أكد الدكتور محمد البلتاجي، عضو مجلس أمناء الثورة وأمين عام مساعد الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب 2005م، أن المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد تحتِّم على الجميع التكاتف والبعد عن الفرقة والتنازع من أجل بناء مصر جديدة.

 

وأشار- خلال مؤتمر حزب الحرية والعدالة الأول بمدينة أوسيم التابعة لمحافظة الجيزة- إلى أن مثل هذه المؤتمرات تعدُّ من نتاج الثورة المصرية، فقبل ذلك لم يكن بالإمكان أن يُعقد أي مؤتمر إلا في غرف مغلقة وبوجود أمني مكثف.

 

وأضاف أن أقصى حلم كان يحلم به الفرد أن يكون لدينا رئيس سابق، وبفضل الله ثم إرادة الشعب المصري صار لدينا نظام سابق، من رئيس وبرلمان وحزب حاكم، مشيرًا إلى أن هذا التغيير يضع مسئوليةً في أعناق المصريين جميعًا أن يقيموا نظامًا جديدًا يوفِّر الحرية والمساواة والحياة الكريمة لكل مواطن.

 

واعتبر أن مصر الآن أمام تحدٍّ كبير من شأنه أن يغير وجه المنطقة، فبعد أن أسقطت هذا النظام أصبحت مؤهلةً لقيادة الأمة العربية من جديد، مؤكدًا أن الإعلان عن قبول حزب الحرية والعدالة كحزب ممثل لتيار وفكر جماعة الإخوان المسلمين، بعد عهود من الملاحقة والتضييق والظلم، لا يحتاج إلى إقامة احتفالات ومهرجانات، بل يتطلَّب جهدًا وعملاً من أجل خدمة هذا الوطن.

 

 الصورة غير متاحة

د. محمد البلتاجي

وقال البلتاجي إنه بعد سقوط نظام مبارك أصبح أمامنا تحدِّي بناء كل المؤسسات على ضوابط جديدة، وهي العدالة والحرية والمساواة، واختيار المناصب على أساس الكفاءة، وليس الأقرب للحاكم وابنه، أو بناءً على تقارير أمن الدولة كما كان الحال في السابق.

 

وشدَّد على ضرورة أن ينصبَّ العمل في المرحلة القادمة على بناء نظام قوي داخليًّا وخارجيًّا لإنهاء سنوات وعقود من الخضوع والتبعية للأجندات الخارجية، موضحًا أن هناك تحدياتٍ كبيرةً أمام الشعب المصري بكل طوائفه وفئاته، أخطرها محاولة بعض الجهات إثارة الفرقة والفتن الداخلية بين أطياف المجتمع وتياراته وتوجهاته، مؤكدًا أن الثورة التي صنعها الله بالشعب المصري مجتمعًا يجب أن تستمر بتماسك هذا الشعب، ويجب عدم السماح لهذه المحاولات أن توقف الثورة في منتصف الطريق.

 

وأكد أن الدولة التي يريدها حزب الحرية والعدالة هي دولة التعددية والمواطنة واحترام القانون، ولا يتنافى ذلك مع انطلاق هذه الدولة من الهويَّة الحضارية والثقافة العربية والإسلامية، معلنًا رفضه الشديد للدولة الدينية التي تجعل الحاكم إلهًا، ورفضه كذلك للدولة العلمانية التي تصطدم مع هوية الشعب.

 

وعن الخلاف الدائر حول الدستور والانتخابات البرلمانية وأيهما أولاً أوضح البلتاجي أن الجميع يتفق على ضرورة وضع دستور، وهناك آلية مناسبة وافق عليها الشعب في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وهي تضمن أن يكون الدستور ممثلاً لمطالب الشعب من خلال مجلس شعب منتخب، أما رؤى من يطالبون بالدستور أولاً فغير منطقية.

 

وأشار إلى استمرار بعض وسائل الإعلام وبعض الأحزاب في استخدام وسائل نظام المخلوع من خلال نشر الرعب من التيار الإسلامي وجعله فزاعة للمجتمع لتخويفه من الديمقراطية، مؤكدًا في الوقت ذاته أن أحدًا لا يستطيع إقصاء التيار الإسلامي؛ لأنه تيار أصيل من المجتمع المصري، والحل الوحيد لإزالة أي تخوفات وتخطي المرحلة الانتقالية بأمان هو الحوار الشفاف والنقاش الهادف بين كل تيارات المجتمع لإزالة التخوفات وبناء تصور موحد على آلية إدارة الوطن في المرحلة المقبلة.

 

وأعلن البلتاجي أن حزب الحرية والعدالة ما زال مستعدًّا للتنسيق مع التيارات السياسية المختلفة لتشكيل قائمة انتخابية وطنية موحدة تمنع أتباع الحزب الوطني المنحل من التسلل مجددًا للحياة السياسية وقيام برلمان وطني يمثل كل التيارات، مؤكدًا أن الحزب لا يسعى إلى الاستئثار بالسلطة ولو كان يريد ذلك لنافس على الرئاسة، ولديه القدرة على ذلك.

