ملخص البحث:

أولاً: قواعد عامة:

1: إن الحلال والحرام إنما يعرف بالنص الواضح الصريح.

2: لا بد من التفريق بين النص وتنزيلات النص.

3: المسكوت عنه ليس دائمًا حكمه السكوت عنه، ففي هذا خلاف وتفريعات كثيرة.

4: من الفقه الإسلامي "علم السياسة الشرعية" الذي تحكمه النصوص والقواعد، وأهمها المصالح وسدِّ الذرائع والمآلات والأولويات والموازنات.

5: إن فتوى العلماء ضابطها الكتاب والسنة، وكثير من طلاب العلم قد لا يتسع صدره لإدراك موضع الاستثناء أو ضوابط الفتوى.

6: ما يحتمل أوجه عدة من الأدلة فالأمة في سعة تبعًا لهذه الأوجه إلا إذا ورد دليل قاطع.

7: أن الفتوى قد تتغير حسب الزمان والمكان.

8: ربط الأعمال الظاهرة بأن لها أثارًا قلبية وداخلية والقطع بذلك وبحتمية التلازم أمر يحتاج إلى دقة نظر فالنوايا لا يعلمها إلا الله.

9: باب الاجتهاد لم يغلق.

 

ثانيًا: أسس الفتوى:

1: حديث "من تشبه بقوم فهو منهم" مختلف في الحكم عليه عند العلماء، وحقيقة التشبه يحتاج إلى أن يكون الفعل من خصائصهم مع وجود نية مصاحبة بقصد التشبه، ولا يكون هناك ضرورة أو حاجه ظاهرة.

 

2: كلام الإمام ابن قيم الجوزية على تحريم التهنئة، وأنها إن لم تكن كفرًا فهي حرام، وربط ذلك بتغير داخلي في الإنسان يحتاج إلى إعادة نظر، وأخشى أن يكون ظروف زمانه في انتصار التتار أدى إلى مزيد الخوف من التشبه بهم، ولم يورد دليلاً قاطعًا في المسألة، علاوةً على أنه علَّقه على أمر قلبي خفي، كما أنه أجاز مرافقة الجنازة وشهادتها مع ما فيها ما في مثل أعيادهم.

 

3: أوردنا ما رواه البخاري تعليقًا من جواز الصلاة في البيعة "الكنيسة" إلا ما فيها تماثيل.

 

4: قوله تعالى (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)(الفرقان: من الآية 72) الأساس أنه الكذب وداخل فيه فعل غير المسلمين إذا أراد الإقناع أو كان مقتنعًا به.

 

5: ماذا عن سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة ومقارنته بالتهنئة.

 

6: دخول النبي- صلى الله عليه وسلم- الكنيسة ولم يضع ضوابط لذلك، وتأخير البيان عن وقته لا يجوز.

 

7: أن النصارى صلوا صلاتهم في مسجد الرسول وعلى مشهد من الصحابة وهذه الصلاة تتضمن ما نعلم من المحرمات.

 

ثالثًا: الفتاوى الحديثة في الباب:

وهي تشتمل على التهنئة والذهاب إلى بيوتهم أو كنائسهم مع ضوابط واختلاف بينهم.
الأستاذ الدكتور (عبد الستار فتح الله سعيد)، الأستاذ الدكتور (يوسف القرضاوي)، الأستاذ الدكتور (محمد السيد دسوقي) عضو مجلس الشورى السعودي الشيخ (حاتم الشريف)، الدكتور شرف القضاة، الأستاذ الدكتور (محمد رشيد رضا)، الشيخ (مصطفى الزرقا)، الشيخ (أحمد الشرباجي)، الأستاذ الدكتور بن بيه.

 

مما سبق يتضح:

1: عدم وجود النص الواضح القاطع في المسألة.

2: من ذهب إلى التحريم فعلى اعتبار الرضا القلبي بأفعالهم.

3: من ذهب إلى الجواز إما من باب المجاملة أو حسن الجوار.

ولا أقطع في المسألة برأيي، فحسبي النقل ولكن لتسع صدورنا مثل هذا الخلاف.

 

ومرفق تفاصيل هذا البحث

والله الموفق

الشيخ/ عبد الخالق حسن الشريف

مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين

ومدير مركز منارات للدراسات الشرعية

 

 
البحث بالتفصيل

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

(دراسة علمية)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..

