استطاعت الصهيونية العالمية انتزاع قرار من الأمم المتحدة باعتبار 27 يناير من كل عام يومًا عالميًّا لإحياء ذكرى المحرقة أو (الهولوكست) التي يزعم اليهود حدوثها في معسكر "أوتشفيتيز النازي" عام 1945م, وأصبح العالم كله وخاصةً ألمانيا كبش الفداء السنوي للصهيونية العالمية في أكبر عملية ابتزاز سياسي عرفها التاريخ.

 

تظهر أسطورة "الهولوكست" (Holacaust) أو إبادة ملايين اليهود على أيدي النازيين كلما أمعنت "إسرائيل" في عدوانها ضد العرب أو إذا تعرَّضت للانتقادات من قبل الرأي العام العالمي على إثر جرائم ومذابح تقترفها هذه الدولة العدوانية، وعلى الرغم من أن أسطورة الهولوكوست هي صناعة أمريكية اخترعتها أجهزة المخابرات الأمريكية بالتعاون مع نظيراتها في دول الحلفاء إبَّان الحرب العالمية الثانية؛ لتحطيم صورة خصومهم الألمان، وتبرير حرب التدمير الهائلة ضد المنشآت العسكرية والمدنية لدول المحور، وخصوصًا ضرب "هيروشيما وناجازاكي" بالقنبلة الذرية، وملاحقة القادة العسكريين للدول المهزومة, وتشكيل محاكم جنائية لهم في "نورميرج وطوكيو" استمرت بين عامي 1945م- 1950م, كما تقتضي شريعة الغاب حينما يحاكم المنتصرون خصومهم على جرائم هي من محض افتراءاتهم؛ حيث وظفوا هجرة ملايين اليهود الأوربيين غير الشرعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية إبَّان سنوات الحرب، واعتبارهم فقدوا معسكرات الاعتقال النازية, رغم أن الإحصائيات السكانية لألمانيا تُثبت أن عدد اليهود الألمان يتراوح ما بين 600- 700 ألف نسمة وُجد منهم بعد انتهاء الحرب نصف مليون نسمة, وهنا لا يتجاوز عدد اليهود الذين غيبهم الموت "الوفاة الطبيعية، وحوادث الطرق، وضحايا غارات طائرات الحلفاء" على بضعة آلاف من اليهود، فكيف يقتل النازيون 6 ملايين نسمة من اليهود الذين لم يتجاوز عددهم 700 ألف نسمة.

 

إنها أكبر عملية نصب في التاريخ لقد اخترعت الولايات المتحدة الأمريكية الهولوكوست، ووظَّفتها الصهيونية العالمية و"إسرائيل" في سبيل الابتزاز السياسي المالي لألمانيا وغيرها من دول أوروبا الشرقية، فقد حصلت "إسرائيل" على 90 مليار مارك ألماني حتى عام 1998م، إلا أنها سبقت إلى المطالبة بدفعات جديدة من التعويضات من خلال تزويرها في أعداد الضحايا, ورغم الرفض الألماني للابتزاز الصهيوني الذي لا يتوقف إلا أن ألمانيا رضخت للمطالبات الصهيونية تحت ضغوط من الرئيس الأمريكي الأسبق "كلينتون".

 

ثم توجهت الصهيونية بأطماعها إلى سويسرا التي اضطرت عام 1997م إلى تخصيص مائتي مليون دولار فقط لسد ضحايا الهولوكوست الذين لا تسمح لهم ظروفهم بالانتظار؛ لما تحكم به المحاكم السويسرية حول الأرصدة المجمّدة في البنوك السويسرية؛ بسبب زعم قتل أصحابها أو هجرة بعضهم رغم أن هذه البنوك تكشف بالوثائق أن أرصدة اليهود لديها قبل نشوب الحرب لم تتجاوز 55 مليون دولار، وأنها لم تتقاعس في دفعها لأصحابها وكل هذا الابتزاز الصهيوني يعد أكبر عملية سرقة حدثت في تاريخ الإنسانية، كما يصفها المؤرخ اليهودي الأمريكي "نورمان فنكلشتين", ومن ثَمَّ فهو يقترح تخصيص جزء من تعويضات الهولوكوست الألمانية والسويسرية إلى اللاجئين الفلسطينيين؛ خصوصًا أن المنظمات الصهيونية توجهت بأطماعها إلى دول أوروبا الشرقية، وخصوصًا بولندا ورومانيا تحت المزاعم نفسها، بل إن المقزز في الأمر أن إسرائيل تطالب بتعويضات لليهود العرب الذين تزعم أنهم أُجبروا على مغادرة الدول العربية من خمسينات القرن المنصرم، وخلفوا وراءهم أملاكهم.

