صدرت الأعمال الشعرية والمسرحية الكاملة للشاعر والأديب الكبير الدكتور جابر قميحة عن مركز الإعلام العربي بتقديم المستشار عبد الله العقيل.

 

تضم الأعمال الإبداعية أحد عشر ديوانًا في ثلاثة مجلدات هي "لجهاد الأفغان أُغني"، "الزحف المدنس"، "حديث عصري إلى أبي أيوب الأنصاري"، "على هؤلاء بشعري بكيت"، "حسبكم الله ونعم الوكيل"، "لله الحق وفلسطين"، "الإقلاع في البحور السبعة"، "محكمة الهزل العليا تحاكم الأيدي المتوضئة"، "السيف والأدب ومسرحيات أخرى"، "الرؤيا الأخيرة ليوسف الصديق"، بالإضافة إلى "حول أسماء الله الحسنى"، والأخير تعليقات شعرية على لوحات رسمتها الفنانة الشاعرة المسلمة نيار إحسان راشد، وترجمها من الإنجليزية شعرًا إلى العربية الدكتور جابر قميحة، وهو أمر نادر الحدوث في الأدب العربي أن تتم الترجمة إلى لغة الضاد شعرًا عن لغة أخرى، والذين سلكوا هذا السبيل قليلون جدًا في الأدب الحديث مثل علامة الأدب المقارن الدكتور حسين مجيب المصري رحمه الله.

 

ثلاثة محاور

يوضح المستشار العقيل أن شعر د. جابر قميحة يرتكز على ثلاثة محاور، تمثل في الوقت نفسه منطلقاته للإبداع الشعري وهي: الإيمان الصادق المتين بمفهومه الكامل الشامل، وحبه للغة العربية الفصحى والوفاء لها، ثم التربية الإخوانية؛ حيث نشأ د. جابر قميحة في رحاب دعوة الإخوان المسلمين، وتلقَّى على يد شيوخها مبادئ الدعوة والعلوم والمعرفة والتربية الحقة.

 

وقد نجح المستشار العقيل في تحديد المؤثرات التي يصدر عنها الشاعر الكبير في إبداعه، ومن السهل أن تضيف إلى ذلك أن هذه المؤثرات الثلاثة قد تلازم وجودها في سائر ما كتبه د. جابر قميحة أدبًا ونثرًا؛ مقالات ودراسات، أبحاثًا ومحاضرات، أحاديث صحفية ولقاءات.. إلخ.. فمن السهولة بمكان أن يمر قارئ الدكتور قميحة على أسلوبه، ويكتشف في سرعة أن هذا هو جابر قميحة الشاعر الناقد الكاتب الموسوعي المخضرم.

 

الناقد المحترف

 

د. جابر قميحة

وفي مقدمة المؤلف لأعماله الإبداعية تغلب على د. جابر قميحة صفة الناقد المحترف صاحب الدراسات النقدية والأبحاث الأدبية والمعارك الثقافية؛ ففي تركيز شديد يوضح المؤلف حقيقة موقف الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم من الشعر، ويقدم فيه حيثيات للموهوبين بضرورة أن يخدموا الإسلام بإبداعهم الشعري وغيره من الفنون الأخرى، وتتضح صفة الناقد أكثر عندما يقرر د. جابر قميحة تفاوت مستوى شعره فكرًا ووجدانًا، تصويرًا وأداءً على مدى عمره الفني، مؤكدًا أن شعر البدايات لا يرقى إلى مستوى شعر سنوات النضج الفني، مرجعًا السبب في ذلك إلى تطور المستوى الثقافي والاجتماعي للشاعر، وتتخلل هذه المقدمة مجموعة من "الغرز" الجراحية يوجهها د. جابر قميحة إلى بعض أصحاب الآراء الشاذة في الأدب والنقد مثل أصحاب ما يسمى "قصيدة النثر".

 

ورغم أن المعروف عن د. جابر قميحة دماثة خلقه وطرافة حديثه وقوله "النكتة"، إلا أنه في معاركه النقدية يبدو فارسًا يهوى النزال في ساحات الوغى، وتجلَى ذلك في معركته مع الناقد الراحل رجاء النقاش على صفحات جريدة "اليوم" السعودية، وكذلك في معركته الأخيرة مع الحداثيين التي شهدت وقائعها إحدى أمسيات باخرة "السرايا"؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يحسم موقفه في مقدمة أعماله الإبداعية مما يسمى" قصيدة النثر"، مؤكدًا أن التسمية خطأ لا يمكن قبوله منطقيًا بأي حال، ولا يفوته في هذا الصدد أن يعطي "غرزًا" لكل من أدونيس وكمال أبو ديب وخالدة سعيد، ويرى فيما يقدمونه في هذا المجال تدميرًا لقيمنا الشعرية وتراثنا الفكري، وتحللاً من اللغة والقيم.

 

لمسة وفاء

وفي لمسة وفاء نادرة يذكر د. قميحة أستاذه عباس عاشور مدرس اللغة العربية بمدرسة المنزلة الابتدائية، الذي كان سببًا في وعي د. جابر قميحة بالمسرح وتحبيبه إياه في هذا اللون من الفنون، فمارسه ممثلاً في صباه، ثم كاتبًا مسرحيًا بعد النضوج يقدم أعمالاً تتمتع بالإسقاطات السياسية، وهو يعترف- رغم ذلك- بأن مسرحية "محكمة الهزل العليا" جاءت مباشرة؛ لكونها تحكي قصة ظلم الحاكم المستبد ومحاكمة صفوة قادة الإخوان.

 

ومن اللافت للانتباه في مجموعة الأعمال الإبداعية للدكتور جابر قميحة الدقة التي تميز بها إخراجها؛ فليس كمثله مؤلف اهتمَّ بالتصحيح والتدقيق اللغوي، والاحتراز من الأخطاء اللغوية والطباعية، كما تميز غلاف المجلدات بالجمال والذوق الرفيع.