التعديلات في مناخ عام مضطَّرب ومتوتِّر وأجواء مأزومة؛ بسبب فشل الحكومة والنظام في حلِّ الأزمات التي يعاني منها المجتمع في مجالات متعددة، كالصحة والتعليم والبطالة وارتفاع الأسعار وانتشار الرشوة والمحسوبية واستمرار العمل بقانون الطوارئ وضعف الحياة الحزبية وسوء إدارة حتى المتاح من الموارد وحرص غير مسبوق من بعض ذوي السطوة- وخاصةً من رجال الأعمال وغيرهم- على إحكام القبضة واستمرار السيطرة على الحكم، مهما كانت النتائج السلبية المترتبة على ذلك، ويتزامن كل ذلك مع انعدام الثقة وضعْف التواصل بين الشعب والحكومات المتتابعة التي يفرزها النظام..!!

 

الأمر الذي يستحيل معه توفير الأجواء الملائمة لمساهمة حقيقية من قِبَل المجتمع بكل أفراده وطوائفه وفئاته ومنظماته في صياغة لدستور دائم يعكس رغبة الأمة ويحقِّق احتياجاتها في كافة المجالات، وفي ذات السياق فإن الاضطراب الإقليمي والعالمي الذي يتمثَّل بكل وضوح في الحالة الفلسطينية والعراقية واللبنانية ودور الإدارة الأمري