 

 الصورة غير متاحة

 م. فتحي شهاب

ولكن ما حقيقة الهولوكوست؟ وهل هي أكذوبة من اختراع الحلفاء والتنظيمات الصهيونية العاملة في أوربا وأمريكا؟ أم أنها تُحتمل أن تكون حقيقة ولو مُبالغ فيها للأسباب السابقة؟ ولماذا تقع ضجة إعلامية وسياسية كلما تعرَّض أحد الباحثين والمؤرخين لها بالدراسة والتمحيص؛ خصوصًا لو جاءت نتائج بحوثهم بنفي الهولوكوست أو التشكيك في أعداد ضحاياها على فرض صحتها تصل في معظم الأحيان إلى ساحات القضاء، وينال من يجرؤ على نفي الهولوكوست أو التشكيك فيها أو في عدد ضحاياها كما حدث مع الناشر الكندي "أونست زوندال" أو المؤرخ البريطاني "ديفيد إيرفيج" أو المفكر الفرنسي "روجيه جارودي".

 

ونحن في معرض إجابتنا على هذه الأسئلة سوف نؤكد أن الهولوكوست إن كانت حقيقة من عدمه- فهي مشكلة أوروبية من الأساس والضحايا ومسرح الجريمة، وكذلك المشككون فيها أو المستفيدون من صحتها, ونحن كعرب لم نكن طرفًا فيها بأي حال من الأحوال، وإن كانت تنعكس سلبًا على موقفنا من الصراع, فكلما شرعت إسرائيل في عدوانٍ ما على العرب ذكَّرت العالم بالهولوكوست لتبرير عدوانيتها وتسليحها النووي إلخ.. إلى جانب أن التعويضات التي تحصل عليها لا تصل إلى مستحقيها من ضحايا الهولوكوست أو ورثتهم بل توجه إلى خزينة الحرب الإسرائيلية في أكبر عملية تمويل لهولوكوست حقيقي ضد الشعب الفلسطيني دون ضجيج إعلامي أو وخز ضمير عربي, إن الكثير من علماء ومفكري الغرب قاموا بإماطة اللثام عن أكبر أكذوبة في التاريخ الإنساني وكان أشهرهم في ذلك:

1- "روبير فريسون": أستاذ الأدب السابق بجامعة ليون بفرنسا، وأحد رموز تيار إعادة النظر في التاريخ بأوروبا، والذي وصف مزاعم قتل اليهود بالغازات السامة بأنها عملية نصب مالية وسياسية هائلة تستفيد منها دول إسرائيل الصهيونية، وأن ضحيَّة هذا النصب هما الشعبان الألماني والصهيوني.

 

2- "هنري روك": الحاصل على الدكتوراه من جامعة نانت بفرنسا، والذي أثبت في أطروحته العلمية أن المخبر "جيرشتين" الذي أبلغ الحلفاء بوجود غرف الغاز بأنه ساحر وأفّاق كبير، نسج خياله وهْمًا صدّقه العالم على أنه حقيقة، ويؤكد "هنري روك" أن "جيرشتين" لم يشاهد بالفعل غرف الغاز.

 

3- "روجيه جارودي": في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة "الإسرائيلية" 1996م" والذي فضح فيه الكثير من الادعاءات والمغالطات والأكاذيب الإسرائيلية التي تنطوي عليها أسطورة الهولوكوست وغيرها من الأساطير التي تستمد إسرائيل وجودها منها, وترجع أهمية كتاب "جارودي" هذا إلى كونه حشد فيه كمًا هائلاً يصعب تجاهله من الحقائق المدعومة بالوثائق الغربية السليمة، إضافة إلى أن "جارودي" يعد وبكل المقاييس وحسب كل التوجهات من أبرز مفكري الغرب، وأكثرهم بعدًا عن التشكيك بالانحياز.

 

4- "نورمان فنكلشتين": وهو كاتب أمريكي نشر عام (2001م) كتابه "صناعة الهولوكوست" وسلّط الأضواء في ثناياه على الترويج النشط لأسطورة الهولوكوست في المجتمع الأمريكي على وجه الخصوص وما نتج عن ذلك من تصاعد للأصوات المطالبة بجعل الهولوكوست اليهودي الإسرائيلي حدثًا قوميًّا أمريكيًّا، فأقيمت النصب التذكارية له في خمسين ولاية أمريكية، وأنشأت أكثر من مائة منظمة مرتبطة به، إضافةً إلى سبعة متاحف ضخمة له موزعة في أنحاء الولايات المتحدة أكبرها "متحف الهولوكوست التذكاري في الولايات المتحدة" بمدينة واشنطن، وهو المتحف الوحيد المقام في العاصمة الأمريكية لضحايا دولة أخرى!!, ويعتبر "فنكلشتين" أن الإبادة المزعومة لليهود قد استُغلت في الولايات المتحدة لأمرين أولاهما تبرير السياسة الإجرامية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين, وثانيهما تبرير الدعم الأمريكي لهذه السياسات.

