تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورًا فيما يجري من سياسات بأنحاء العالم، وهي الآن تعيش مرحلةَ القطب الواحد منذ بداية تسعينيات القرن الماضي وانهيار الاتحاد السوفيتي وتقسيمه وإعلان ما عُرِفَ بالنظام العالمي الجديد هذا النظام الذي يسعى إلى فرض إرادته على العالم سياسيًّا وعسكريًّا، بل تعدَّى الأمر إلى الرغبة في إعادة تشكيل ثقافة المجتمعات وصياغتها اجتماعيًّا من خلال فرض النمط الأمريكي فيما عُرِفَ باسم العولمة أو الأمركة.

 

كل هذا دعا كثير من الباحثين إلى الدخول في غمار الحياة الأمريكية وتحليل ما تقوم عليه سياستها، ومَن يخطط لها ومَن يتحكم فيها إلا أن الدكتور جمال سلامة علي أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس عكف على دراسة هذا المجتمع الأمريكي من الوجهة السياسية والاجتماعية من خلال كتابه الجديد "أمريكا من الداخل أمة قلقة" والعنوان الفرعي أمريكا الديمقراطية ويمينها الديني والمحافظ.

 

كان المؤلف موفقًا إلى درجةٍ كبيرةٍ في اختيار العنوان الرئيس "أمة قلقة"، ويرجع هذا القلق ليس إلى اضطرابِ أوضاعها السياسية وأنها مُعرَّضة للانهيار سياسيًا، بل القلق الذي عناه المؤلف حسب ما توصَّلت إليه هو ذاك التنوع الضخم والرهيب في أنماط هذا الشعب وكياناته السياسية، والتي تُعبِّر بالضرورةِ عن واقع اجتماعي قلق ليس متناغمًا كما نعيش نحن العرب، وأن اختلفت مشاربنا الأيديولوجية؛ لأن هناك أكثرَ من جامعٍ يجمعنا في النهاية أهمها الدين واللغة والعرق، أما التنوع الشديد القائم بالولايات المتحدة فإنه يحير الباحث كيف حدث هذا التقارب والاتحاد لهؤلاء؟ أعتقد أنه المصالح المشتركة التي آثر مؤسسو الولايات المتحدة أن يعلوها على أي شيء آخر، ولكن رغم مرور أكثر من ثلاثةِ قرون إلا أنَّ الأمرَ لم يُغيِّر الطبائع والمشارب والمنابع لكل فريقٍ منهم.

 

والكتاب يقع في نحو 680 صفحةً من ثلاثة أبوابٍ بخلافِ الملاحق، وأهمها نص الدستور الأمريكي والتعديلات التي أُجريت عليه منذ إقراره في 17 سبتمبر 1787م بعد مرور 11 سنةً على إعلان الاستقلال في 4 يوليو 1776م وما جرى عليه من تعديلاتٍ بلغ عددها 27 تعديلاً كان آخرها في 27 مايو 1992م، ويعد الكتاب مرجعًا عمليًّا مُهمًّا لكل مَن يريد معرفة تفاصيل الحياة السياسية التي غالبًا هي انعكاسات للوضع الاجتماعي داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ويسعى المؤلف لعرض رسالةِ الكتاب من خلال مقدمته التي يشرح فيها غطرسة القوة الأمريكية وما أدَّت إليه من انعكاساتٍ سلبيةٍ لدى الآخرين تجاهها، خاصةً في مجال السياسية الخارجية المتعلقة بعالمنا الإسلامي والعربي، ويُبيِّن كيف ساهم الجهل المعلوماتي لدى كثيرٍ من الأمريكيين في تكوين صورةٍ سلبيةٍ عن تلك البقعة المضطربة من العالم، وكيف سهَّل هذا من مهمة قوى اليمين المحافظ الراديكالي في تشويه العالم الإسلامي في وقتٍ تنامى فيه النفوذ الإعلامي والسياسي للمحافظين الجدد، وأعاق تدفق الأفكار الصحيحة؛ مما أدَّى إلى الفشل الأمريكي في فهمِ الآخر.

