بظهور عبير طلعت مشعلة فتنة إمبابة ومن قبلها كاميليا شحاتة زوجة كاهن ديرمواس ومشعلة فتنة العباسية ورمسيس والإسكندرية.. إلخ، نكون قد طوينا واحدةً من أسوأ صفحات الفتنة الطائفية في مصر، والتي يرتبط معظمها بسيدات وشابات مسيحيات أسلمن بسبب علاقات غرامية أو بسبب خلافات زوجية، ويتبقى فقط أن تظهر أيضًا السيدتان وفاء قسطنطين وماري عبد الله، عبر أي قناة فضائية عامة؛ لتضعا حدًّا للجدل حوليهما، ويبقى أن تطبَّق الدولة القانون بحزم على الجميع، وأن تودع سياسة الملاءمات والمواءمات التي اتبعها نظام مبارك من قبل؛ حمايةً لعرشه لا حمايةً للوطن.

 

لن تضيف أية سيدة من هذا النوع إلى الإسلام شيئًا، ولن تنقص من المسيحية شيئًا، بل ربما كانت مثل هذه النوعية من النساء عبئًا على الإسلام وعلى المسيحية معًا، بحكم ارتباط قصص معظمهن بعلاقات عاطفية غير مشروعة مع شباب معظمهم أيضًا "صايعين"، كثير منهم من سائقي الميكروباصات والتوك توك.

 

هل يُعقل أن ينجرف البعض منا دفاعًا عن مثل هؤلاء الفتيات، مضحيًا بسلامة وطن بأكمله؟! وأي فقه يقول بذلك؟ وأي عقل يجعلنا نصدق رواياتهم المختلقة، أنَّهن أسلمن لله عن قناعة حقيقية بهذا الدين، بينما لا تصمد أية واحدة منهن للحظة في مواجهة أقل اختبار ديني، سواء كان نظريًّا أو عمليًّا؟!

 

أستطيع وبحكم انتمائي لمحافظة المنيا التي خرجت منها العديد من حالات إسلام مسيحيات، سواء في المنيا أو ملوي أو ديرمواس أو بني مزار.. إلخ؛ أن أؤكد أن الكثير من هذه الحالات تمت نتيجة علاقات عاطفية، بعضها دخل في منطقة الحرام، ويتم تغطية هذا الحرام بدعاوى دخول الإسلام، كما أن بعض الحالات تتم بسبب تفاقم الخلافات الزوجية مع استحالة اللجوء إلى الطلاق الذي تحرِّمه الكنيسة إلا لعلة الزنا، وقليل من الحالات تمت نتيجة قناعة حقيقية بالإسلام، وأريد التنبيه هنا إلى أن معظم الحالات التي يتحول أصحابها إلى الإسلام أو المسيحية، عن قناعة وبعد دراسة مستفيضة، تظل طيَّ الكتمان، وهنا أستشهد بالكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي التي كانت مسيحيةً وأسلمت منذ فترة طويلة، دون أن يعرف الكثيرون ذلك؛ لأنها لم تكن أبدًا حريصة على إعلان هذا الأمر الذي تسرَّب من خلال أصدقائها فقط، وكذا شخص يدعى إبراهيم عرفات تنصَّر، وكتب مقالاً يشير فيه إلى أنه لا يريد أن يتاجر بتحوله للمسيحية عبر الفضائيات ومراكز حقوق الإنسان المحلية والعالمية، وهكذا ينبغي أن يفعل كل متحول عن قناعة دون هرج ومرج وإثارة للفتنة التي لا تُبقي ولا تذر.

 

لقد تسبَّبت علاقة عاطفية غير مشروعة يعرفها أهل قرية صول في أطفيح بفتنة طائفية لم تتوقف عند حدود القرية الآمنة، بل تعدتها إلى عموم القطر المصري، وكانت أول قنبلة تواجه ثورة 25 يناير بعد انتصارها، ولولا أن الله قيَّض لهذه الفتنة من يطفئها من أبناء الثورة المخلصين؛ فقد كان المحتمل أن تقضي على ثورتنا الوليدة، وقبلها كادت فتنة كاميليا أن تشعل النيران في عموم القطر بعد أن تحركت المظاهرات بالآلاف في القاهرة والإسكندرية وغيرها؛ دفاعًا عنها وطلبًا لظهورها، واليوم كادت فتنة عبير أن تحرق الوطن بأكمله؛ من أجل خلاصها هي من زوجها المسيحي، ورغبتها في الزواج من سائق ميكروباص مسلم.