فإن الأحداث المتعاقبة التي تمرُّ بها بلادنا الإسلامية خاصة في مصر، أظهرت مسائل كثيرة تحتاج إلى ثاقب علم شرعي، خاصة أن السهام تأتي من كلِّ اتجاه، كما أن الحوادث الحادثة لها شأنها.

 

وقبل الدخول في الموضوع الذي أرغب في الحديث عنه، أبين أن كثيرًا من المسائل المثارة تحتاج إلى العلماء ذوي الدراية والمعرفة وثاقبي النظر في الأدلة أن يجتمعوا ليظهروا حقائق ودقائق ما علمهم الله تعالى، متمسكين في ذلك بالكتاب والسنة وضوابط الفتوى حتى لا يجعلوا الأمة في ذهول من أحداث تحدث، أو يعرضوها لشبهات ممن ليس لديهم معرفة عميقة بالعلم والكثير منهم بدافع الغيرة على الدين، أو شبهات من غير المتدينين؛ ما يجعل الأمة في حيرة.

 

وأحب أيضًا قبل الحديث عما دعتني الظروف للكتابة فيه أن أوضح الآتي:

1: أن المكتوب مختصر على قدر سعة الوقت والأمر أوسع من أن تضمه صفحات.

 

2: أن الحل والتحريم إنما يكون بالنص الواضح الجلي الصريح.

 

3: أن العلماء وفهمهم على مدار العصور له كامل الاحترام والتوقير، ولكن يبقى النص الشرعي من الكتاب والسنة هو المرجع وينظر إلى كلامهم في ضوء النص.

 

4: لا بد للناظر في المسائل الشرعية أن يفرق بين النص الشرعي وتنزيل النص على الوقعة موضع البحث.

 

5: لا بد من التفريق بين الأمر المقطوع به من أحكام الشريعة وكلياتها وبين السياسة الشرعية التي يراها الإمام ويختلف النظر فيها باعتبار المصالح والمفاسد والضرر الأعلى والأدنى، ومآلات الأحكام، وعللها، وترتيب الأولويات، وإحداث التوازنات، وكل هذا يحتاج إلى إحاطة بأحوال المسألة موضع الفتوى مما قد لا يتوفر للفرد الواحد وقد يتوفر للجمع.

 

6: أن بعض أتباع إمام معين قد لا يحسن قراءة ما كتب، فيأخذ ما فيه أول الحكم ويغفل عن الضوابط التي وضعها هذا الإمام أو الاستثناء الذي ذيل به الحكم الشرعي.

 

7: أن ما يحتمل من الأدلة الأوجه المختلفة، فالمسلمون في سعة ولا يضيق المعنى إلا بدليل آخر واضح في بابه غير مختلف فيه.

 

8: أنه لا يمكن الغفلة عن أن بعض أحكام الأئمة قد تأثرت بالظروف السياسية أو الاجتماعية التي تعيشها البلاد، فكما حدث من عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- من إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم لتغير حال المسلمين من ضعف إلى قوة، ويأتي السؤال: ماذا لو تغير حال المسلمين من قوة إلى ضعف، هل نعود إلى أصل التشريع أم نتوقف عند فعل عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-؟ وإن كان لي في هذا الأمر رأي.

 

9: أن الفتوى قد تتغير من زمن إلى آخر، كما حدث من سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-، ومن الإمام الشافعي، وهذا مشهور باستفاضة في مذهب الإمام أحمد؛ حيث له أكثر من رأي في كثير من المسائل.

 

10: أن باب الاجتهاد وإعادة النظر فيما سبق من أحكام- في غير الأصول والمعلوم من الدين بالضرورة وكليات الشريعة وما أخذ من الأدلة القطعية أو استفاض أمره أو لحق بذلك- مفتوح ولذا فإنني أدعو العلماء إلى سرعة عقد جلسات تلو أخرى لإظهار ما يوفقهم الله إليه مما يبذلون الجهد فيه للوصول إلى الحق.

 

11: كم أتمنى من الجهات التي تحمل عبء الدعوة إلى الله أن تبين أسس الحكم الشرعي الذي تتبناه وذلك قبل الفعل حتى تطمئن قلوب الناس ولا يُتركوا في حيره.

 

بعد هذه المقدمة سوف أسعى قدر جهدي لبيان مفهومي لحكم تهنئة النصارى بأعيادهم وما يلحق ذلك فأقول- وبالله التوفيق-.