 

ويتوصل الباحث إلى انتهاء دور المحافظين الجدد بشكلٍ أو بآخر؛ حيث يصعب التسليم بمقولةِ إن تلك القوى الأيديولوجية التي استمدت جذوتها من أحداث الحادي عشر من سبتمبر ستستمر في تسلم مقاليد الأمور، ولن يكون بوسع الإدارات الأمريكية التحول الجذري عن خياراتِ المحافظين الجدد في السياسة الخارجية؛ لأنها لن تسلم من الاصطدام بعوائق، ويدلل على ذلك بالانعكاسات السلبية لمشروعهم العسكري في العراق، فعلى عكس ما تخيَّل المحافظون الجدد لم تُظهر حرب العراق قدراتٍ عسكرية لأمريكا بقدر ما أظهرت حدود تلك القوة وقيودها، كما كشفت للرأي العام الأمريكي خطورة ما تحمله المصالح الخاصة لتلك الفئة، يُضاف إلى ذلك أن الحركة المعادية لأمريكا آخذةٌ في الاطرادِ ليس من جهةِ الشرق فقط، بل من الحلفاء الأوروبيين وعبر المحيط الهادي من جهة الأسيويين، ولن تفلح حملات العلاقات العامة في تبييض وجه أمريكا أمام العالم.

 

وفي الباب الأول يتناول الكاتب النظام السياسي في أمريكا، وأنه نظام رئاسي فيدرالي جمهوري دستوري من خلال هذا الباب يوضح مهام السلطة التشريعية (الكونجرس) بمجلسيه الشيوخ والنواب ومدى أهميته؛ حيث يحتل مرتبة المؤسسة الأمريكية الأولى في الأهمية طبقًا لترتيب وروده بالدستور الأمريكي، ويرتبط بسن القوانين الداخلية وشريك في عملية صنع وتنفيذ السياسة الخارجية وتحكمه في الأوضاع المالية، فضلاً عن أن كلَّ أعمال السلطة التنفيذية ومسئوليها خاضعين لسلطة الكونجرس الذي له أيضًا سلطة تحكيمية ذات طابعٍ قضائي فيما يتعلق باتهام الرئيس بالخيانة أو الرشوة أو في حالة ثبوتِ قيامه بجريمة أو جنحة، إلا أن مجلس النواب له سلطة توجيه الاتهام ومجلس الشيوخ له سلطة إجراء المحاكمة وتحديد العقوبة، ويتطلب موافقة ثلثي الأعضاء، ويتحدث أيضًا عن نظام الاتفاقيات والترشيح للكونجرس ودورات انعقاده ومزايا وحقوق أعضائه السياسية المتمثلة في الحصانة والمالية؛ حيث يحصل العضو على 165 ألف دولار سنويًّا، وزعماء الأغلبية والأقلية بالمجلس يتلقون راتبًا يصل إلى 185 ألف دولار سنويًّا يزيد إلى 203 ألف دولار لرئيس المجلسين، ويُبيِّن تركيبه أعضاء الكونجرس من حيث النوع والعرق والأحزاب.

 

السلطة التنفيذية والقضائية

وفي الفصل الثاني يتحدث عن السلطة التنفيذية، وهي أوسع فروع الحكومة الفيدرالية من حيث العدد، ويطلق عليها الإدارة الأمريكية، وتتكون من الرئيس ونائبه والوزراء والمستشارين والوكالات وأهمها C I A ومجلس الاحتياطي الفيدرالي Fed والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (المعونة) ووكالة الأمن القومي ولجنة الانتخابات الفيدرالية، وغيرها.

 

ويُبيِّن مهام كل منصبٍ في الإدارة بدءًا من الرئيس وحقوقه ومهامه، وكذلك نائبه ثم السكرتارية أو الوزراء والمستشارين ومديري الوكالات.