 

كل حوادث الفتنة الطائفية التي مرت بمصر عقب ثورة 25 يناير- سواء في كرداسة أو الفيوم أو ديرمواس أو إمبابة- هي من مخلَّفات عهد مبارك وحبيب العادلي، وبما أن الثورة تعني تغييرًا شاملاً ونسفًا لكل الأوضاع السيئة التي عاشتها مصر من قبل؛ فإن من المهم أن نتخلَّص أيضًا من ذلك المناخ الطائفي البغيض الذي سمَّم أجواء مصر طيلة نصف قرن تقريبًا، وقد استبشرنا خيرًا حين تمكَّنا بالفعل من تغيير هذا المناخ في ميدان التحرير خلال 18 يومًا هي أيام الثورة، وهي الأيام التي شهدت نموذجًا رائعًا للوحدة الوطنية الحقيقية غير المفتعلة، وقف خلالها المسيحيون يحمون المسلمين أثناء تأدية الصلوات من هجمات فلول النظام، ووقف المسلمون مع المسيحيين أثناء إقامة القداسات في الهواء الطلق وفي ميدان عام، ربما لأول مرة في تاريخ المسيحية المصرية، وكان الأمل يحدونا أن تنتقل هذه الروح إلى عموم المحافظات والمدن والقرى والأحياء المصرية؛ لكنَّ من الواضح أن الذين لم يكن لهم حضور في الثورة- سواء من المسلمين أو المسيحيين والذين لم يتشربوا روحها- لا يزالون ينفخون في النار، ولا يعرفون قيمة الوطن الذي عاد إلينا وعدنا إليه بعد الثورة، والذي لن نسمح لأحد أن يحرقه بسبب مشكلات صغيرة وتافهة ومخزية.

 

أدعو إخواني المسلمين والمسيحيين إلى التعقُّل، وإعلاء الوطن فوق الأشخاص، وإلى حوار هادئ وموضوعي حول مشكلات الوطن الحقيقية، وكيفية مواجهة ما نتعرض له من فتن ومؤامرات، وأن يكونوا مستعدِّين دائمًا لمواجهة الشائعات بالحقائق، فحين يتحدث البعض عن اختفاء فتاة أو فتى؛ بسبب تغيير دينه، فلا بد من إبلاغ الشرطة والنيابة العامة بذلك، وليس تحريك جيوش من البلطجية مباشرةً، وحين تتهم بعض الجهات بإيواء أحد المختفين فلا بد لهذه الجهة أن تفتح أبوابها للجهات الرسمية فورًا للتحقق من الأمر، وإذا كانت إحدى السيدات قد اختفت بسبب خلاف مع زوجها، فلا تكابر ولتخرج سريعًا، وتعلن ذلك للرأي العام، ولا تترك الفرصة للجهلاء والحمقى لنسج حكايات وأساطير حولها.

 

أقول للمتحمِّسين من الشباب الإسلامي: أفرغوا طاقاتكم فيما يفيد دينكم ووطنكم، ولا تسمحوا لفتاة ليل أو شابٍّ مدمن أن يجرَّكم إلى معارك لا علاقة لها بالإسلام، وإن حاول المدَّعون إلباسها ثوبه، وأقول للشباب المسيحي المتحمس أيضًا: أفرغوا طاقاتكم فيما يخدم وطنكم وعقيدتكم، وحافظوا على تسامحكم، ولا تسمحوا لمروِّجي الفتن والمؤامرات أن يجرُّوكم إلى معارك وهمية لا علاقة للمسيحية بها، بل كل هدفها هو مضاعفة الشيكات والنقدية التي يحصلون عليها نظير كل فتنة، واعلموا أن الأجواء ملتهبة، وأن أي تصعيد يقابله تصعيد، فلا تحرقوا الوطن، ولا تشمتوا بنا الأعداء، ولا رجال مبارك والعادلي، وعودوا إلى بيوتكم وإلى أعمالكم، ودعونا نلملم جراح الوطن معًا.

 

كلي ثقة في الله أنه سيحفظ مصر وثورتها من كل مكروه، وأذكِّر هنا بأن هذه الثورة العفية مرت بمنعطفات خطيرة، تمكنت بفضل الله من تجاوزها بسلام، كان أولها في معركة "الجمل" قبل تنحي مبارك، وكان منها فتنة هدم كنيسة صول؛ التي كانت أشد كثيرًا من فتنة إمبابة، وكان منها فتنة أبو قرقاص، وقبل ذلك الانفلات الأمني، والسيطرة على مقار أمن الدولة، والمظاهرات الفئوية، وبالتالي فأنا متفائلٌ أن ثورتنا ستخرج من فتنة إمبابة كما خرجت من الفتن السابقة، وسيزيدها ذلك قوةً ومناعةً لمواجهة أي فتن أو مؤامرات مستقبلية.