 

عندما عرض لي هذه المسألة، قلت في نفسي عليّ أن أجعل كتاب الإمام ابن قيم الجوزية "أحكام أهل الذمة" والذي يعد خلاصة علمه وعلم شيخه الإمام ابن تيمية في هذا الباب، ومن المعلوم لدى الناس أنه أشد تشددًا في هذا الأمر، وأن الكثير ممن ينظرون في هذه المسألة يرجعون إلى أقوالهم، وبالتالي إذا ظهر من كلامهم ما يوضح الأمر فقد وضحت المسألة.

 

ولكن قبل الخوض في النقل أضع الآتي أمام القارئ النبيه:

1- أن المسألة ليس فيها دليل قطعي واضح في دلالته على المسألة.

 

2- أن الاحتجاج بترك الرسول- صلى الله عليه وسلم- للفعل لا يعد حكما بالترك في كل الأحوال، بل الأمر مختلف فيه ويختلف في مجال العبادات عنه في المعاملات وهكذا.

 

3- أن سد الذرائع أمر مختلف فيه، وأن التزيُّد في استخدامه قد يمنع أمورًا كثيرة هي في أصلها مباحة أو جائزة.

 

4- أن الحكم الشرعي يقوم على ظاهر أفعال العباد، ولكن ربط هذا الفعل الظاهري بأنه لا بد وحدوث تغير باطني أو داخلي أو قلبي بسببه أمر يحتاج إلى مراجعة وتدقيق، وعلى أكثر تقدير يقال إن ترتب على كذا ميل قلبه فيكون الحكم كذا، أو إذا ترتب على الفعل اعتقاد أو الإعجاب بهم فيكون الحكم كذا، ولكن القطع بالتلازم فهو منطق غير مقبول.

 

أولاً: الحكم على حديث نبوي:

في هذا الباب حديث كثر الاستشهاد به وهو حديث ابن عمر- مرفوعًا: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وحبل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم"، الحديث أخرجه ابن أبي شيبه برقم 13062، والإمام أحمد 5114، والطحاوي في مشكل الآثار وغيرهم، ويلاحظ الآتي:

 

1- البخاري لم يخرج منه إلا "وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري".

 

2- أن في طريق ابن أبي شيبه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان مختلف فيه، وفي طريق آخر بشر بن الحسين وهو متروك، وفي طريق علي بن غراب اختلف في توثيقه وقيل كان يدلس، وقال ابن حبان: حدث بالموضوعات، وفي كشف الخفاء برقم 2436 إثبات الخلاف بين من ضعف الحديث ومن قال: سنده صحيح، وعند البعض أنه مرسل.

 

الأهم من القول في سند الحديث تفسيره على ظاهر قول الإمام ابن تيميه؛ حيث قال: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بأهل الكتاب وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم" اقتضاء الصراط المستقيم 1/237.

 

إن هذا الأمر يحتاج إلى تفصيل للحكم الشرعي:

1- لا بد من التفريق بين من تشبه بأعمال الكفار غير الدينية الخاصة بهم قاصدًا ذلك ومحبًا لها وبين الفعل مع عدم النية، (ويرتفع التحريم في هذه الحالة إذا كان لضرورة أو لحاجة ظاهرة)- انظر الفتاوى الهندية 2/276.

 

2- أن حقيقة التشبه لا تكون إلا بنية مصاحبة؛ لأنه فعل متكلف لتحصيل مشابهة المتشبه به، أما المشابهة في الصورة الظاهرة للفعل فليست تشبها في الحقيقة، وإن سميت بذلك عند عامة الفقهاء، إذ تسميتهم لها بذلك إنما هي بالنظر إلى ظاهر الحال لا أنه كذلك في حقيقة الأمر ضرورة (انظر التشبه المنهي عنه في الفقه الإسلامي، جميل بن حبيب ص 96)
والدليل على هذا حديث "إنما الأعمال بالنيات" قال ابن عابدين: "أي إن قصده، فإن التشبه بهم لا يكره في كل شيء بل في المذموم وفيما يقصد به التشبه".