 

أما الفصل الثالث فيتحدث عن السلطة القضائية، وتتكون من مستوياتٍ قضائيةٍ تتمتع بنظمٍ مستقلة فهناك النظام القضائي الفيدرالي وهو نظام محاكم متكامل مقسم على أساس وحدات جغرافية متعددة ومستويات مختلفة ذات ترتيب هرمي يبدأ من المحاكم الابتدائية انتهاءً بالمحكمة العليا للولايات المتحدة وقد تمَّ بناء نظام القضاء الفيدرالي وكل نظام منفرد من النظم الفضائية للولايات على شكل هرمي؛ حيث تبدأ قاعدة النظام القضائي في الولايات المتحدة بمحاكم الدعاوى الأساسية أو المحاكم الابتدائية ثم محاكم الاستئناف (المتوسطة لكل ولاية التي تملك سلطة تفسير القانون في تلك الولاية وعلى قمة البناء الهرمي على المستوى الفيدرالي توجد المحكمة العليا للولايات المتحدة وهي الاستئنافية النهائية سواء على مستوى الولايات؛ لأن لكل ولاية نظامها القضائي الخاص بها ومحاكمها المحلية، إلا أن المحكمة العليا لها الحكم النهائي في كل ما يختص بالقانون الفيدرالي.

 

ثم يُبيِّن تفاصيل أنواع المحاكم من فيدرالية بمستوياتها الابتدائية والاستئناف والمحكمة العليا والمحاكم الخاصة، والمحاكم الإدارية ومحاكم الولايات المتخصصة والمحلية، ويُبيِّن أشخاص النظام القضائي بدءًا من المدعي العام وهيئة المحلفين، وهي تجسيد لمبدأ سيادة الشعب (مثل المحاكم العرفية لدينا في مصر)، وهي مجموعة من المواطنين العاديين عددهم 12 يتم اختيارهم بطريقةٍ عشوائيةٍ للفصل في القضايا المعروضة على المحاكم؛ وذلك على أساس الحقائق التي تنكشف أثناء المحاكمة.

 

ويؤكد الكاتب استقلال القضاء في الولايات المتحدة كمبدأ ويعزز الدستور ذلك بأن القضاة الفيدراليين يعينون مدى الحياة بحيث لا يمكن إقالتهم إلا من خلال توجيه التهم إليهم وإدانتهم، ويقضي الدستور بعدم جواز خفض مرتبات أو حجب مكافآت القضاة، أيضًا كما يتم اختيارهم بما يؤدي إلا الاستقلال أيضًا، ويوضح الكاتب في الفصل الرابع النظام الرئاسي الفصل بين السلطات والضوابط والتوازنات التي تضمن ذلك، ويُبيِّن في الفصل الخامس الفيدرالية والفرق بين حكومات الولايات والحكم المحلي.

 

الانتخابات الأمريكية

ويفرد الكاتب الباب الثاني للحديث عن الانتخابات الأمريكية من خلال عدة فصول، بدءًا بنظرةٍ تاريخيةٍ على نظام التصويت والانتخابات في أمريكا، ولعل حق الانتخاب بشقي التصويت والترشح لم يتحقق فيه المساواة إلا بعد عقود طويلة من انقضاء الحرب الأهلية (1861م- 1865م) التي نشبت في الولايات المتحدة بين الحكومة الفيدرالية (الاتحاديين) وبين الولايات الجنوبية التي كانت متمسكةً بالعبودية.

 

ولم يكن هناك حق للسود قبل ذلك في التصويت، كما لم يكن للمرأة هذا الحق إلا في عام 1869؛ حيث سمحت ولاية ويمنج Wyoming للتصويت للنساء، وبنهاية القرن الـ 19 سمحت ثلاث ولايات أخرى للنساء للاقتراع، وفي عام 1920م بعد التعديل التاسع عشر للدستور سمح للمرأة التصويت والترشح.

 

ويتحدث عن الجداول الانتخابية ودقتها من خلال إشراف اللجنة الفيدرالية والشروط الواجب توافرها في المرشح والحملات الإعلانية ومراقبتها ثم نظم التصويت في الانتخابات ومعظمها الكتروني.

 

الانتخابات الرئاسية

ويخصص المؤلف فصلاً خاصًّا بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وتبدأ من عملية اختيار مرشح الحزب الذي يخوض الانتخابات باسم الحزب، ويعلن عن ذلك في المؤتمر القومي للحزب ثم تأتي مرحلة الدعاية والمناظرات بين المتنافسين وهناك لجنة خاصة بالمناظرات لتنظيمها.

