أطراف داخلية وخارجية ومخططات ومؤامرات تُدبَّر في الخفاء لإسقاط الثورة المصرية والانقلاب عليها، واغتيالها في عامها الأول، بعدما أسقطت رأس الديكتاتورية والتبعية الصهيوأمريكية في مصر والوطن العربي، وأسرته وأعوانه.

 

عام الثورة شهد عدة محاولات من رموز وشخصيات نظام مبارك البائد حاولت القفز على الثورة وتبني مبادئها بعد أن أسقط الرئيس المخلوع الذي دافع عنه هؤلاء دفاعًا مستميتًا، ولم يتورعوا عن تشويه الثوار وكيل الاتهامات لهم، ومع ذلك استطاع الشعب المصري أن يجهض كل هذه المحاولات ويتصدى لهم بيد من حديد، ليعلن بذلك أنه لن يرجع للوراء، فضلاً عن أنه سيظل يدافع عن حقوقه وعن ثورته.

 

وأولى هذه المؤامرات ابتكار رجال النظام البائد وثائق لتقويض الثورة، والانقلاب على الإرادة الشعبية المعلنة في استفتاء مارس على التعديلات الدستورية عن طريق إصدار ما يُسمَّى بـ"المواد فوق الدستورية"، وتأتي مرتبطة مع لافتات "الدستور أولاً" بعدما شعر الجميع بتقدم الإسلام السياسي في مصر في حالة إجراء الانتخابات أولاً، فكانت أولى هذه الدعوات، تبني يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق إعداد وصياغة مواد وثيقة مبادئ فوق دستورية لإقصاء الإسلاميين؛ لأنه يعلم أن هذه المواد لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها إلا عن طريق الثورة التي تقوم بإلغاء الدستور القائم ووضع دستور جديد بدلاً منه، فيكون وجود هذه المواد هو البذرة لعدم الاستقرار في المجتمع، متعللاً بأنه يحق للمجلس العسكري التراجع عن الاستفتاء؛ لأن الشرعية الثورية هي التي منحته صلاحياته الحالية (وليس الشعب) مستخدمًا فزاعة "الدولة الدينية أسوأ من الدولة البوليسية".

 

رد الشعب؛ وخرج في مظاهرات ومليونيات واحدة تلو الأخرى؛ للمطالبة بإقالة الجمل لممارساته المناهضة لمطالب الثورة، وعلى رأسها جمعة "المصالحة والوحدة" 13 مايو 2011م، بجانب جمعة "الثورة أولاً" 8 يوليو، وبفضل الضغط الشعبي وافق عصام شرف على قبول استقالة نائبه يحيى الجمل، وهي الاستقالة الثانية له بعد أن رفضها المجلس العسكري في المرة الأولى.

 

ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية التي تعد مرحلة فاصلة في تاريخ مصر الجديدة عقب ثورة 25 يناير، خرج علي السلمي نائب رئيس وزراء حكومة شرف السابق بوثيقة غير دستورية مشبوهة بموجبها يصبح المجلس العسكري فوق الدستور، ويعيد إنتاج حكم العسكر بشكل أشد وأبشع من قبل، وهو ما أحدث صدمة سياسية لجميع القوى الوطنية، حتى لبعض من يؤمن بالنهج الليبرالي، لما تحمله الوثيقة من افتئات على إرادة الشعب المصري في صياغة دستور لمصر الجديدة، بل إقرار وصاية على جميع المؤسسات التي سيختارها وعلى رأسها البرلمان المنتخب.

 

رفض شعبي

وشنَّ نشطاء الشبكات الاجتماعية هجومًا عنيفًا على الوثيقة، وتبادل النشطاء عبارات الاستهزاء بها، منتقدين حكومة الدكتور عصام شرف، بعدما اعتبروا الوثيقة التفافًا على الديمقراطية، فكانت هذه هي بداية الرفض الشعبي لها، وبعدها دعا ما يقرب من أكثر 50 حزبًا وائتلافًا وحركة سياسية إلى مليونية يوم الجمعة 18 نوفمبر تحت مسمى "المطلب الواحد"، أو "حماية الديمقراطية"  لرفض وثيقة السلمي، واستبقت الحكومة المليونية هذه الجمعة وأعلنت تعديل المادة رقم 9 و 10 من الوثيقة، إلا أن الشعب رفض التعديلات؛ لأن الوثيقة باطلة ولا يمكن تعديل الباطل، وسقطت الوثيقة بسقوط الحكومة.

 

المؤامرة الثانية.. تفتيت نسيج الوطن الواحد بعد الوحدة والتآخي الذي ظهر أثناء الثورة، كانت هي المحاولة الثانية للانقلاب على الثورة بالسعي لإدخال البلاد في حرب أهلية، بدأت بأحداث قرية صول بأطفيح التي بدأت بمشاجرات بين مواطنين مسلمين وأقباط، وانتهت بإحراق كنيسة الشهيدين، وتدخل الجيش وعدد من الدعاة لتهدئة الأجواء هناك، ونظَّم الشعب المصري مليونية الوحدة الوطنية بتاريخ 11 مارس، مليونيةً لتأكيد الوحدة الوطنية في مصر عقب أحداث العنف في أطفيح.