 الصورة غير متاحة

 د. أحمد أبو بركة

 

وأشار أحمد أبو بركة، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين في مجلس الشعب 2005 وأحد مؤسسي الحزب، إلى أن اسم حزب "الحرية والعدالة" يشير إلى قيمتين عظيمتين ضحى من أجلهما الشعب المصري على مر التاريخ في حروبه ضد قوى الاستعمار الخارجي، كما ضحَّى مؤخرًا من أجل هاتين القيمتين ضد نظام مبارك، فمئات الشهداء كانوا ثمنًا للحرية والعدالة، كما أن هاتين القيمتين يمثلان قاعدةً شرعيةً لا يجوز المساس بهما.

 

وشدَّد على ضرورة تحقيق إجماع وطني بين كل التيارات السياسية للمرور بالبلاد من هذه المرحلة، وبناء نظام سياسي جديد، مؤكدًا أن الدعوة إلى تحقيق هذا الإجماع ليست تكتيكًا من جماعة الإخوان المسلمين أو حزب الحرية والعدالة، وإنما هي قناعة راسخة مبنية على دراسة تاريخية بأن نجاح مرحلة بناء أي نظام بعد الثورة تعتمد بصورة رئيسية على توافق كل القوى الوطنية وتكاتفها من أجل البناء.

 

وأشار إلى أهمية قيمة الدين بالنسبة للشعب المصري وقدرته على تفجير الطاقات وإظهار الذاتية أكثر من أي قوانين أو تشريعات، فالقانون لا يمكنه أن يولد الضمير داخل النفس البشرية كما يستطيع الدين.

 

وأكد أبو بركة أن الشريعة الإسلامية قادرة على الحكم في كل زمان ومكان، ولذلك اختارها حزب الحرية والعدالة مرجعيةً له، ووضعها في برنامجه السياسي، وهذه الشريعة تحترم بالأساس الحريات وتوفر المساواة للجميع، مؤكدًا أن الحزب لديه تصورات وبرامج وحلول لكل مشاكل الشعب المصري سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

 

 الصورة غير متاحة

مشاركة جماهيرية واسعة في المؤتمر

وعن الخلاف القائم على الساحة السياسية في المرحلة الحالية أوضح أبو بركة أن جماعة الإخوان المسلمين درست كل البدائل بعد سقوط نظام مبارك، ووجدت أن هناك طريقين لإقامة نظام جديد، الأول بالاستمرار في النهج الثوري الذي يسير بلا ضوابط ولا قواعد، وهذا الخيار يمثل خطورة كبيرة ويمكن أن يغير النظام الفاسد بآخر أفسد منه كما حدث في ثورة 1952 وغيرها من الثورات في العالم، والطريق الآخر هو التغيير على ضوابط وقواعد ثابتة، وهذا ما اختاره الشعب في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، مشيرًا إلى أنه وبعد الإعلان الدستوري أصبح أمام البلاد طريق واضح لوضع دستور والتأسيس لنظام جديد.

 

وفي كلمته أشار المهندس محمود عامر، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين عن دائرة أوسيم في برلمان 2005، أن البلاد تمر في الوقت الراهن بمرحلة إعادة البناء بعد إسقاط النظام، وهذه المرحلة تتطلَّب تكاتف الجميع وبذل الكثير من الجهد والمثابرة، داعيًا الأحزاب والسياسيين المهتمين بالبرامج والإعلام أن يلتفتوا إلى المجتمع، ويأخذوا الأمر بجدية، خاصة أن كل الأحزاب الجديدة التي تمتلئ الشاشات برموزها ليل نهار لم تتقدم حتى الآن للجنة الأحزاب لتأسيس حزبها.

 

وأوضح أن حزب الحرية والعدالة يتخذ الشريعة الإسلامية مرجعية له، مؤكدًا أنه لا يقلق من هذه المرجعية عاقل؛ لأنها الأمان لهذا البلد والضمان لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة، وهذا ما يؤكده التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية.

 

وأكد الدكتور علي بطيخ، أحد مؤسسي حزب الحرية والعدالة، أن جماعة الإخوان والقوى الوطنية المختلفة مرت بمراحل من الجهاد في وجه الظلم والظالمين على مر عقود من الزمن انتهت في النهاية بسقوط مبارك ونظامه بالكامل عندما أذن الله بذلك وعندما خرج الملايين من أجل تحقيق هذا الهدف.

 

 الصورة غير متاحة

د. علي بطيخ

وأشار إلى أن القوى السياسية المختلفة أمامها مرحلة جديدة من الجهاد تتطلب توحدًا بين كل أبناء الشعب المصري لبناء مؤسسات البلد المختلفة من خلال الخريطة الزمنية التي حددها الاستفتاء والسعي إلى إقامة تنمية شاملة تسمح لمصر أن تنهض وتتقدم في كل المجالات، مشددًا على ضرورة الاستمرار في محاربة الفساد والفاسدين لضمان إعادة أموال الشعب منهم وكذلك مواجهة ذيول الفساد في كل مؤسسات الدولة.

 

وأضاف أن تحقيق هذه الأهداف يضع مسئوليةً على كل التيارات الوطنية، بما فيها حزب الحرية والعدالة؛ الذي أكد لا يبتغي المناصب والمكاسب الخاصة، بل يريد التعاون مع الجميع من أجل بناء مصر قوية وإعادتها لدورها العربي والإسلامي.

 

وشهد المؤتمر حضورًا شعبيًّا كبيرًا وواسعًا من أبناء مدينة أوسيم وما حولها، وتخلله فقرات لشاعر العامية الشيخ أمين الديب.