 

ثم تبدأ الانتخابات على مرحلتين الأولى هي مرحلة التصويت الشعبي لاختيار أعضاء المجمع الانتخابي ثم مرحلة اختيار الرئيس ونائبه من قِبل أعضاء المجمع الانتخابي؛ وذلك بعد انتهاء التصويت الشعبي، وهناك انتقادات موجهة لنظام المجمع الانتخابي أنه لا يعكس الإرادة الشعبية الوطنية بدقة؛ لأن الفائزَ لا ينتخب عن طريق التصويت الشعبي المباشر، وأن المرشح الذي يحصل على أصوات أكثرية المقترعين في ولاية ما يحصل على أصوات كل الناخبين في تلك الولاية، وهو ما يجعل الأصوات التي ينالها المرشحون الآخرون لا قيمةَ لها.

 

وقد يؤدي هذا النظام إلى تقليص معدل إقبال الناخبين؛ لأن كل ولايةٍ لها الحق في عددٍ محددٍ من الأصوات الانتخابية بغض النظر عن معدل إقبال الناخبين، ومن أهم العيوب أنَّ هذا النظامَ يُميِّز بين الولايات بتفاوتٍ شديدٍ دون سببٍ منطقي، فهناك ولايات ممثلة بثلاثة أعضاء فقط مثل ويومينج ونورث داكوتا وميسوري، في حين أن ولاية أخرى ممثلة بـ55 عضوًا مثل كاليفورنيا و34 عضوًا مثل تكساس.

 

وهذا التباين يرجع إلى حجم أو تعداد السكان في الولاية عند وضع الدستور الأمريكي، ولم يحدث تغييرًا يراعي الخريطة الديمغرافية.

 

وبموجب النظام الانتخابي الأمريكي هناك قاعدة تقضي بأن الفائز بأغلبية الأصوات الشعبية على مستوى الولاية يحصل على كل شيء؛ بمعنى أن مرشح الرئاسة الذي يفوز بالأصوات الشعبية يفوز أيضًا بكل المندوبين الذين يمثلون الولاية في المجمع الانتخابي.

 

الأحزاب السياسية

ويخصص الكاتب الفصل الثالث للحديث عن الأحزاب السياسية بالولايات المتحدة، ويكاد تأثيرها يقتصر على الحزبين الكبيرين، وهما الديمقراطي والجمهوري، وعلى الرغم من ذكره المدخل التاريخي لوجود الحزبين وتناوله بالتفصيل تاريخ وأعمال الحزبين وانحياز أحدهما إلى كبار التجار والصناعيين وانحياز الآخر إلى المزارعين إلا أنه لم يطرح المبادئ الكاملة لكلٍّ منهما وما الفروق بينهما.

 

وقد تناوب الحزبان السيطرة على النظام السياسي الأمريكي منذ عام 1861م، وبرغم أن اللعبة الانتخابية منذ ذلك الحين تكاد تكون مقصورةً على الحزبين إلا أن هناك أحزابًا كثيرةً تصل إلى 218 حزبًا سياسيًّا، لكن معظم هذه الأحزاب ذات تأثيرٍ محدودٍ لدرجة يظن معها البعض، وخاصةً خارج الولايات المتحدة، أنه لا توجد أحزاب في الولايات المتحدة سوى الحزبين، ولكن هذا لا ينفي وجودها خاصةً أن كثيرًا منها قد خاض الانتخابات الرئاسية عبر مرشحيها.

 

ولكن السؤال هو لماذا يخفق المرشحون المستقلون أو المنتمون للأحزاب الأخرى دائمًا؟ ويجيب المؤلف عن هذا فيقول: برغم تنوع توجهات الأحزاب بدءًا من الحزب الشيوعي الأمريكي على أقصى اليسار إلى عددٍ كبيرٍ في الوسط ثم أقصى اليمين، ممثلاً في الحزب النازي الأمريكي، إلا أنه قلما استطاعت تلك الأحزاب أن يكون لها تأثير ملحوظ، بالإضافةِ إلى أن نتيجة الانتخابات لا تتوقف على قاعدة الفوز النسبي، بل على أصواتِ مندوبي الولايات في المجمع الانتخابي، وعلى مبدأ أن الفائز بأغلبية الأصوات الشعبية يحصل على كل شيء؛ مما يشكل عائقًا أمام هؤلاء المرشحين لعدم قدرتهم حصد أغلبية الأصوات الشعبية.