 

لقد قامت الحركة الصهيونية بالتصدي لكل من تسوّل له نفسه بتحطيم هذا المقدس الصهيوني، واعتبرته نازي جديد معاد للسّامية, وتراوحت المواقف الصهيونية من هؤلاء بين الاغتيال، وشنِّ حملات إعلامية، ورفع دعاوى قضائية ضدهم، فمثلاً.. المؤرخ الفرنسي "فرانسوا ردوبار" لقي حتفه عن طريق تفخيخ سيارته من قبل نشطاء جماعة حفظ الذاكرة اليهودية بفرنسا, أما المؤرخ الشهير "روبير فوريسون" فقد تعرض بدوره لعلقة ساخنة من نشطاء هذه الجمعية أنفسهم عندما اعترضوا طريقه وهو يتنزه بإحدى الحدائق الكبرى بمدينة فيش الفرنسية، وعندما أفاق في المستشفى على إثر هذه العلقة وجد في جيبه ورقة مكتوبًا عليها "هذه المرّة ضربناك.. لكن في المرة القادمة سندفنك بأيدينا في المقبرة".

 

أما المؤرخ الفرنسي "هنري روك"، والذي كان قد حصل على رسالة دكتوراه في التاريخ أثبت فيها أن الهولوكوست أسطورة صنعتها مخابرات الحلفاء، ووظفتها الصهيونية العالمية، تعرَّض لعقاب غريب نوعًا على الليبرالية الأوربية, فعندما شرع "هنري" في طبع رسالته في كتاب قامت الدنيا ولم تقعد في فرنسا ضد المؤرخ وكتابه، فألغت الجامعة رسالة الدكتوراه التي كان قد حصل عليها بدرجة امتياز, ومنعت الحكومة الفرنسية كتابه من التداول استنادًا إلى قانون خاص شرّعته الصهيونية الفرنسية وهو قانون "فابيوس جايسوا" الصادر في 13 يونيو عام 1990م, والذي يحظر على المؤرخين الخوض في قضية الهولوكوست.. وهو القانون نفسه الذي حوكم بموجبه الفيلسوف الفرنسي "روجيه جارودي" الذي حاول التشكيك في عدد ضحايا الهولوكوست في كتابه الشهير "الأساطير المؤسسة", وفي كندا رفعت دعاوى قضائية ضد الناشر الكندي "أرنست زوندال" لأنه تجرّأ ونشر كتبًا تشكك في الهولوكوست, وعندما اقترح "روبير فريسون" على محامي "زوندال" بأن يستعين بعشماوي الإعدام بالغاز في السجون الأمريكية "لوشتر" بإنجاز تقرير فني عن غرف الإعدام بالغاز في المعسكرات النازية لصالح موكله "زوندال" تعرّض "لوشتر" إلى حملة صهيونية للتشهير به، وقدَّمت ضده شكاوى إلى نقابة المهندسين الأمريكية تتهمه فيها بانتحال صفة مهندس في إنجاز تقريره الشهير، كما أنها وجّهت إليه تهمة النصب على معامل التحليل عندما قدّم إليها العينات التي حصل عليها من المعسكرات النازية, ونجحت الحملة الصهيونية في إسكات "لوشتر".

 

ولعل أشهر القضايا في هذا الصدد تلك التي رفعها المؤرخ البريطاني "ديفيد أرفينج" ضد الباحثة الصهيونية "ديبواره ليبستات" وناشر كتابها "دار بنجوين"؛ لأن الأولى شككت في مصداقيته كمؤرخ عندما حاول تبرئة النازيين من أسطورة الهولوكوست، وتحميل دول الحلفاء الذنب بتسخين الأجواء الدولية التي تمخضت عن الحرب العالمية الثانية، التي حصدت أرواح أكثر من عشرين مليون نسمة.

 

وبالطبع انتهت القضية لصالح النفوذ السياسي والمالي للتنظيمات الصهيونية في قضية تعد مصيرية لتلك التنظيمات والكيان الصهيوني, وضد "ديفيد أرفينج"؛ ليس لأنه مؤرخ عنيد وغير موضوعي- كما شكك المدعي عليهما والمنظمات والدول التي تقضي وراءهما- أو لأنه لوى عنق الحقائق وتعامل مع الوثائق والمستندات على هواه, ولكن لأنه وضع يده في عش الدبابير، وحاول وضع قفل على معين الابتزاز الصهيوني الذي لا ينضب من خلال تصميمه على فضح لا أخلاقية من شنوا الحرب العالمية الثانية، وتعاطفه المتأخر مع القضية العربية في مواجهتها للعداونية الصهيونية التي تمارس حملة جماعية ضد الشعب الفلسطيني منذ مذابح عامي 1947م/1948م وحتى الآن.