 

ويأتي سؤال مهم:

هل من هنأ غير المسلم بعيد الميلاد أو غيره يتشبه بهم ويرضى بدينهم أم أن هذا من باب المجاملات التي سادت المجتمع؟

 

كان حوارًا مع أخ عزيز عليَّ غيورًا على دينه وعلى دعوته- ولا نزكي على الله أحدًا- وكنا نتحاور عن هذه المسألة فكان كالآتي:

 

سألته: لو رأيت رجلاً ماسح أحذية يبارك غير مسلم بعيد من أعيادهم فقلت له: أنت الآن مثله تؤمن بما يؤمن به، أي أنك بسبب هذه التهنئة أصبحت كافرًا راضيًا بدينه فماذا سيفعل معك هذا الرجل؟ (ليس في المثال حط من قدر المهنة ولكن لعله مثال على ما لديه من علم).

 

- قال محدثي: سيرفع صندوق الورنيش ويضربه في وجهي ويسبني.

- قلت له: الحمد لله الذي جعل عوام أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- غيورين على دينهم يدركون كثيرًا مما قد يقع فيه غيرهم.

 

ثانيًا: حكم التهنئة:

"حكم التهنئة بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد، فأباحها مرة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدل على رضاه بدينه كما يقول أحدهم: متعك الله بدينك أو نيحك فيه أو يقول له أعزك الله أو أكرمك إلا أن يقول أكرمك الله بالإسلام وأعزك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة.

 

وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول عيد مبارك عليك أو تهنأ بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثمًا عند الله، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بُلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشر يتوقعه منهم فمشي إليهم ولم يقل إلا خيرًا ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك وبالله التوفيق. "أحكام أهل الذمة ص205-206 تحقيق د. صبحي الصالح.

 

ونناقش هذا المنقول عن الإمام ابن قيم الجوزية:

1- لم يورد نصًّا واضحًا قطعيًّا صريحًا في المسألة.

2- بل لم يورد قولاً عن كبار الصحابة في هذه المسألة.

3- أنه ذهب إلى جعل القول دالاًّ على رضاه بدين غير المسلم وهذا أمر متعلق بالنية.

4- أنه جعل هناك استثناءً في آخر كلامه.

5- هناك فرق بين التحريم والورع الذي كان يقوم به السلف من عدم التهنئة للقضاة وأمثالهم.

 

6: أن للإمام ابن قيم الجوزية مقولات تشابه ذلك ومن أمثلتها:

ما رواه عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس- رضي الله عنهما- عن رجل مات أبوه نصرانيًّا، قال: يشهده ويدفنه" ص 204، ومعلوم أنهم في ذلك يرفعون الصليب ويفعلون طقوسهم ثم يورد ابن القيم: "قال الخلال: كأن أبا عبد الله (الإمام أحمد بن حنبل) لم يعجبه ذلك. ثم روى عن هؤلاء الجماعة أنه لا بأس بهم واحتج بالأحاديث، يعني أنه رجع إلى هذا القول.
ومن المعلوم أن النصارى يقيمون قداس الجنائز في كنائسهم، ويصحبون معهم الصلبان وغير ذلك.

 

ثالثًا: في أحكام البيع والكنائس:

تحت هذا العنوان كتب الإمام ابن القيم الجوزية (ص 666/667 المرجع السابق)
قال تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18))(الجن) وقال (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36))(النور) وقال تعالى (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا)(الحج: من الآية 40).

 

قال الزجاج تأويل هذا لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدم في كل شريعة نبي المكان الذي يُصلى فيه، فلولا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس التي كان يصلى فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد المساجد، وقال الأزهري أخبر الله سبحانه أنه لولا دفعه بعض الناس عن الفساد ببعضهم لهدمت متعبدات كل فريق من أهل دينه وطاعته في كل زمان، فبدأ بذكر الصوامع والبيع لأن صلوات من تقدم من أنبياء بني إسرائيل وأصحابهم كانت فيها قبل نزول القرآن، وأخرت المساجد لأنها حدثت بعدهم.

 

وقال ابن زيد الصلوات صلوات أهل الإسلام تنقطع إذا دخل عليهم العدو.

 

قال الأخفش: وعلى هذا القول الصلوات لا تهدم ولكن تحل محل فعل آخر كأنه قال تركت صلوات.

 

وقال أبو عبيدة: إنما يعني مواضع الصلوات.

 

وقال الحسن: يدفع عن مصليات أهل الذمة بالمؤمنين.