 

كذلك من المعوقات جمع التبرعات لتمويل الحملات الانتخابية وافتقارها إلى القدرات والشكل التنظيمي المنتشر على مستوى سائر أنحاء الولايات على غرار الحزبين الرئيسيين، ولعل أهم الصعوبات التي تواجه الأحزاب الصغيرة هو شرط إدراج أسماء مرشحيها على بطاقات الانتخاب؛ حيث يشترط القوانين الانتخابية ضرورة حصول المرشح على توقيع عددٍ معينٍ من المؤيدين داخل كل ولايةٍ حتى يمكن إدراج اسمه على البطاقات الانتخابية الخاصة بكل ولاية.
وبرغم محدودية دور تلك الأحزاب إلا أن ذلك لا يعني انتفاء دورها تمامًا، فبوسعها أن يكون لها تأثير ما على نتائج الانتخابات يُفسد على الآخرين آمالهم من خلال تقليلهم لأصواتٍ كان من الممكن أن تذهب لصالح مرشح أحد الحزبين الكبيرين، خاصةً في حالة تقارب المؤشرات التصويتية، ولعل زيادة أعداد الأحزاب يرجع إلى عدم وجود قيود على إنشاء أي حزب.

 

ثم يطوف بنا المؤلف بين عددٍ من هذه الأحزاب أولها الحزب الليبرالي المتحرر الذي يعتبر ثالث أكبر الأحزاب، وأنشئ عام 1971م ولديه فروع في الولايات الخمسين، ويؤمن أنصاره بالحريات الشخصية لدرجة المطالبة بتقنين زراعة وتعاطي المخدرات، ويؤيد الإجهاض وزواج الشواذ، ومعارضة ضوابط تملك واستخدام السلاح، ويطالبون بالحرية الاقتصادية الكاملة، والمتأمل في برامج الأحزاب القائمة في أمريكا يجد العجب والقلق والحيرة في نفس الوقت لهذا الكمِّ من الاختلاف، فهناك أحزاب يمينية معتدلة تحارب الفسق والفجور، وتُجرِّم الخمور والشواذ وغير ذلك مثل حزب أمريكا الأول الذي أُنشئ عام 2002م بواسطة شخصٍ يُدعى بتشنان، وهو فصيل انشق من حزب الإصلاح، وكذلك الحزب الأمريكي الحزب المسيحي المحافظ الذي أُنشئ عام 1972م من رحم الحزب المستقل الأمريكي وحزب التراث الأمريكي وحزب سياسي مسيحي، ويجعل من الإنجيل دستورًا له وكتابًا سياسيًّا.

 

وحزب الدستور والحزب الأمريكي المستقل والحركة الدستورية والكتائب الأمريكي والكتائب المسيحي بأمريكا وحزب التحريم وغيرها.

 

وهناك الأحزاب المتحررة مثل حزب الاستقلال، بل الأعجب من ذلك أن تقوم ثلاث أحزاب على المطالبة بإتاحة الحرية في زراعة الحشيش ونبات الماريجوانا، بل يُسمَّى بهذا النبات أحد الأحزاب (حزب الماريجوانا الأمريكي) الذي يدعو لتقنين زراعته، وكذلك حزب الأبريق، ويضم الشباب في أعمار المراهقة ويطالبون بحرية زراعة هذا النبات، بل الأعجب من ذلك هو حزب السلام عن طريق الجنس، ويقول بحلول جميع المشكلاتِ عن طريق الجنس.

 

أما الأحزاب اليسارية والشيوعية والعمالية في الولايات المتحدة فحدِّث ولا حرج؛ فالحزب الشيوعي الأمريكي، والحزب الجديد، وحزب العمل، وحزب الاتحاد الجديد، وحزب العمال الاشتراكي، والحزب الاشتراكي الأمريكي، وحزب العمل الاشتراكي، وحزب المساواة الاشتراكي، وحزب العمال التقدمي، وحزب الاشتراكيين الديمقراطيين بأمريكا، والحزب الشيوعي الثوري الأمريكي، بل هناك حزب الثورة، وكثير من هذه الأحزاب يرغب في التغيير عن طريق الثورة لا الانتخابات.

 

أما قائمة الأحزاب العنصرية فكثيرة مثل الحزب النازي والفاشي الأمريكي والخضر الاشتراكي القومي والفرسان، وهناك أحزاب تقوم على الهرطقة والخرافات مثل حزب القيم العائلية.

 

اليمين المحافظ

وفي الباب الثالث من الكتاب يتحدث عن أجنحة اليمين المحافظ "المسيحيون الجدد" و"المحافظون الجدد"، ويتعرض لطبيعةِ الدين في المجتمع الأمريكي والمذاهب المنتشرة، وكيف جاءت الصهيونية المسيحية ويوضح أن نشأة مذهب البروتستانت على يد مارتن لوثر في ألمانيا في النصف الأول من القرن السادس عشر.

 

حيث قاد بداية الانشقاق عن الكنيسة الكاثوليكية، وانتهى بظهور هذا المذهب البروتستانتي الذي يُدين به أغلب الأمريكيين والبريطانيين والألمان، وكان لوثر قد زار كنيسة روما فساءه فساد البابوية ومظاهر الانحلال الخلقي المتفشي في كلِّ الأوساط الكنسية وظهور ظاهرة صكوك الغفران فأعلن معارضته لهذا الانحراف البابوي.

 

علاقة البروتستانت باليهود

قبل نشأة البروتستانت كانت الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا تتمسك باعتقادها بعدم وجود ما يُسمَّى بالأمة اليهودية، وأن الرب طرد اليهود من فلسطين عقابًا لهم على صلب المسيح، إلا أن الكنيسة البروتستانتية تنكَّرت لهذا الاعتقاد، وأعادت طرح فكرة أن اليهود هم شعب الله المختار، وأن عودتهم إلى أرض فلسطين أمر ضروري لتحقيق وعد الله وعودة المسيح وقيام مملكته وتكريسًا لهذا التحول أصبح العهد القديم هو المرجع الأعلى للعقيدة المسيحية، وقد كتب لوثر حول هذا الموضوع كُتيِّبًا صغيرًا عام 1523م بعنوان كون يسوع المسيح ولد يهوديًّا، وقد أصبح فيما بعد أحد الشعارات المسيحية، وأظهر فيه لوثر تأثره باليهودية ودافع عن اليهود، وكان دافع لوثر لهذا الكتاب التبشير بالمسيحية لدى اليهود غير أن قناعته تبددت تمامًا بعدما فشل في استقطابِ اليهود وتحولهم إلى مذهبه، فنكص الرجل وارتدَّ إلى الضد على دعاويه التي أطلقها حول التسامح ومحاورة اليهود، وجاء أول إعلان عن خيبةِ أمله في رسالة كتبها عام 1532م يسب فيها اليهود قائلاً: إن هؤلاء الكلاب يسخرون منا ويتهكمون على ديننا، وفي كتابه الثاني "ضدهم اليهود وأكاذيبهم" طالب الأمراء الألمان باقتلاع اليهود من الأرض الألمانية وإذلالهم، ونزع من المسيح هويته اليهودية.

 

ورغم ذلك إلا أن الانتقال إلى العهد القديم كمرجعٍ للمسيحية فكان التأثير اليهودي على المسيحية وامتزجت البروتستانتية فكريًّا وعقائديًّا بالتعاليم اليهودية العقائدية والسلوكية؛ مما أدَّى إلى صياغةِ قالبٍ ديني جديد مميز للبروتستانتية الأمريكية بعد هجرةِ أصحاب المذهب إليها؛ مما أدَّى إلى ظهور الصهيونية المسيحية، ومن ثَمَّ ظهور الصهيونية اليهودية لاحقًا، وهو ما قاد بعد ذلك إلى تبني المشروع الصهيوني عمليًّا.

 

وبعد انقسام المذهب البروتستانتي على اثنين اللوثرية والبيوتانية الكاليفينية نسبة إلى جون كالفان ومصطلح البيوتيانيون يعني المصطفون أو الأنقياء، وبدأ هؤلاء يمارسون نشاطًا سياسيًّا كبيرًا في عهد الملكة إليزابيث الأولى ونتيجة تخوفها من الكاثوليك الذين حاولوا خلعها لم تقاومهم، وجاء بعدها الملك جيمس ستيوارت، وكان بروتستانتيًا كالفينيًا ومعظم حاشيته منهم، وبعد تاريخٍ طويلٍ من الكر والفر استطاعوا نشر مذهبهم في أوروبا وأمريكا، وتشكَّلت حكومة منهم في بريطانيا، وفي عهدها تمَّ أول وعد لليهود بأرض فلسطين؛ وذلك في القرن السابع عشر.

 

الصهيونية المسيحية

لم يتوقف تأثير البروتستانتية الأمريكية على مجرد المشاعر الحميمية بين البروتستانت واليهود، فقد تطورت الأمور تدريجيًّا وبشكلٍ سريعٍ نحو بروز ما سُمِّي بالصهيونية المسيحية حتى قبل تأسيس "إسرائيل" بسبب اعتناق البروتستانت بأنواعها، خاصةً الإنجيلية وبعودة الشعب اليهودي، ومن الجدير بالذكر أن الخلافات الجذرية في صلب العقيدة التي يؤمن بها كلٌّ من اليهود والمسيحيين لم تمنع حدوث التلاقي بينهما، فمن جانب تدرك إسرائيل أن تحالفها مع الإنجيلية السياسية التي تقود اليمين المسيحي المتصهين له فائدته الإستراتيجية، وهو ما ينسق مع المنهج البرجماتي للحركة الصهيونية والسياسية على الجانب الآخر لم تنظر الصهيونية المسيحية إلى الكيان منظورًا دنيويًّا أو حتى سياسيًا بل قضاءً إلهيًّا، ومن ثَمَّ فدعم إسرائيل التزام ديني.

 

أما مسألة تنصير اليهود والمزمعة طبقًا لتصورات الإنجيلية البروتستانتية فقد رأت الحركة الإنجيلية أن هذه مسألة مؤجلة حتى العودة الثانية للمسيح، ومن ثَمَّ فلا داعي للخوض فيها الآن حتى لا يؤثر ذلك على تحالفات المسيحية الأصولية وعلاقتها بالصهاينة، وهكذا نرى كيف امتزجت المعتقدات الدينية بالسياسة والادعاءات التاريخية، فنشأت علاقة متميزة بين البروتستانتية بأنواعها حتى الأصولية منها (الإنجيلية) وبين الصهيونية، بشكلٍ خاص فحدث التلاقي ويتحدث المؤلف عن المنظمات الصهيونية المسيحية التي تعمل في ميدان العمل السياسي، وهي تشمل مؤسسات تعليمية واجتماعية، وتُقدَّر عدد المنظمات الصهيونية المسيحية داخل الولايات المتحدة بأكثر من مائتي منظمة يمتد نشاط كثير منها إلى داخل إسرائيل وأبرزها السفارة المسيحية الدولية للقدس ومؤسسة جبل المعبد وتحالف الأغلبية الأخلاقية وحركة التحالف المسيحي والرابطة الصهيونية المسيحية والرابطة الدولية للمسيحيين واليهود والاتحاد الوطني من أجل إسرائيل.

 

والمسيحيون المتحدثون من أجل إسرائيل وغيرها، ويستنتج الدكتور جمال سلامة من هذا الوضع أن هناك آثارًا سلبيةً أوشكت أن تلقى بظلالها على المجتمع الأمريكي؛ لأن الانسياق خلف تلك التصورات يمثل عمليًّا نقصًا للأساس الفلسفي الذي قامت عليه الولايات المتحدة؛ مما يعد أكبر تهديدٍ قد تواجهه أمريكا بما يحمله من مخاطر على مستقبلها ووحدتها، ولعل ما يزيد من الآثار السلبية لتلك الظاهرة أن الأمرَ لا يقتصر على مجرَّد خللٍ في التوازنات بين قوى داخلية، بل يتعداه إلى مستوى العلاقات الأمريكية مع العالم الخارجي؛ لأن تنامي دور الإنجيلية السياسية والتي تتجلى في إدارة بوش الابن قد أحدث، وسيحدث تحولات جذرية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، خاصةً في ظل تعمُّد الولايات المتحدة فرض هيمنة قيمية أو أخلاقية تتوافق مع أطروحاتِ الإنجيلية السياسية.

