ﺇن الحمد لله، نحمده سبحانه وتعالى لا شريك له، ونصلي ونسلم على النبي الذي لا رديف له، وعلى ﺁله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما طلب منه أصحابه - رضوان الله وسلامه عليهم - وصية جامعة، وصاهم وصية جاء فيها: ) عليكم بسنتي (، وهو ما يعني - بإيجاز -: اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في جميع أقوله وأفعاله، والتأسي به في سائر أحواله.
وهو مقتضى قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ (سورة الحشر آية 7)، وقوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ (سورة المائدة آية 92)، وغيرهما من الآيات كثير.
قال المهدوي -رحمه الله-: «هذا يوجب أن كل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر من الله تعالى».
كما علق الله الصدق في محبته تعالى بمقدار اتباع العبد للنبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك في قوله تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ (سورة آل عمران آية 31).
قال ابن كثير -رحمه الله-: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله».
وقال سهل بن عبد الله -رحمه الله-: «علامة حب الله حب القرآن، وعلامة حب القرآن حب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلامة حب النبي -صلى الله عليه وسلم- حب السنة....».
ويخطئ من يرى أن الأمر باتباع السنة نوع من التعسف أو التشديد، لا والله، فالقاعدة في اتباع السنة هي قوله صلى الله عليه وسلم: ) إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه (.
قال ابن حجر -رحمه الله-: «واستدلّ به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور أنه يسقط عنه ما عجز عنه».
وقال النووي -رحمه الله-: «هذا من قواعد الإسلام المهمة، ومن جوامع الكلمة التي أعطيها -صلى الله عليه وسلم- ويدخل فيه ما لا يحصى من الأحكام كالصلاة بأنواعها، فإذا عجز عن بعض أركانها أو بعض شروطها أتى بالباقي، وإذا عجز عن بعض أعضاء الوضوء أو الغسل غسل الممكن، وإذا وجد بعض ما يكفيه من الماء لطهارة أو لغسل النجاسة فعل الممكن، وإذا وجبت إزالة منكرات أو فطرة جماعة من تلزمه نفقتهم ونحو ذلك وأمكنه البعض فعل الممكن، وإذا وجد ما يستر بعض عورته أو حفظ بعض الفاتحة أتى بالممكن وأشباه هذا».
وهكذا أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والتمسك بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وترك ما خلاها من الأقوال والأفكار، والمذاهب المضلة، فإن هذا طريق النجاة.