 

وعلى هذا القول لا يحتاج إلى التقدير الذي قدره أصحاب القول الأول وهذا ظاهر اللفظ، ولا إشكال فيه بوجه فإن الآية دلت على الواقع ولم تدل على كون هذه الأمكنة غير المساجد محبوبة مرضية له لكنه أخبر أنه لولا دفعه الناس بعضهم ببعض لهدمت هذه الأمكنة التي كانت محبوبة له قبل الإسلام، وأقر منها ما أقر بعده، وإن كانت مسخوطة له كما أقر أهل الذمة، وإن كان يبغضهم ويمقتهم ويدفع عنهم بالمسلمين مع بغضة لهم

 

وهكذا يدفع عن مواضع متعبداتهم بالمسلمين وإن كان يبغضها، وهو سبحانه يدفع عن متعبداتهم التي أقروا عليها شرعًا وقدرًا، فهو يحب الدفع عنها، وإن كان يبغضها كما يحب الدفع عن أربابها وإن كان يبغضهم.

 

وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى، وهو مذهب ابن عباس في الآية.

 

قال ابن أبي حاتم في تفسيره حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عبيد الله هو ابن موسى، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما: لهدمت صوامع وبيع قال: الصوامع التي يكون فيها الرهبان، والبيع مساجد اليهود، والصلوات كنائس النصارى، والمساجد مساجد المسلمين.

 

قال ابن أبي حاتم، وأخبرنا الأشج، حدثنا حفص بن غياث، عن داود، عن أبي العالية قال: لهدمت صوامع قال: صوامع وإن كان يشرك به، وفي لفظ إن الله يحب أن يذكر ولو من كافر، وفي تفسير شيبان عن قتادة: الصوامع للصابئين، والبيع للنصارى، والصلوات لليهود، والمساجد للمسلمين".

 

ومناقشة ما ورد نجد الآتي:

1- الأمر لا يحتاج إلى كثير مناقشة، فقد أورد الإمام ابن قيم رأي ابن عباس- رضي الله عنهما- وقال إنه الراجح.

 

2- روى الإمام البخاري في كتاب الصلاة: باب الصلاة في البيعة؛ حيث روى تعليقًا، وقال عمر- رضي الله عنه- إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور، وكان ابن عباس يصلي في البيعة (الكنيسة) إلا بيعة فيها تماثيل.

 

ولعل مثل هذا النقل لا يفيد أكثر من كراهة عمر- رضي الله عنه- لذلك، وكون ابن عباس- رضي الله عنهما- يصلي في البيعة التي ليس فيها صور أو تماثيل يجعل الأمر ليس بسبب دخول الكنيسة، وإنما بسبب الصور، يقول ابن القيم: ص 712: "واختلفت الرواية عن أحمد في كراهة الصلاة في البيع والكنائس، عنده ثلاث روايات: الكراهة، وعدمها، والتفريق بين المصورة فتكره الصلاة فيها، وغير المصورة فلا تكره، وهي ظاهر المذهب"، وهذا منقول عن عمر وأبي موسى".

 

فانظر إلى أحد الآراء الواردة عن الإمام أحمد بعدم الكراهة من الصلاة في الكنيسة دون تفريق بين ما فيها صور أو ليس بها صور.

 

رابعًا: حول قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) (الفرقان).

 

قد أورد الإمام القرطبي 13/79-80 الخلاف في تفسير الآية بين الكذب، وكل باطل، الغناء الفاحش، وأن الأمر من الشهادة لا من المشاهدة، كما أورد رواية ابن عباس: أنها أعياد المشركين جـ 19 ، ص78 " والزور: الباطل من قول أو فعل وقد غلب على الكذب، فيكون معنى الآية: أنهم لا يحضرون محاضر الباطل التي كان يحضرها المشركون وهي مجالس اللهو والغناء والغيبة ونحوه، وكذلك أعياد المشركين وألعابهم" هذه النقول كما نرى ليس فيها أمر واضح إلا أن تكون شهادة أعيادهم عن رضا واقتناع كما هو حال الكاذب الذي يريد أن يقنع المستمع بكذبه.

 

خامسًا: لعل لي أن أتساءل هل منح غير المسلمين سهمًا من الزكاة التي لا يجوز أن يعطوا منها وهو سهم المؤلفة قلوبهم، وإنني أرى أن إعطاءه ليس متوقفًا على قوة المسلمين أو ضعفهم؛ لأن التعليل ليس نصًّا في الآية، بل هذا ما أراه من جواز إعطائهم لتأليف القلوب ولو كانت دولة الإسلام قوية لمزيد انتشار الحق- هذا والله أعلم- والسؤال عندي: هل منحهم هذا السهم أشد من تهنئهم بأعيادهم أم لا؟.

