انبرى عددٌ من الناشطين في هجوم على التعديلات الدستورية الجديدة رغم ترحيب كثير من رجال السياسة بها.. أما السبب الذي ذكروه وراء هجومهم هذا؛ هو أنها لم تتناول اختصاصات رئيس الجمهورية وتركت صلاحياته مطلقة، وهو ما يهدِّد بصناعة ديكتاتور آخر إذا حدث أي شيء أعاق مهمة تأسيس دستور جديد.

 

وعلى قدر خطورة أو أهمية مخاوفهم، إلا أن الأمر لا يسير في هذا الاتجاه، بل إنه احتمال قد لُوي عنقه إلى حد ما، ويقف وراءه هواجس أكثر منها مخاوف؛ وذلك لهذه الأسباب التي سأذكرها:

أولاً: أن المخاوف قد تكون حقيقية وخطيرة إذا كان هذا الدستور المعدل سيبقى دائمًا، وليس مؤقتًا ليتواءم مع ظروف الثورة، وإلى حين تأسيس دستور جديد في أقرب فرصة تمَّ تحديدها بالفعل، وقد أعلن المجلس العسكري أن هذا الدستور مؤقت ليقابل عجلة الموقف وتداعياته السريعة.

 

ثانيًا: أن هذا الدستور عُدِّل من أجل غرض إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية سريعة في أقرب فرصة، وبحيث تتضمن التعديلات نزاهتها.. لذلك عُدِّلت المادة 88.

 

ثالثًا: أن هذا الدستور عُدِّل من أجل توفير فرص متعادلة ومناسبة للترشيح لرئاسة الجمهورية دون قيود مغالية، ومن أجل ضمان تحديد مدد الرئاسة وتقليص فترتها الزمنية لأربع سنوات فقط؛ لذلك استبقت التعديلات الدستورية انتخابات الرئاسة لضمان ذلك، وهذا من أسباب عجلتها (المواد 75، 76، 77).

 

رابعًا: أن التعديلات استبقت الرئيس القادم، ومنعته من استخدام قانون الطوارئ إلا بحدود وقيود ومدد محددة، كما ألغت قانون الإرهاب.

 

خامسًا: أن هذه التعديلات عاجلة، ويجب أن تستبق الانتخابات البرلمانية وانتخابات الرئاسة، فأوكلت للجنة قانونية مصغرة للعجلة وضيق الوقت.. بينما يقتضي إنشاء دستور جديد لجان موسعة ومناقشات على اتساع قواعد الأمة ومجالسها النيابية والقضائية وجميع التكتلات والأحزاب السياسية، كما يجب مشاركة الجماهير في انتخاب اللجنة التأسيسية ولو عن طريق مجلس الشعب.. وهو ما لا يمكن عمله في هذه الظروف الضيقة والعاجلة.

 

سادسًا: أن التعديلات أضافت مادة جديدة تجعل هذا الدستور المؤقت ينتهي ذاتيًّا قبل مرور 6 أشهر على انتخاب أول برلمان؛ حيث تقضي بوجوب إنشاء دستور جديد في خلال 6 أشهر من انتخاب أول مجلسين "شعب وشورى"، كما أضافت مواد توضح خطوات تكوين الدستور الجديد؛ بما يجعله بعيدًا عن سلطة أو تدخل رئيس الدولة، من خلال وضعها إجراءات محددة لا دخل لرئيس الدولة فيها.

 

سابعًا: أن الشعب الذي قام بالثورة ستسهل مهمته في متابعة إنشاء دستور جديد للبلاد، من خلال ما نصت عليه شروط التعديلات الدستورية، وفرضت على الجميع وجوب تأسيس دستور جديد بقاعدة قانونية وشعبية واسعة، بعيدًا عن تدخل رئيس الجمهورية في تسطير الدستور.

 

من أجل ذلك فإن هذه التعديلات الدستورية عجلت بضمانات لانتخابات نزيهة، سواء رئاسية أو برلمانية، كما عجلت بضمانات للمناخ الذي سيؤسس من خلاله الدستور الجديد.. وهكذا فهذه التعديلات الدستورية تأتي كضمانات لجودة وسلامة تحقيق كل الأماني الشعبية.. ومن هنا تأتي أهمية المشاركة في تمرير هذه التعديلات الدستورية التي هي الضامن الأساسي؛ لتشكيل دستور جديد يحقِّق كل طموحاتنا.