 

وفي 7 مايو 2011م جددت عناصر الثورة المضادة أحداث الفتنة الطائفية في منطقة إمبابة؛ بسبب شائعة اختطاف فتاة وحبسها داخل إحدى الكنائس، وتدخلت قوات الجيش وفرضت حظرًا للتجوال في المنطقة، وتبعها أحداث إمبابة ومنشية ناصر وأسوان ثم أحداث ماسبيرو، وبعدها اشتباكات أبو قرقاص في المنيا.

 

مليونية المصالحة والوحدة

بتاريخ 13 مايو 2011م نظَّم المتظاهرون في ميدان التحرير فعاليات متعددة لدعم الوحدة الوطنية ونبذ أية محاولات لإثارة الفتنة الطائفية، مرددين هتاف "مسلم ومسيحي.. إيد واحدة"، وفي نهاية العام مع أول عيد للمسحيين في مصر بعد الثورة حرص المسلمون على حماية الكنائس في مصر، وقاموا بتشكيل لجان شعبية تحسبًا لأي محاولات للفتنة من الثورة المضادة.

 

تباطؤ المحاكمات

المؤامرة الثالثة.. التباطؤ في محاكمة رموز الفساد والرئيس المخلوع، وإصدار قانون العزل السياسي أو الغدر، ونظَّم الثوار مجموعةً من المليونيات للمطالبة بمحاكمة رأس الفساد وأسرته وأعوانه من الوزراء ورجال الأعمال وقيادات الحزب الوطني المنحل، منها مليونية محاكمة مبارك وشفيق 25 فبراير، و"جمعة المحاكمة والتطهير" 8 أبريل التي دعت إليها عدد من الأحزاب والحركات الاحتجاجية والقوى الشبابية وجماعة الإخوان المسلمين، مطالبين بمحاكمة سريعة لرموز النظام السابق، واسترداد الأموال المنهوبة حسب قولهم وحل الحزب الوطني.

 

وبعد ضغط الثوار المستمر اضطر المجلس العسكري مرغمًا إلى الاستجابة لضغط ميادين التحرير في مصر، فقدم الرئيس المخلوع وحكومته إلى المحاكمة بعد شهرين ونصف من المماطلة، أمهلهم فيها الفرصة الكافية لفرم الملفات، وإخفاء كل دليل يثبت إدانتهم.

 

وفي محاولةٍ للهروب من المحاكمة ألقى المخلوع مبارك رسالة صوتية عبر قناة "العربية" بتاريخ 10 أبريل، قال فيها: إن تفاصيل حساباته البنكية هو وعائلته ستفند الشكوك بشأن التربح وتحقيق مكاسب غير مشروعة، وبدأ التحقيق معهم في 12 أبريل، وتمَّ حبس الرئيس المصري السابق ونجليه جمال وعلاء 15 يومًا على ذمة التحقيق بتهم الكسب غير المشروع والتربح وغسيل الأموال.

 

أمن الدولة المنحل

المؤامرة الرابعة.. عودة جهاز القمع المنحل تحت مسمى "جهاز الأمن الوطني" بدلاً من  أمن الدولة في 15 مارس بعدما أصدر وزير الداخلية قرارًا بحلِّ جهاز أمن الدولة، فعاد لنفس دور أمن الدولة من تعقب للمواطنين ومراقبتهم وتتبع الجمعيات الأهلية والخيرية، ومحاولة إعادة المساجد تحت السيطرة الأمنية، وتحديد من يحق له التحدث في المساجد أو إمامة المصلين، ويرجع كل ذلك إلى بقاء ضباط أمن الدولة الذين ترعرعوا في ظلِّ قانون الطوارئ في أماكنهم ولكن بكارنيهات الأمن الوطني.

 

الأصابع الخارجية

المؤامرة الخامسة.. الأصابع الخارجية التي تسعى لزعزعة الاستقرار الداخلي، وبناء شخصيات ومنظمات تضمن بقاء تبعية مصر للخارج وخاصة الولايات المتحدة؛ وذلك عن طريق بعض منظمات المجتمع المدني التي تدعمها؛ حيث كشفت وثائق مسربة من موقع "ويكيليكس" عن برقيات من السفارة الأمريكية بالقاهرة تفيد بأن هناك تواصلاً مع رموز للمعارضة والمجتمع المدني، والتي نشرت عرضًا يفيد تلقي جهات وشخصيات محسوبة على الثورة تمويلاً من السفارة الأمريكية من قبل.

 

وقال عضو الكونجرس رون بول: نحن ندفع لتلك المنظمات لكي نخلق أعداءً لأمريكا، ويكشف مصدر مصري مطلع أن هناك جمعيةً مصريةً في الشيخ زويد بسيناء يتم تحويل أموال مباشرة إليها من واشنطن والسفارة الأمريكية، ولا يمكن فصل ما يحدث في سيناء عن ذلك.

