أقامت الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بدولة الكويت مؤخرًا حفل وفاء وتكريم للراحل الكبير والفقيد الجليل الداعية والمفكر الأستاذ المستشار سالم البهنساوي الذي تُوفي عن عمرٍ يناهز الـ74 عامًا وهو يبلغ دعوة الإسلام في جمهورية أذربيجان في أثناء مشاركته في مؤتمرٍ عن "الوسطية في الإسلام" فجر الجمعة 3 صفر 1427هـ الموافق 3 مارس 2006م نظمته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت في العاصمة الأذرية باكو.

 

وقدَّم الندوة د. عادل الفلاح، وكيل وزارة الأوقاف الكويتية، مشيدًا بمكانة الراحل الجليل وعلمه وأخلاقه، وأن مصاب الكويت خاصة والعالم الإسلامي عامة بفقدانه كبير.

 

 الصورة غير متاحة

د. السيد نوح

 ثم تحدث الداعية الكبير الشيخ الدكتور السيد نوح أستاذ الحديث وعلومه بكلية الشريعة بالكويت الذي بكى في مطلع حديثه ودعا له بالرحمة والمغفرة، وقال إن مجال القول ذو سعةٍ عن فقيدنا الغالي، لكن أقتصر في حديثي على محورين رئيسين: الأول: منطلقاته في الفكر والسلوك، والثاني: كيف نكون أوفياء له، فأما منطلقاته في الفكر والسلوك فكانت ستة:

 

أولاً: أن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية من لدن آدم وحتى قيام الساعة، دين عالمي شامل لكل جوانب الحياة، صالح للتطبيق في كل زمانٍ ومكان.

 

ثانيًا: أن التمكين لهذا الدين لا بد أن يكون من عمل البشر، بعيدًا عن الخوارق والمعجزات من نزول ملائكة أو بين يوم وليلة، ومن هنا يكون الابتلاءُ الذي يستدعي الصبر مستشرفًا دائمًا قوله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور: 55).

 

ثالثًا: العمل للإسلام لا بد له من تكاتفٍ وتعاونٍ وعمل جماعي منظم، مع الفهم الدقيق والنقد الذاتي لتوعية المسلمين وتبصيرهم بالطريق.

 

رابعًا: أن البشر مخطئون، وليس عيبًا أن تخطئ، لكن العيب أن تصر على الخطأ.

 

خامسًا: معالجة الخطأ بما يناسبه من اللين والشدة.

 

سادسًا: نفع النفس ونفع الغير، فكان لا يُرَى إلا مُصَالِحًا لمتخاصمين، أو مواسيًا لمصاب، أو مُشاركًا في مناسباتٍ اجتماعية، أو مجيبًا لدعوة، أو قاضيًا لأصحاب الحاجات حوائجهم.

 

ثم تناول المحور الثاني، وهو كيف نكون أوفياء لفقيدنا العزيز، مقترحًا مجموعة من الأمور، هي:

 

- إنشاء موقع خاص به على الشبكة العنكبوتية، تُنشر عليه أبحاثه ومقالاته ونشاطه وحياته وجهاده.

 

- أن نعمل على تقريرٍ كتبه في المقررات الدراسية لينتفع الطلاب بما فيها من فكرٍ مستنيرٍ، واعتدالٍ ووسطيةٍ.

 

- أن تُقام مؤتمرات وتُناقش في كل مؤتمر قضية من قضاياه، وهي كثيرة عنده، مثل: التطرف والغلو، الاعتداء على القرآن والسنة، الشريعة ومكانتها ومعالمها.

 

- أن يُقدَّم اسمه إلى الجوائز العالمية، ومن ثَمَّ يلتفت الناس إلى أعماله ومؤلفاته.

 

 الصورة غير متاحة

جانب من حضور الاحتفالية

أما الداعية المعروفة نسيبة المطوع فقالت: إن عمر الإنسان ليس بوجوده فوق الأرض، ولكن بطول ذكراه على الأرض بعد وفاته، وأشادت بوفاء الهيئة الخيرية وروعة ما تقوم به من تقديرٍ لرموز الأمة، وأن العمل الخيري الذي تميَّز به البهنساوي هو خيرٌ محض لصاحبه فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، فهو عمل ممتع لصاحبه ومَن يعمل معه ومَن يصل إليهم سواء بسواء، كما أنه جهادٌ عظيمٌ وفرصة للعامل أن يدعو إلى الله أثناء مواساة الناس وقضاء حوائجهم، فهو متعة دنيوية وسعادة أخروية، وقالت إننا نغبط الفقيد على هذه الجموع التي جاءت وفاءً له.