 

وهو ما يُمثِّل تحولاً نوعيًّا في التوازنات الإستراتيجية الأمريكية، ومن المرشح أن تتزايد آثاره السلبية والخطرة على علاقات الولايات المتحدة مع العالم الخارجي؛ لأن الإصرارَ الواضح على التفوق دون مراعاةِ قيم ومصالح وثقافات الأمم الأخرى سوف يقود تدريجيًّا إلى تكتل دول العالم ضد الولايات المتحدة؛ مما سيجعلها في النهاية معزولة ومستنزفة.

 

المحافظون الجدد

ويخصص الجزء الأخير من الكتاب عدة مباحث عن المحافظين الجدد، وهي تجسيد لتيار فكري سياسي يعتنقه مجموعة متنوعة من الكتاب والإعلاميين والسياسيين والأكاديميين داخل الولايات المتحدة، وبرغم صغر هذه المجموعة إلا أنها مجموعة مؤثرة ونافذة للغاية.

 

وارتبطت نشأتهم بأفكار ليوستراوس أستاذ العلوم السياسية وأهم أفكاره الإيمان بالريادة الأمريكية والدعوة إلى تدعيم نفوذ ومكانة الولايات المتحدة والاعتقاد بأن القوةَ هي الوسيلة الوحيدة لكبح النزعات العدائية وتهذيب السلوك البشري، وضرورة استخدام شتى الوسائل الكفيلة بتحقيق القوة والتفوق في شتى المجالات، وعلى الرغم من تطور الحركة إلا أن أفكار ستراوس تحظى بالتبني من قبل الحركة.

 

ولهذه الحركة أساس أيديولوجي يتمثل في القيادة والرسالية، وهي أن لأمريكا دور تاريخي كقائدة للعالم الحر وحامية له وناشرة للديمقراطية والحرية عبر العالم، ولديهم قناعة بأن الأوضاع السياسية تجدد وفقًا للصراع بين الخير والشر، وأن المحك الرئيس للحكم على الشخصية السياسية هو ما إذا كانت عازمة على مواجهة قوى الشر وتفعيل قوى الخير، وفي هذا يعتقدون أنهم يملكون القدرة على تحديد المعايير الأخلاقية للخير ولديهم اعتقاد بأن القوة الأحادية والعسكرية يجب أن تبقى الأداة الرئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية، وكذلك العداء للمنظمات الدولية والتقليل من مكانة الدبلوماسية، وبعد أن يتحدث عن واقع هذه الحركة مع الرؤساء السابقين ليصل إلى وضعهم الحالي في عهد بوش الابن، خاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر إلى إبراز آرائهم وقوتهم كتيارٍ سياسي، وسعى المحافظون لتحقيق أجندتهم من خلال تسخير آلة الإعلام للتغلغل والتأثير على الرأي العام الأمريكي، كما سخَّر المحافظون عددًا من المراكز البحثية للترويج لأجندتهم، وأهم هذه المراكز معهد المشروع الأمريكي.

 

المحافظون والكيان

ويُوضِّح الكاتب أنه برغم اختلافهم مع التيار الإنجيلي ومع المسيحية الصهيونية إلا أنهم ذروة اليمين المتطرف الأمريكي المتصهين وهم أكثر تشددًا من الليكود، وفي دفاعهم عن المصالح الإسرائيلية يزعمون أنهم يدافعون عن المصالح الأمريكية، ويشهرون سلاح العداء للسامية في وجه خصومهم.

 

وعلى الرغم من تطبيق أجندتهم هذه إلا أنه يتضح أنهم يسعون للحرب على الإسلام بدعوى محاربة الإرهاب، ومع ذلك فأمريكا سارت في حربها من فشل إلى فشل، وبخلاف ما خطط له المحافظون الجدد تحوَّلت الديمقراطية المزعومة التي وعدوا بوش بها إلى كوابيس مرعبة في العراق وأفغانستان، وقد أدَّى هذا الإخفاق إلى سقوط العديدِ من مؤيدي المحافظين، ولم يبقَ من مؤيدي أفكار المحافظين داخل إدارة بوش إلا القليل أبرزهم كونداليزا رايس وديك تشيني، ويرى الكاتب أن هذا التيار لن يستسلم بسهولة، وستظل مراكزهم البحثية ووسائل إعلامهم في حالة استنفارٍ كاملٍ للترويج إلى خططهم، غاية الأمر أن يقل التأثير عن الفترات السابقة.