إن الإخوان المسلمين قد تفطَّرت قلوبهم نتيجةً للحرب المجنونة التي يشنها النظام الليبي بالطائرات والبوارج والدبابات والأسلحة الثقيلة على الشعب الليبي الأعزل في مُدنه التي خرج أهلها يطالبون بحقِّهم في الحرية والكرامة والعدالة، والتخلص من طغيان الحاكم الذي جَثَمَ على صدورهم أكثر من أربعين عامًا نَشَرَ فيها الرعب، واستبدَّ بالأمر، وقتل المعارضين، وشرَّد الباقين، واستولى على ثروة البلاد، وبدد بعضها في مغامراتٍ فاشلة، وجرى خلف مناصب وألقاب جوفاء، وأخفى الباقي في كثير من دول العالم، وها هو الآن يقتل أهله ويبيد شعبه، ويُدمِّر بلده بيده، حتى استفزَّ شعوب العالم، فقامت قوات الغرب باستصدار قرارٍ من مجلس الأمن، وراحت تُدمِّر جيشه وتعيد بلده إلى ما قبل التاريخ، وتعاظمت احتمالات الاحتلال والتقسيم، في مشهدٍ يُكرر مأساة العراق وصدام، فهل الوطنية التي يتشدق بها ومصلحة البلاد التي يدَّعيها تُبيح له تدمير المدن وقتل الشعب ثم إعطاء الذريعة للغرب لتدمير الجيش، مقابل بقائه في السلطة هو وأولاده؟ أم أنها تقتضي رحيلهم والحفاظ على الوطن والشعب والجيش؟

 

كما تفطَّرت قلوب الإخوان المسلمين للعدوان الوحشي الذي شنَّه قناصة النظام اليمني على المعتصمين المسالمين في ميدان التغيير بصنعاء، والذي أسفر عن استشهاد أكثر من خمسين مواطنًا أُصيبوا في رءوسهم وصدورهم، إضافةً إلى إصابة نحو مائتين آخرين.

 

ونُكرر هنا هل من الوطنية أن يبقى حاكم اليمن نحو ثلث قرن من الزمان يحكم شعبه بالظلم والإرهاب، لم تزد اليمن فيه إلا فشلاً وجهلاً وفقرًا وتخلفًا وانحطاطًا، هل من الوطنية أن تسيل دماء الشعب اليمني أنهارًا؟، هل من الوطنية أن يحدق الخطر بوحدة البلاد؛ حيث بلغ التذمر بالجنوبيين حد المطالبة بانفصال الجنوب، أم أن الوطنية والمصلحة القومية يقتضيان رحيل الحاكم وأسرته، وترك الشعب يتنسم رحيق الحرية، ويختار حاكمه وممثليه بإرادته الحرة، ويحكم نفسه بنفسه؟!.

 

إننا نؤكد للطغاة أن البطش والقتل والدم والإرهاب يؤجج الثورات ويدفع المواطنين الصامتين دفعًا لتأييدها والمشاركة فيها والإصرار على التمسك بمطالبها، وأنه مهما كانت شدة ظلم النظام وقهره فقوة الشعوب أكبر، وعزمها أعتى، وإرادتها أصلب، وعلى الطغاة أن يتعلموا من دروس مَن سبقهم في تونس ومصر، وقبلهما شاوشيسكو وحكام أوربا الشرقية.

 

وفي الختام نود أن نلفت نظر حكام آخرين بدءوا أولى خطواتهم على نفس الطريق.. أن الغرب يتربص بهم، وينتظر أن يخوضوا في دماء شعوبهم حتى يستصدر قراراتٍ من مجلس الأمن ليدمر جيوشهم خدمةً للعدو الصهيوني؛ فأحرى بهم أن يفيقوا قبل أن تقع الكارثة، وأن يعيدوا لشعوبهم حقوقها، وأن يزيلوا ما بينهم وبين شعوبهم من فجواتٍ وجفواتٍ، وأن يعودوا إلى أحضانها؛ ففيها الأمان، وفيها الوفاء، وفيها القوة، وفيها العدل، وقديمًا قيل (العدل أساس الملك).

 

ونؤكد للقوى التي تدعم الحكام المستبدين الظالمين الفاسدين في بلادنا أن هؤلاء الحكام زائلون، وأن الشعوب هي الباقية- بإذن الله- وهي صاحبة الحق الأصيل في الثروات والعقود والمعاهدات والمواثيق، فإن كانت هذه القوى حريصة على مصالحها فلتحترم حرية الشعوب وكرامتها ومصالحها وتنحاز إلى حقوقها، لا إلى الطغاة المستبدين.

 

﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)﴾ (آل عمران).

الإخوان المسلمون

القاهرة في: 15 من ربيع الآخر 1432هـ الموافق 20 من مارس 2011م