بعد 15 يومًا متواصلة من العدوان الهمجي البربري المتواصل من قوات الاحتلال الصهيوني على الشعب الفلسطيني المقاوِم والمحاصَر في غزة؛ خرجت المبادرات الواحدة تلو الأخرى التي تنادي بوقف إطلاق النار من جانب الكيان المجرم الغاصب، مصحوبةً بتشديدٍ على وقفٍ فوريٍّ لإطلاق الصواريخ الفلسطينية، في مؤامرةٍ مفضوحةٍ للمساواة بين الضحية والجلاد الجبان الذي استخدم كل قوته وآلاته العسكرية المدعومة بأسلحة أمريكية فتَّاكة؛ لتجربتها في الأطفال الصغار والنساء العُزَّل والشيوخ الذين يعانون من الحصار.

 

كل هذا يحدث مع استمرار التخاذل العربي الرسمي، وبدلاً من أن تكف أنظمتنا العربية عن نغمتها البالية بأن صواريخ المقاومة هي السبب، وبدلاً من أن تَهُبَّ لإنقاذ شعب عربي ومسلم يُباد عن بَكْرة أبيه.. بدلاً من أن تلتزم باتفاقية الدفاع العربي المشترك لنجدة فلسطين.. بدلاً من أن تقوم بتقليد فنزويلا غير العربية وغير الإسلامية بقطع العلاقات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية مع العدو الصهيوني وتطرد سفراءه من أوطاننا العربية وتستدعي سفراءنا من عاصمة الإجرام والوحشية.. بدلاً من هذا كله تخرج علينا بمبادرات تخالف نبض وإرادة شعوبها، وتناقض الوضع الراهن على الأرض، وتُصِرُّ على استبعاد المقاومة من أية اتفاقيات، كما أوحى لهم سيد البيت الأبيض.

 

هذه المبادرات ما جاءت لتجميل وجه النظام الذي خذل شعبه فحسب، وإنما جاءت أيضًا لتبييض وجه الولايات المتحدة التي انفضح دعمها لآلة الحرب القذرة للكيان الصهيوني الوحشي.

 

ورغم أن المبادرات جاءت بعد ما أطلقوا عليه جولات مكوكية للرئيس الفرنسي وللدبلوماسية المريضة لهذه النظم التي تحتفظ بعلاقات مع العدو الصهيوني الفاجر، والتي صحبتها حملة مُضلِّلة من الإعلام الحكومي تنمُّ عن ضعفٍ ووهنٍ، إلا أنها وَأَدتها في مهدها ولم يكتب لها الحياة، وهو نفس المصير الذي لحق بالمبادرة الأمريكية الفرنسية الإنجليزية التي صوَّت عليها مجلس الأمن صباح الجمعة 9/1/2009م، رغم الترحيب الذي لقيته هذه المبادرات من الزمرة العميلة داخل فلسطين وخارجها.

 

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مصير أية مبادرة لا تضع المقاومة في حسبانها لن يُكتب لها النجاح؛ فحماس وأخواتها من فصائل المقاومة هي التي تحارب على الأرض، وهي التي تفرض واقعًا جديدًا رغم تفاوت القوة والتسليح، واستبعادها من أية مناقشات حول تهدئة أو وقف للعدوان هو أمر لا يستطيع عاقل أن يقول به؛ فما الذي يملكه قادة "فتح" لوقف القتال ووقف المقاومة؟! وهو ما يعيه الكيان الصهيوني جيدًا عندما طالب من يطرحون المبادرات بأن يضمنوا لهم وقف الصواريخ؛ هذه الصواريخ التي وصفوها بالعبثية، فإذا بها تواجه أكبر آلة حرب في المنطقة وتوقفها، وهو ما يمثِّل انتصارًا للمقاومة يضاف إلى سجلاَّتها المليئة بالإنجازات؛ فأبطال المقاومة صدقوا الله فصدقهم وأيَّدهم وشدَّ من أزرهم، وألقى في قلوب أعدائهم الرعب، والكل الآن (أنظمة عربية وأمريكان، أوربيون وقبلهم الصهاينة) يبحثون عن مخرج للفشل الصهيوني، الذي مُني به جيش العدو المعتدي.

 

والرسالة التي يجب أن يعيَها حكامنا ومن يدور في فلكهم: "أنكم إذا عجزتم عن دعم المقاومة فلا تكونوا يدًا لأعدائنا عليها، ويجب أن تعلموا أن المقاومة لن يفتَّ من عضدها تصرفاتكم ونكوصكم، خاصةً أنها ترى وقفة الشعوب معها، وفي النهاية ستبقى الشعوب وتزول الأنظمة، إن عاجلاً أو آجلاً، وسيزول معها الكيان الصهيوني الغاصب الدخيل".

 

وعلى الشعوب أن تواصل غضبتها وتستمر في رفضها هذا الإجرام الصهيوني الوحشي؛ فهذا أقل ما يمكن أن نقدِّمه لهؤلاء الأطفال التي تقطَّعت أجسادهم نتيجة القذائف المُحرَّمة، ولهؤلاء السيدات اللاتي فقدن عوائلهن، وللشيوخ الذين وقفوا يبكون على أشلاء أبنائهم وحطام منازلهم، ويجب علينا أن ندعم هؤلاء المقاومين الشرفاء الذين رفضوا الاحتلال الظالم وأرادوا أن يحرِّروا وطنهم من دنس الصهاينة الذين يعيثون في الأرض فسادًا.. هؤلاء المقاومين الذين حملوا راية الدفاع عن كرامتنا بالوقوف معهم؛ نؤيِّدهم بالدعاء وبكل ما نملك من وسائل مادية ومواقف شعبية، ونقول لهم: "نحن معكم، والله قبلنا معكم، ولن يَتِرَكم أعمالكم؛ فقد اصطفاكم الله لنصرة دينه والدفاع عن أقصاه، بل عن العروبة والإسلام ضد قطعان الصهاينة أحفاد القردة والخنازير".

 

وتجدد الأمة مطالبها المستمرة بطرد السفاح الصهيوني من أرضنا الطاهرة وغلق سفارة السفاحين الصهاينة واستدعاء سفيرنا من عاصمة المجرمين القراصنة، كأقل ردٍّ على ما يحدث من مجازر ضد الإنسانية.

 

وعلى النظام ألا يمنع الشعب من إعلان موقفه الرافض للعدوان الصهيوني وألا يخالفه في رغبته في الوقوف مع إخوانه بكل الوسائل والسبل، وعليه أن يحافظ على ما تبقَّى من كرامته ويوقف فورًا تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني؛ ليس من أجل غزة فقط- وهو ما يجب أن يكون- وإنما من أجل تنفيذ أحكام القضاء المتتالية بوقف هذه الفضيحة؛ لعل ذلك يُغيِّر الصورة القاتمة التي رسمها هذا النظام لمصر.

 

لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، والله مولاكم، والصهاينة وأعوانهم لا مولى لهم، وما النصر إلا من عند الله.

 

﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21).

----------

* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين