بسم الله الرحمن الرحيم


لعل من نافلة القول أن نذكِّر الرأي العام أنه قبل أن نتخذ قرارًا بخوض انتخابات المحليات بدأت حملة اعتقالات طالت رموز الإخوان في المحافظات بتهمة الاستعداد لخوض هذه الانتخابات المحلية، وكأنها جريمة، والتلويح بتشديد الأحكام على إخواننا خلف الأسوار الذين يستخدمونهم كرهائن ويحاكمونهم أمام محكمة عسكرية كي نعلنَ انسحابنا من هذه الانتخابات.

 

ولكن أمام الواجب الشرعي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتصدي للفساد ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وأمام الواجب الوطني الذي يفرض علينا السعيَ لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق بعدما أحدثه الحاكمون فيها من ثقوب، وإنقاذ شعبنا الصابر من البلاء الذي حاق به ووصل إلى لقمة خبزه، وشربة مائه، وصحته وعافيته، فضلاً عن فقره وبطالته وضياعه، ناهيك عن حريته المصادَرة وإرادته المزوَّرة وكرامته المُهدَرة، وأمام الحق الدستوري والقانوني الذي يكاد يرتفع بمرتبة الترشح إلى مستوى الواجب لمن يقدر عليه.. أمام ذلك كله لم يكن أمامنا مناصٌ من حزم أمرنا وخوض الانتخابات مهما كانت التضحيات.

 

وقد اتسعت دائرة الاعتقالات لتشمل أكثر من ألف شخص مع انتهاك حرمة بيوتهم في منتصف الليل، وترويع نسائهم وأولادهم والاستيلاء على أوراقهم وأجهزة كمبيوتراتهم، وإغلاق بعض مصادر أرزاقهم من محلات تجارية وشركات اقتصادية وغيرها، ونقل عشرات الموظَّفين لمناطق نائية.

 

ومع فتح باب الترشيح بدأت إجراءات إدارية وأمنية شديدة التعنُّت تضع العراقيل عند كل خطوة لتحول دون الراغبين من إخواننا في الترشح؛ بدءًا من استخراج صحيفة الحالة الجنائية، إلى مضاعفة التأمين النقدي، إلى استخدام البلطجية في الاعتداء على إخواننا وخطف أوراق الترشيح منهم، إلى تحويل مقارِّ تلقي الأوراق إلى ثكنات عسكرية بهدف إرهاب الراغبين في الترشيح ومنعهم من تسليم أوراقهم، إلى طوابير العاطلين التي لا تتحرَّك أبدًا حتى تُغلق نوافذ تسلُّم الأوراق، إلى الاستمرار في اختطاف الأفراد واعتقالهم؛ الأمور التي شعرنا معها أننا لا ننافس حزبًا بالمعنى المتعارَف عليه بقدر ما ننافس مجموعةً من الفاسدين الذين لا يتورَّعون عن استخدام كل الوسائل غير الأخلاقية وغير القانونية بما فيها استخدام مؤسسات الدولة ضد وظيفتها الشرعية.

 

ولم يكن أمامنا من سبيل إلا اللجوء إلى القضاء العادل كملاذٍ أخير للحصول على أحكام بتسجيل مرشَّحينا الذين مُنعوا من الترشُّح قسرًا في قوائم المرشحين، وبالفعل أنصَفَنا قضاء مصر الشامخ، فأصدر آلاف الأحكام لصالح إخواننا بوجوب تسجيلهم في قوائم المرشَّحين.

 

وقد رفض المسئولون الحكوميون تنفيذ أحكام القضاء في انقلابٍ واضحٍ على الدستور والقانون الذي يُوجب على النظام الحاكم احترامَ سيادة القانون وتنفيذ أحكام القضاء (مادة 64، 72 من الدستور).

 

ومن ثم لجأنا إلى القضاء مرةً ثانية، مطالبين بإيقاف الانتخابات وبطلان إجرائها؛ لعدم امتثال الحكومة للأحكام القضائية السابقة، وحصلنا على حوالي ألف حكم قضائي بإيقاف الانتخابات.

 

وعندما نادَينا بضرورة تنفيذ أحكام القضاء شنَّت الداخلية حملة اعتقالات جديدة طالت ما يقارب أربعمائة من رموز الإخوان.

 

وهكذا يتضح بجلاء أن حزب الفساد والاستبداد يخشى أية منافسة ولو كانت محدودة، وبالتالي فهو يسعى إلى إنهاء الانتخابات بالتزكية لأعضائه أو انتخابات صورية بين رجاله بعضهم وبعض، ويجعل منها تمثيليةً هزلية لا جدوى من ورائها ولا نفع.

 

وليس معنى ذلك أن نيأس أو أن نتقاعس، ولكن علينا في كل مرة أن نبذل قصارى الجهد ونقدِّم أغلى التضحيات كي يعلمَ الناس جميعًا مَن الذي يبتغي الإصلاح ومن هم المفسدون، مَن الذي يخدم الشعب ومن الذي ينهبه ويذله ويُفقره، مَن الذي يحترم الدستور والقانون والقضاء ومَن الذي لا يحترم منهم شيئًا، مَن الذي يلتزم بمبادئ الحرية والديمقراطية والنزاهة وحقوق الإنسان ومَن الذي يتسلَّط ويستبد ويغتصب السلطة ويزوِّر الانتخابات ويعتدي على الحقوق والحرمات.

 

وبناءً على ما تقدَّم فإننا نودُّ تأكيد الأمور التالية:

أولاً: أننا سنظل نكافح سياسيًّا وقانونيًّا حتى نُبطل انتخابات المحليات في حال إجرائها.

 

ثانيًا: دعوة الشعب إلى مقاطعة هذه الانتخابات المزوَّرة قبل إجرائها؛ احترامًا للشرعية التي عبَّرت عنها أحكام القضاء، والتي أهدرتها الإجراءات الحكومية.

 

ثالثًا: سنظل نواجه الاستبداد والفساد، ونسعى سلميًّا إلى الإصلاح والتغيير عبر القنوات الدستورية والقانونية؛ بما يحقِّق نهضة وطننا وتقدُّم أمتنا.

 

وفي النهاية فإننا نتوجَّه بخالص الشكر والتقدير والاحترام للإخوان المسلمين الذين ضحَّوا وأُوذوا وصبروا ابتغاءَ وجه الله ثم لتحقيق مصلحة الشعب والوطن، وكذلك لجمهور شعبنا الحبيب الذي آزرنا وأيَّدنا في كل المحن والشدائد، فرَّج الله عنه الكرب وأزال عنه الغمة.

﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ و﴿حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾

محمد مهدي عاكف- المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة في: 1 من ربيع الآخر 1429هـ الموافق 7 من أبريل 2008م