 

سادسًا: ذهاب النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى الكنيسة:

1- روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: "إن الله عزَّ وجلَّ ابتعث نبيه لإدخال رجل الجنة، فدخل الكنيسة، فإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة، فلما أتوا على صفة النبي- صلى الله عليه وسلم- أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- ما لكم أمسكتم؟ فقال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا، ثم جاء المريض يحبوا حتى أخذ التوراة، فقرأ حتى أتى على صفة النبي- صلى الله عليه وسلم- وأمته، فقال: هذه صفتك وصفات أمتك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. مسند الإمام أحمد1/416.

 

والشاهد في هذه الرواية أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يوضح ضوابط دخول الكنيسة والجائز والممنوع، فإن دخلها مؤمنًا بدينهم فهذا كفر حتى ولو لم يدخل الكنيسة، أما دخولها لأسباب أخرى وضوابطها فلم ترد، وكما يقول العلماء تأخير البيان عن وقته غير جائز، وربما تحتج بأنه أمر لا يقاس عليه لقول ابن مسعود: "إن الله ابتعث نبيه لإدخال رجل" وربما أجيب على ذلك بأن هذا استنباط من الصحابي بعد الحادث أو أنه سمعه من النبي، وعمومًا الأصل أن أفعال النبي له وللأمة إلا إذا قام دليل على غير ذلك، وقد ورد أن النبي قد ذهب إلى بيت المدراس وهو المكان الذي تحفظ فيه التوراة وتدرس، كما في حديث الزانيين "رواه ابن داوود 4449".

 

سابعًا: إنني أورد هذا الأمر وقد يعجب القارئ سبب إيراده، قال ابن القيم- رحمه الله- ص187 "وقد صحَّ عن النبي أنه أنزل وفد نصارى نجران في مسجده، وحانت صلاتهم فصلوا فيه"، وذلك عام الوفود بعد نزول قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(التوبة: من الآية 28).

 

تدبر معي أليس الراوي من الصحابة وغيره رآهم وهم يصلون صلاتهم، فما حكم ذلك؟

 

من دراسة ما سبق يتضح الآتي:

1- عدم وجود نص قاطع واضح في تحريم تهنئتهم بالأعياد.

 

2- أن من ذهب إلى التحريم رأى أن هذا الفعل يحمل في مضمونه الرضا بما هم عليه من عبادة، والإيمان به تناقضه عقيدة الإسلام، وهذا أمر متعلق بالنية التي لو توفرت في قلب صاحبها كان كافرًا سواء نطق بها أو لم ينطق، حضر أو لم يحضر.

 

3- لا بد أن نفرق بين المجاملة والاعتقاد.

 

4- أن هذا الأمر محض اجتهاد يختلف حسب العصر وحال الإنسان والظروف المحيطة بالأمة.

 

ويسعدني قبل ختام الأمر أن أوضح أمرين:

الأول: ما يخص الشروط العمرية.

1- أني في مقتبل عمري وأنا في الثالثة عشرة من عمري كنت أقرأ فيها فأرشدني أحد علماء الإخوان المسلمين إلى الآتي:

أ- أنهم الذين كتبوها على أنفسهم.

ب- أن فيها ما لم يشترطه النبي- صلى الله عليه وسلم- في صحيفة المدينة، وفعل النبي- صلى الله عليه وسلم- هو المقدم.

ج- أن رواية الشروط العمرية فيها اختلاف كبير لا تصل به إلى حدِّ القطع الصحيح بالنقل.

د- أنه قد ورد عن عمر- رضي الله عنه- ما هو أثبت من ذلك وليس فيه كثير مما ورد في العهدة العمرية.

فلذلك أتمنى أن يتصدر العلماء لكثير مما نقل في هذا الشأن مما يتنافى مع كليات الإسلام.

 

ثانيًا: أقدم هذا النقل عن بعض العلماء المعاصرين في هذه المسألة.

1- يقول فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير وعلوم القرآن بالأزهر:

 

"الجواب عن هذا السؤال يحتاج إلى نوع من التفصيل؛ التهنئة لغير المسلم مطلقًا بدون مخالفة شرعية جائزة، وهي من باب حسن الأخلاق التي أمرنا بها ولون من ألوان الدعوة إلى الله عزَّ وجلَّ بالحكمة والموعظة الحسنة عملاً لا قولاً، أما إذا تضمنت التهنئة مخالفة دينية فهنا تكون ممنوعة من أجل هذه المخالفة، كأن يقول له مثلاً: "بارك الله لك في أهلك ومالك" مثلاً، فهذا دعاء بالبركة لغير المسلم وذلك لا يجوز، وإنما يقول له مثلا: "أعاد الله عليك التوفيق والهداية" أو ما إلى ذلك.

 

وإذا تضمنت التهنئة تقديم هدية فهذا جائز أيضًا، بشرط أن تكون حلالاً، فلا يقدم له زجاجة من الخمر مثلاً أو صورًا عارية؛ بحجة أنه ليس مسلمًا.. فالمسلم لا ينبغي أن يشترك في تقديم شيء محرم في ديننا.

 

وإذا ذهب إليه في بيته أو في كنيسته فلا يحل له أن يجلس تحت الأشياء المخالفة لديننا كالتماثيل أو الصلبان، أو الاختلاط بالنساء العاريات، وغير ذلك من ضروب المحرمات التي تقترن بمواضع وأماكن غير المسلمين.

 

وننبه إلى أن التهاني لا ينبغي أن تكون باستعمال آيات قرآنية في بطاقة أو في غيرها؛ لأن غير المسلمين لا يدركون قداسة هذه النصوص، وبالتالي يضعونها في القمامة، ويدوسونها بالأقدام بقصد أو بغير قصد؛ فينبغي على المسلم أن ينزِّه نصوص دينه عن كل امتهان".

 

2- ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:

"من حقِّ كل طائفة أن تحتفل بعيدها بما لا يؤذي الآخرين، ومن حقها أن تهنئ الآخرين بالعيد؛ فنحن المسلمين لا يمنعنا ديننا أن نهنئ مواطنينا وجيراننا النصارى بأعيادهم، فهذا داخل في البر، كما قال الله تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8))(الممتحنة)، وخصوصًا إذا كانوا يجاملون المسلمين ويهنئونهم بأعيادهم، فالله تعالى يقول: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (النساء: من الآية 86).

 

ولكن لا يشترك المسلم في الطقوس الدينية التي هي من خصائص المسيحيين وقرباتهم الدينية.
ويقول الأستاذ الدكتور محمد السيد دسوقي أستاذ الشريعة بجامعة قطر:

"أولاً: الجار في الإسلام له حقوق، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، فإذا كان مسلمًا وله بجاره قرابة أصبح له ثلاثة حقوق: حق القرابة، والإسلام، والجوار، أما إذا كان مسلمًا ولم يكن بينهما قرابة؛ فله حقان: حقُّ الإسلام، وحقُّ الجوار.

 

فإذا كان هذا الجار غير مسلم فله حق واحد وهو حق الجوار، وهذا الحق حق مقدس نبَّه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" أي يجعله جزءًا من الأسرة، فهذا الجار المسيحي يحض الإسلام على الإحسان إليه وحسن معاملته، والله يقول: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)) (الممتحنة)، ومن البر بهم مجاملتهم في أعيادهم، ويجوز مشاركتهم فيها ما دام لا يُرتكب فيها أي محرم، وهذا السلوك الإسلامي قد يكون عاملاً من عوامل هداية هؤلاء، وقد انتشر الإسلام في بلاد كثيرة لم تدخلها الجيوش، وإنما كان الخلق الإسلامي الذي مثله الرحالة والمهاجرون والتجار من عوامل نشر الإسلام في أمم ما زالت تحتفظ به حتى الآن في دول جنوب شرق آسيا. والله أعلم.

 

3- أبدى الفقيه السعودي عضو مجلس الشورى حاتم الشريف تسامحًا هو الأول من نوعه لشيخ سعودي بارز مع التهنئة بـ"الكريسماس" "عيد الميلاد" الذي يحتفل به معظم المسيحيين في 25 كانون الأول/ ديسمبر كل عام باعتباره مولد المسيح عليه السلام.

 

ونقلت صحيفة "عكاظ" السعودية في عددها الصادر الخميس قوله: "إن هناك فرقًا بين تهنئة الكافر بعيده الديني وعيده غير الديني".

 

وأضاف الفقيه السعودي أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يحيي غير المسلمين في رسائله إليهم بقوله: "السلام على من اتبع الهدى" وهو ما رآه الشريف تصرفًا من النبي يدل على جواز هذا النوع من التلطف مع غير المسلم، وهو مبني على المداراة أو ما يسميه الناس اليوم المجاملة، وهو مستحب عند إرادة دعوة الآخر وهدايته".

 

وأكد "وجوب التفريق بين محل الإجماع في هذه المسألة ومحل الاختلاف، فمحل التحريم بالإجماع هو تهنئة الكافر بعبارة تدل على الرضا عن دينه"..." وأما تهنئتهم بما لا يدل على ذلك فنقل الإجماع عليه دعوى غير صحيحة".

 

4- فتوى للأستاذ الدكتور شرف القضاة– أستاذ الحديث في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية- تحت عنوان: "تهنئة المسيحيين بأعيادهم"، وهذا نصّها:

 

"يكثر السؤال في هذه الأيام عن حكم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، وللجواب عن ذلك أقول: إن الأصل في هذا الإباحة، ولم يرد ما ينهى عن ذلك، وكل ما سمعته أو قرأته لمن يحرمون هذه التهنئة أن في التهنئة إقرارًا لهم على دينهم الذي نعتقد أنه محرف، ولكن الصحيح أنه لا يوجد في التهنئة أي إقرار، لما يلي:

 

1- لأننا لا نَعُدُّ تهنئتهم لنا بأعيادنا إقرارًا منهم بأن الإسلام هو الصحيح، فالمسلم لا يقصد بالتهنئة إقرارًا على الدين، ولا هم يفهمون منا ذلك.

 

2- لأن الله تعالى أمرنا بمعاملتهم بالحسنى، فقال تعالى: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8))(الممتحنة) والبر هو الخير عمومًا، فقد أمرنا الله تعالى بمعاملتهم بالخير كله، فتكون معاملتهم بالخير ليست جائزة فقط بل هي مستحبة، فكيف يحرم بعد ذلك تهنئتهم بنحو قولك: كل عام وأنتم بخير، فإننا لا شك نحب لهم الخير، وقد أمرنا الله بذلك.

 

3- لأن الله تعالى شرع لنا التحالف معهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة المنورة.

 

4- لأن الله تعالى شرع لنا زيارتهم في بيوتهم واستقبالهم في بيوتنا، والأكل من طعامهم، بل والزواج منهم، مع ما في الزواج من مودة ورحمة، ولا يقال: إن في ذلك كله نوعًا من الإقرار لهم بأن دينهم هو الحق، فكيف يجوز ذلك كله ولا تجوز تهنئتهم!!! 22/12/2011".

 

وممن أجاز قبلهم: محمد رشيد رضا؛ حيث رأى أن زيارة غير المسلمين وتهنئته بالعيد جائزة، مستشهدًا بأن النبي صلى الله عليه وسلم عاد غلامًا يهوديًّا، ودعاه للإسلام فأسلم.

 

والشيخ مصطفى الزرقا أجازها من باب المجاملة وحسن العشرة، قال: "إن تهنئة الشخص المسلم لمعارفه النصارى بعيد ميلاد المسيح- عليه الصلاة والسلام- هي في نظري من قبيل المجاملة لهم والمحاسنة في معاشرتهم".

 

وأجاز الشيخ أحمد الشرباصي مشاركة النصارى في أعياد الميلاد بشرط ألا يكون على حساب دينه.

 

وأجاز ذلك عبد الله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وطالب المسلمين بأن تتسع صدورهم في المسائل الخلافية.

 

وأخيرًا:

أخي القارئ الكريم إنني لم أرد تأييد رأي معين، ولكني أردت من هذا إظهار بحث علمي، ولعلنا نتفق في أن الأمر موضع نظر ولكل ناظر نظره، وعمومًا هذا جهدي، فإن كان التوفيق فمن الله، وإن كان غير ذلك فمن نفسي، وأسأل الله المغفرة وأتوب إلى الله من كل قول أو فعل يخالف مراده.

 

وصل اللهم وسلم على نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم-

الشيخ/ عبد الخالق حسن الشريف
مسئول قسم نشر الدعوة بجماعة الإخوان المسلمين
ومدير مركز منارات للدراسات الشرعية