- العميد قطري: قرار عودة الأمن إلى الشارع خداع للرأي العام

- م. سعد الحسيني: الشرطة تحتاج الثقة والمعدات للقيام بواجبها

- تاج الدين: الأمن ليس مسئولية وزارة الداخلية فقط

- عزة كريم: من يقومون بالأعمال الطائفية فلول النظام المخلوع

 

تحقيق: أحمد جمال

فجَّر حادث إمبابة وتداعياته العديد من علامات الاستفهام حول الأيدي التي تعبث بأمن مصر، وتريد هزَّ استقرارها، والقفز على ثورتها التي خلعت أكثر الأنظمة الطاغية في التاريخ المعاصر، كما طرحت علامات استفهام حول التراخي الأمني الذي بات متعمدًا، ليس في حادث إمبابة فقط، وإنما مع ما سبقه من أحداث منذ بدأت الثورة المصرية، ولماذا لا يستطيع وزير الداخلية منصور العيسوي السيطرة على جهاز الشرطة، والقضاء على بقايا أمن الدولة التي أطلت على مصر بوجهها القبيح مرة أخرى، ولكن بعد تغيير مسماها إلى قطاع الأمن الوطني؟ وهل مَن ربَّاهم جهاز أمن الدولة طوال أكثر من ثلاثين عامًا من بلطجية ومبتوري الفكر، وفاقدي المنطق يردُّون الجميل الآن لهذا الجهاز الذي دمَّر مصر في السابق، ويريد إشعالها في الحاضر؟

 

الانفلات الذي تشهده مصر امتد لمختلف المحافظات بدءًا من اقتحام أقسام الشرطة، وتهريب السجناء، إلى إطلاق الرصاص في أي مشاجرة يشهدها أي شارع في محافظات مصر، كما حدث مؤخرًا في شارع عبد العزيز بمنطقة وسط القاهرة، ثم الاشتباك المسلح الذي جرى بالقرب من كنيسة مارمينا بمنطقة إمبابة مخلفًا عشرات الجرحى.

 

هذه الأحداث التي أدَّت إلى ترويع الشارع المصري، ونشر الخوف بين أبنائه تُلقي بالمسئولية على وزارة الداخلية ووزيرها لوقف ما يصفه البعض بالعصيان الأمني، وإعادة الأمن إلى الشارع المصري في أسرع وقت.

 

(إخوان أون لاين) ناقش أبعاد وخطورة العصيان الأمني في سطور التحقيق التالي:

 

انفلات أمني غير مسبوق

 الصورة غير متاحة

 محمود قطري

في البداية يؤكد عميد الشرطة السابق وصاحب كتاب "اعترافات ضابط شرطة في مدينة الذئاب" محمود قطري وجود ظاهرة انفلات وتراخٍ أمني غير مسبوقة تشهدها البلاد، فالمواطن لم يعد يأمن على نفسه أو ممتلكاته، والأمن العام غائب عن الشارع المصري بشكل كامل، وتجارة السلاح رائجة؛ ما ينذر بمصائب كبرى، وأخذ كل مواطن حقه بنفسه، معتبرًا أن قرار عودة الأمن إلى الشارع لا يتعدى كونه خداعًا للرأي العام، ولم يأت إلا لذرِّ الرماد في العيون بدلاً من العمل على استعادة الأمن كما هو واجب الشرطة في كلِّ أنحاء الدنيا.

 

ويتهم قيادات وزارة الداخلية، وفي مقدمتهم الوزير منصور العيسوي بالمسئولية الكاملة عن هذا الوضع باعتباره المسئول الأول عن الأمن في مصر، معتبرًا أن خوف الوزير ومسئولي الوزارة على كراسيهم يمنعهم من التحرك الجاد لضبط الأوضاع.