 

وأشاد وائل الحسناوي الأستاذ المشارك بكلية الدراسات التكنولوجية ورئيس تحرير مجلة "الفرقان" بكتبه وقيمتها الفكرية والعلمية، وثمَّن مدافعته عن الإسلام والرد على العلمانيين.
أما خولة العتيقي عضو مجلس إدارة جمعية المعلمين الكويتية، فأعربت عن حزنها على فقده، وقالت: إنه لم يمت ولكنه حي بيننا بعمله الصالح، وسيرته الطيبة، وكتاباته النافعة.

 

وتحدث الشيخ نادر النوري رئيس لجنة فلسطين الخيرية عن الفقيد في أربعة محاور: الأول عن شخصيته، وقال إنها كانت شخصيةً مخلصةً حازمةً ذات إرادة قوية وعزيمة صلبة، كما كانت شخصية طموحة متفائلة مضحية.

 

وعن صفاته قال إنه جمع مجموعة نادرة من الصفات الكبيرة أهمها: العمق في العلم، والخبرة في الدعوة، والحكمة في الطرح والأسلوب، والحنكة في التجربة، والمرونة في التعامل، والصلابة في الحق، والصبر في المحن، والقدوة في السلوك، والإخلاص في العبادة.
وعن أخلاقه قال رئيس لجنة فلسطين الخيرية: جمع الفقيد بين أخلاق كريمة منها: سعة الصدر والحلم والأناة والأخوة، والسعي في مصالح الناس وخدمتهم، وكتمان السر، والإنصاف من النفس، والأدب الجم وعفة اللسان.

 

وقال النوري إنه في رؤيته وأفكاره جمع بين منهج متكامل في عشر نقاط: معالجة الأخطاء، ومعرفة الواقع وتنزيل الحكم عليه، ووسطية الفكر، والرد على الشبهات وتفنيدها، وإعذار المخالفين، والدفاع عن السنة والانتصار للشريعة، ومراعاة أدب الخلاف، والتأصيل لفكر الدعوة، والدفاع عن رموز الدعوة، والتأصيل للتعامل مع غير المسلمين.

 

وكان مسك الختام بكلمة كريمته منال سالم البهنساوي التي أبدت سعادتها بهذا الاحتفال الوفي، وعبَّرت عن مدى فقدها له، والفراغ الذي تركه في حياتها، وذكرت من خلاله وصفاته وأخلاقه عشرة، هي: حبه للإسلام، وحرصه على أداء الصلاة في المسجد وبخاصة صلاة الفجر وعلى قراءة ورده يوميًّا من القرآن الكريم وعلى زيارة المقابر والدعاء للموتى، والبشاشة والابتسامة مهما كانت الظروف، والتفاؤل حيث كان يكثر من ذكر: تفاءلوا بالخير تجدوه، والبساطة والتواضع، وحب العلم والقراءة والحرص على اقتناء الكتب، وحب الأطفال والجلوس معهم والاستماع إليهم، والاهتمام والرعاية لأولاده وأهله، والنظام والترتيب، والاهتمام بالآخرين ومساعدتهم.

 

 الصورة غير متاحة

د. توفيق الواعي

 رحم الله المستشار سالم البهنساوي، وحسبنا كلمة نختم بها هنا، قالها عنه الداعية الدكتور توفيق الواعي: "ما كان الأستاذ المستشار سالم البهنساوي رجلاً عاديًّا، وإنما كان إنسانًا ذا طبعٍ ملائكي النزعة، إذا خالطته خالطت رجلاً صافيًا كماء المُزن، رقيقًا كأوراق الزهر، تلمس فيه الحنان والرقة والحدب والحب، وتحس فيه الإخلاص والأبوَّة والودّ، وإذا ناقشته وجدت علمًا غزيرًا، وأدبًا جمًّا، وأُفُقًا واسعًا، ونظرًا ثاقبًا، ومعرفةً غامرةً، يحيط بزمانه، ويلمُّ بواقعه، يملك زمامَ نفسه، ويدري وقعَ خطوه، ويعرف كيف يسير وسط الأشواك في أيامٍ نحسات، يتعدَّى المزالق، ويختار الدروب، ويوجِّه بدون إحراج، ويعلِّم بمنطق القدوة، ويربِّي بأساليب الحب، ويدعو ببصيرة وحنكة، ويردُّ بصبر وأناة، وفقه وحكمة، انضمَّ إلى جماعة الإخوان المسلمين مجاهدًا بقلمه وعلمه لإحياء رسالة الإسلام التي أُقصيت عن المجتمع ونُحِّيت عن الصدارة وعمل على إقصائها عليها شياطين الإنس والجن من غيرنا ومن بني جلدتنا".