 

ووصل الأمر بالبعض، ممن لا يؤمنون بالديمقراطية- إلا بظاهر من القول- إلى حد طلب الدعم من الغرب والولايات المتحدة بحجة دعم الليبراليين ليتمكنوا من مواجهة الخصم الإسلامي بعد تقدمه في الانتخابات البرلمانية، وهو ما اعتبره مراقبون أنه استعداء للعالم، وخطوة أولى في مسلسل فرض الوصاية على مصر وجلب الاستعمار، هذا إلى جانب المعونة الأمريكية التي ظلت ما يزيد عن 30 عامًا.

 

وفي خطوة تتميز بالشجاعة من قبل الحكومة المصرية أبلغ وزير الخارجية المصري السابق نبيل العربي الخارجية الأمريكية برفض مصر رفضًا تامًّا للمعونات الأمريكية المشروطة؛ حيث عرضت أمريكا على مصر مبلغ 150 مليون دولار كمعونة مقابل تنفيذ بعض الشروط التي يجب على الحكومة المصرية تنفيذها كما كان يحدث في عهد مبارك، ويأتي ذلك الرفض احترامًا لاستقلالية الحكومة المصرية، وكذلك ردًّا على رفض الجانب الأمريكي التنازل عن الديون المصرية للجانب المصري، والتي تصل ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار؛ حيث رفض الجانب الأمريكي ذلك بحجة أن الموازنة الأمريكية لا تكفي، وكان الجانب الأمريكي قد تعود مع النظام القديم على منح الحكومة المصرية معونة كبيرة مقابل تنفيذ أحد المشاريع الفاشلة في أحد المجالات.

 

هذا إلى جانب ظهور 4 جواسيس في مصر، وعلى رأسهم "إيلان جرابيل" ضابط الموساد الصهيوني؛ الذي حرَّك الأمريكان من أجل الإفراج عنه، ودفع وزير الدفاع الأمريكي إلى ترك كرسيه في "البنتاجون" ليقطع رحلةً طويلةً إلى مصر، واضعًا على رأس أجندته طلبًا رئيسيًّا ومن الممكن أن يكون هو الوحيد فيها، وهو الإفراج عنه بعد ما ألقت المخابرات المصرية القبض عليه منذ عدة أشهر، ووجهت له تهم التجسس والتخابر.

 

استغلال أسر الشهداء

المؤامرة السادسة.. استغلال العديد من الجهات بعض أسر الشهداء لافتعال الأزمات مثلما حدث في مسرح البالون في 28 يونيو أثناء احتفالية لتكريم بعض أسر شهداء ثورة 25 يناير؛ حيث قامت مجموعة من الأشخاص بمحاولة اقتحام المسرح، مدعين أنهم من أسر الشهداء وتحطيم قاعة صلاح الدين، وعقب ذلك قامت تلك المجموعة بالتوجه إلى منطقة ماسبيرو؛ حيث انضم إليهم بعض المعتصمين أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وتوجهوا إلى مقر مبنى وزارة الداخلية بمنطقة وسط البلد؛ حيث قاموا بأعمال شغب ورشق بالحجارة تجاه المحال والسيارات، وانتقلوا بعدها إلى التحرير بعدما تصدت لهم الشرطة، بجانب أحداث محمد محمود، والتي تفاعل معها أسر الشهداء والمصابين الذين تفاعلوا مع الأحداث بشكل عفوي.

 

إعلام الفتن

المؤامرة السابعة.. تأجيج الفتن وإثارة الأزمات؛ هذا هو الدور الذي لعبه الإعلام المصري بعد الثورة بعدما تغير من موقفه السلبي أثناء أحداث الثورة إلى إعلام الفتن، وفجأة وبدون سابق إنذار تحولت أغلب موجات الإعلام المصري إلى الهجوم المباشر على حزب "الحرية والعدالة" والإسلاميين بصفة عامة، وذلك بعد حصولهم على الأغلبية في نتائج انتخابات المرحلة الأولى، وكرّسوا طاقاتهم بالكامل لإفزاع المصريين من وصولهم إلى البرلمان، موجهين الكثير من الاتهامات للمواطنين على سوء الاختيار الذي سيقضي على مصير البلد.

 

ورد المواطنون على انحياز الإعلام وعدم التزامه بالمهنية بالخروج بمظاهرات من أجل طرد وزير الإعلام أسامة هيكل من منصبه، بعد مهاجمته لمليونية "المطلب الواحد"، ووصفها بأنها مؤتمرات انتخابية للإخوان والسلفيين.

 

المجلس الاستشاري

المؤامرة الثامنة.. تشكيل مجلس استشاري له صلاحيات تساعد المجلس العسكري في إدارة الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية في 8 ديسمبر، يضم 30 شخصيةً من الشخصيات العامة وبعض مرشحي الرئاسة برئاسة منصور حسن، على أن يكون حلقة الوصل ما بين المجلس والثوار؛ كانت آخر محاولات الانقلاب على الثورة خلال عامها الأول، ورفضت جماعة الإخوان المسلمين المشاركة في هذه المجلس، بعدما اكتشفوا أن هناك توسيعًا لمهام المجلس الاستشاري المزمع، بما يمثل انتقاصًا من دور البرلمان المقبل، والجمعية التأسيسية التي سيناط بها وضع دستور جديد.