 

ويتوقع استمرار حالة الانفلات الأمني واتساعها في المستقبل دون أي تحسن مع استمرار قيادات الوزارة التي أفشلت العمل الأمني في السابق في مناصبهم، مؤكدًا أن وزارة الداخلية ما زالت تعمل بنفس فكر ومدرسة الوزير السابق والمحبوس حاليًا على ذمة عدد من القضايا حبيب العادلي.

 

وعن الحل الممكن استخدامه لمواجهة هذا الوضع يقترح العميد قطري استخدام "روشتة عاجلة" من خلال استبدال القيادات الأمنية القديمة بقيادات قادرة على الإبداع والتعامل مع الواقع، وإصدار تشريعات تحمي الشرطة، وتسمح لها باستخدام السلاح في مواجهة المجرمين، مع إصدار تشريعات أخرى توفر الحريات والحقوق الكاملة للمواطنين، والاستعاضة عن الهيبة التي فُقِدَت لرجال الشرطة بتكثيف التواجد الأمني في المناطق الهامة والأماكن التي تشهد توترات أمنية، مع ضرورة التعاون من قِبَل المواطنين في هذا الشأن.

 

بناء الثقة

 الصورة غير متاحة

م. سعد الحسيني

ويؤكد م. سعد الحسيني عضو مكتب الإرشاد؛ أن الأزمة الأمنية التي تعانيها مصر هي مخاض ما بعد الثورة العظيمة، وكل ما يجري من أحداث هو طبيعي لما سبَّبَه نظام مبارك من إضعاف للمؤسسة الأمنية، ونشر للفساد فيها، بالإضافة إلى انهيار الثقة بين المواطن والشرطة، وبناء النظام السابق المؤسسة الأمنية بالكامل على التعاون مع البلطجية ورعايتهم؛ للمساعدة في تزوير الانتخابات، ومواجهة المعارضين.

 

ويشير إلى أن المرحلة الحالية تشهد تجمع الفاسدين آكلي المال الحرام، وفلول الحزب الوطني مع هؤلاء البلطجية لترويع الآمنين والدفاع عن مصالحهم، مع أن الانفلات الأمني لم يبدأ بعد الثورة، فقد كان موجودًا قبل اندلاعها، معربًا عن ثقته في قدرة الشعب الذي دفع دماءه لإنجاح ثورته على مواجهة هذا الانفلات.

 

وعن رؤيته للحلِّ الأمثل لهذا الملف، يرى أن ذلك ممكن بعدة خطوات تبدأ ببناء الثقة بين الشعب والشرطة، خصوصًا وأن جهاز الشرطة مؤسسة وطنية كان بها فاسدون وكانت تعمل في جو من الفساد، مشددًا على ضرورة الاستمرار في تقديم المبادرات الشعبية لدعم الشرطة، مع بقاء الجيش في مساندة الشرطة بصورة مؤقتة.

 

وفي الوقت ذاته يطالب بتجهيز القوات الأمنية بما تحتاجه من أفراد، ومعدات حتى تتمكن من القيام بمهامها على الوجه الأكمل، مع إعادة فلسفة العمل الأمني، والتأكيد على شعار "الشرطة في خدمة الشعب"، ونشر ثقافة احترام القانون من الجميع.

 

ويرى الحسيني أنه إذا ما وُفِّرَت للشرطة كلِّ الآليات التي تساعدها على العمل فإن عليها مهامَّ يجب أن تقوم بها، وإذا تقاعست ففي هذه الحالة يجب وضع جزاءات ونظام محاسبة رادع للمخالف يصل إلى حدِّ الفصل من الوظيفة.

 

المسئولية الجماعية

 الصورة غير متاحة

جمال تاج الدين

من جانبه، يعرب جمال تاج الدين أمين عام لجنة الحريات في النقابة العامة للمحامين عن عدم انزعاجه من كلِّ الأحداث التي تشهدها مصر، فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض التضحيات بعد الثورة المصرية المباركة، ومهما حدث فلن تشهد مصر ما شهدته فرنسا بعد ثورتها.

 

ويرى أن من أسباب هذا الخلل الأمني ضعف هياكل وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى انهيارها مع انطلاق الثورة، بالإضافة إلى تسرع القوات المسلحة والشرطة العسكرية في الاعتماد على وزارة الداخلية ونقل الملف الأمني لها بالكامل.

 

ويشير تاج الدين إلى أن إصلاح ما تهدَّم يحتاج إلى مزيد من الوقت، كما يحتاج إلى تضافر كلِّ الجهود، فالأمن ليس مسئولية وزارة الداخلية فقط، متوقعًا القضاء على الانفلات الأمني إذا استمرت الوحدة حول الهدف، والعمل بشعار "الشعب والجيش والشرطة يد واحدة".

 

ويناشد ضباط وزارة الداخلية التحرك، وعدم السماح لمجرمي وزارة الداخلية الذين يحاكمون في الوقت الراهن أمثال حسن عبد الرحمن مدير جهاز أمن الدولة السابق من إقناع الشعب أنهم كانوا حماة البلاد وأمنها.

 

مواجهة البلطجة

توضح د. عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أن الانفلات الأمني يعد الخطر الأكبر الذي يهدد الثورة المصرية وآمال التحول الديمقراطي.

 

وتشير إلى ضرورة الوقوف على أسباب هذه الظاهرة، والتي ترى أن لها جذورًا من النظام السابق الذي ربط العمل الأمني بالتعاون مع البلطجية والمجرمين بأعداد كبيرة، وتدريب وتنظيم يساعدهم على التحرك المنظم، وتجميع الناس حولهم باستخدام شعارات طائفية أو سياسية، والهدف الحقيقي هو توتر المجتمع وخلق القلاقل، هذا بالإضافة إلى ضباط جهاز أمن الدولة المنحل، والذين يساعدون هؤلاء البلطجية لتضررهم من الثورة.

 

وتؤكد أن الأحداث الطائفية التي تطفو على السطح في الآونة الأخيرة ليست من أفعال جماعات سلفية أو مسيحيين كما يقال، بل هم مجموعة من المندسين والمتنكرين في صورة متدينين من أتباع النظام السابق يسعون إلى توتر الأجواء، واصطناع القلاقل بأي وسيلة، لافتة إلى أن هذه الأحداث تزيد بعد كل إنجاز تحققه الثورة.

 

وترى أن تجاوز هذه المرحلة يتطلب وحدة حقيقية بين الشعب والجيش والشرطة؛ لإفشال مخطط تشويه الثورة، والعمل على القبض السريع على البلطجية ومحاكمتهم.

 

وتطالب المواطنين أن يبتعدوا عن الشائعات، وألا ينجرُّوا إلى الهتافات والشعارات التي يحاول بها البلطجية والمجرمون جرَّ المواطنين إلى دائرة الفتنة الطائفية.

 

في طريق الاستقرار

 الصورة غير متاحة

اللواء حمدي البطران

من جانب آخر، ينفي اللواء حمدي البطران أي تعمد لرجال الشرطة في إحداث اضطرابات أمنية، مشيرًا إلى أن الوضع الأمني في البلد يشهد تحسنًا نسبيًّا مع أنه لم يصل إلى الصورة المثلى، متوقعًا أن يساهم اهتمام مجلس الوزراء بهذا الملف في القضاء التدريجي على ظاهرة الفراغ الأمني التي تلت الثورة المصرية.

 

ويشير إلى أن الشرطة أصبحت تتدخل في كلِّ الأحداث الأمنية في كلِّ الأرجاء المصرية وتحتويها بما تستطيع، وتَدَخُّل القوات المسلحة محدود للغاية في مثل هذه الأمور.

 

ويطالب اللواء البطران أبناء الشعب المصري بالتعاون مع الشرطة، وتقديم البلاغات عن أي حادث أمني؛ حتى يتسنى لقوات الشرطة سرعة التحرك ووقف التجاوزات.